سومر شحادة: لو لم تقع الأحداث في سوريا لكتبت قصة حب باردة وتفرّغت لعملي في الهندسة
*عنوان روايتي "منازل الأمس" لا يكرِّس للماضي.. إنَّه يقر به ثمّ يدعو للفرار منه
* حكاية الرواية عن غياب الأم ومحاولة خلقها من جديد بصورة مركَّبة داخل ابنتها
* الرواية عن النهايات الحادة للحبّ.. عن عالم نبنيه ثم نهدمه ونتركه خرباً وخاوياً
*بعد زمن من العيش تحت سطوة الحرب أصبحت المخاوف جزءاً منا
* ما نعيشه هو رأس جبل الجليد والكتابة بحثٌ عن عمق الجبل تحت البحر
* اللاذقية في أعمالي مدينة عادية.. يحدث فيها الحب والخيانة وتنمو فيها الصداقة إلى جوار الخديعة
* المثقفون السوريون يعيشون في جزر معزولة والتعامل معهم أشبه بالتعامل مع رمال متحركة
* تعلمت أن أعمل مثل الفلاح.. والجوائز ساعدتني على الخلاص من إلحاح الاعتراف
يتحدث الروائي السوري سومر شحادة في هذا الحوار بكثير من الصدق والشجاعة والعفوية، سواء عن نظرته إلى الفن - انطلاقاً من روايته الجديدة "منازل الأمس" – أو رؤيته لأحوال المثقفين السوريين، فبسبب كراهيتهم لبعضهم البعض، كما يقول، أصبح ينتمي إلى جيل بلا آباء.
سومر شحادة الذي يعد واحداً من أبرز الأصوات السورية والعربية الجديدة، المولود عام 89 في اللاذقية، حصل على جائزتين مهمتين، هما جائزة الطيب صالح وجائزة نجيب محفوظ، ويرى أنهما جعلاه من اللحظة الأولى لا يلحُّ على طلب الاعتراف، وإنما يتفرغ للكتابة، وقد أصدر إلى الآن ثلاث روايات، فبخلاف "منازل الأمس" هناك "حقول الذرة"، وكذلك "الهجران". في هذا الحوار ينطلق سومر شحادة من الحديث عن أعماله إلى تناول أوضاع الأدب والسياسة في بلده سوريا.
لنبدأ من عملك الجديد.. ألا ترى أن العنوان وهو "منازل الأمس" حكم على الرواية منذ البداية بأنها ستكون مشدودة دوماً إلى الماضي؟
الرواية تخرج من بلد فقد المستقبل، ما إن فقد الفرصة في التغيير. تخرج من بلد كلُّ ما فيهِ، ينتمي إلى الماضي. والقول بأنَّنا نعيش في الماضي، قول عام. في الواقع؛ نحن لا نستطيع العيش خارج الماضي بسهولة. صدَّرت النص بمقولة جبران: الحياة لا ترجع إلى الوراء ولا تلذُّ لها الإقامة في منزل الأمس. لكن قبل ذلك، وددتُ القول؛ أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة. وتأكيد الماضي في العنوان، دعوة لإطلاق الأبناء منه. العنوان لا يبحث عن تكريس الماضي، إنَّه يقر به، ومن ثمّ يدعو لمغادرته، للفرار والنجاة منه.
تمتلئ الرواية بإشارات تؤكد أيضاً سطوة الماضي، مثل "نحن أبناء الماضي"، أو "ينغلق الماضي على أسئلته"، أو "البشر يرتبطون بصور يحفظونها للآخرين في ذاكرتهم على نحو أشد مما تجمعهم الوقائع"، هل تقول الرواية كذلك أن مصائرنا محكومة دائماً بالبدايات، أو بالتربية، وأننا لا نستطيع التحرر من أسر تلك البدايات أو التربية؟
نحن نعيد سلوك أحدٍ ما؛ لا شيء في حياتنا يتغير حتى نتغير معه، أو حتى يغيرنا. كان هناك فرصة للثورة والتغيير، لكنها لم تعد موجودة. نعيش في سنوات موات الحرية. ومن البداهة، أن يكون سلوك الشخصيات نكوصاً محموماً إلى الماضي. الحاضر ردم ودم، والمستقبل مفقود وقلق وهو خارج المكان الذي ألفناه. قصارى جهد الشخصيات، أن تلوب حول عقدة ما، حول ذنب؛ تخاله لفداحة عيشها، ذنب وجودها. الأمر الذي جعل الرواية نفسية إلى حد ما، فالشخصيات في سعي شاق إلى فهم ذاتها، إلى فهم ماضيها. إنها شخصيات لا تكرر الماضي فقط؛ بل تحفر، وتحفر إلى أعمق نقطة في وعيها، وتسبرُ عالمها الداخلي بشجاعة وقسوة، كي تعيد سيرة الماضي. هذا كلّه، إشارة إلى غياب آفاق التغيير.
لماذا أبقيت مصير الأم وداد غامضاً إلى النهاية، حتى كشفت عنه في حوار سريع بين فدوى وكارم؟
ما صنع الحكاية في النهاية، هو الصوت الغائب لوداد. وأردت أن أقول إنَّ الحكايات تخفي أكثر مما تظهر؛ حتى تلك العلاقات التي تظهر واضحة مكشوفة وصريحة، يمكن أن تكون في حقيقتها مختلفة. الالتباس هو الأصل. الإنسان كائن مجهول حتى أمام نفسه. وما نود أن نفهمه، ما نؤكده بالكتابة، هو صورة من صور الحقيقة، واحتمال من احتمالات الحياة. لكن في الواقع، الحياة تطفو في نهر من الالتباس. الإنسان مجهول، وحتى النصوص المقدسة التي تشرح الإنسان، تقول إنّه جرم صغير. وفي هذا الجرم، قد يحصل كل شيء، إذ انطوى فيهِ عالم أكبر. الكتابة إذن، تؤكد احتمالاً، وتلغي آخر. هذه فضيلتها في الخلق. لكن بالقدر نفسه، الأمر الذي يجعل الكتابة محدودة أمام سعة افتراض الحياة. أحب أن أكتب الاحتمالات كلها، لأن الحياة توفّر الاحتمالات كلها؛ إما عبر التورية أو عبر التصريح، وإذا أردت عبر القمع. لأنَّ القمع أمر ضدَّ الطبيعة، وما تقمعه، ما تكبته، ما تحرمه من الوجود، سوف يظهر بشكل آخر؛ بل ما نقمعه قد يظهر بصورة أكثر إلحاحاً.
أليس غريباً ألا تحاول نسرين البحث عن أمها طوال زمن الرواية؟
منازل الأمس، حكاية عن القسوة. ووداد لم تأخذ دورها في حياة ابنتها منذ البداية. لقد تركتها. فالحكاية إذن عن غياب الأم، ومحاولة خلقها من جديد بصورة مركبة داخل ابنتها. ليست الرواية بحثاً عن الأم. فالأم موجودة. ولكنها رحلت بقرارها. وربما في تفاني نسرين في حياة أبنائها طوال ثمانية عشر عاماً، كانت تبحث عن أم، وأرادت أن تكون مثالاً جيداً في حياة أبنائها. ثم في النهاية، أدركت أنَّها لن تستطيع الاستمرار. وغادرت. وحتى مع مغادرتها استمرت مهووسة بألا تُقارن بوالدتها. لأنَّ نسرين، لم ترفض أمومتها، وإنَّما استهلكها هذا الدور، إذ كانت وحيدة في زواجها.
"منازل الأمس" هي رواية أصوات.. ما الذي منحته لك تقنية تعدد الأصوات في الرواية؟
أتاحت لي أن أقول كيف يفتت الزمن الحبّ من وجهتي نظر، تقفان على النقيض. أحدهما أراد أن يتمسك بتلك العلاقة، والآخر أراد أن يتخلَّى عنها. ثمَّ مع الوقت، انقلبت الآية، وتبادلا الأدوار. بالتالي، الحكاية عن فوات الأوان. عن فرق الإدراك. وتعدد الأصوات، أتاح لكل من نسرين وكارم، أن يتحدثا بلا خشية أن يتعرضا لمحاكمة قد يجريها الراوي. فاللغة ما إن تأتي من خارج الشخصيات حتى تصير عنفاً عليها. وأن يفكك رجل وامرأة عالمهما، ويتركا أبناءهما، خطوة يرفضها التيار العام من الناس. لكن هذا الرفض لا ينقص من حقيقتها شيئاً. أردت لنسرين وكارم أن يكونا مرتاحين في الحكي. والرواية، تتحدث عن بشر حقيقيين. لكل منهم صوته.
لماذا لم تمنح بعض الشخصيات القدرة على التحدث مثل الجدة "حنيفة"، أو العم "يعرب" أو الاثنين اللذين حاولا التقرب من نسرين، سواء اللبناني نديم أو قريبها السوري عامر؟
لأنَّ الرواية تتحدث بالضبط عن النهايات الحادة للحبّ، عن ذلك العالم الذي نبنيه، وبعد ذلك نهدمه، نفككه، نسيئ إليه، نتركه خرباً وخاوياً. شعرت بأنني لا أريد أن أشوّش غاية النص التي هي قَهرُ الحب، قَهرُ تلك الأسطورة التي يبنيها الإنسان من جرَّاء حاجته إليها، ومن ثمَّ يهدمها من جرَّاء ضيقه فيها. كتبت عن هذا الشقاء بالضبط، لم أكتب نصاً عفوياً الجميع فيه يتحدث. بل اقتصر حضور الجدة والعم، والشركاء الآخرين في حياة الأزواج، على الصورة التي خرجوا بها؛ لأنّني أردت أن يعرف القارئ حكاية الحب نفسه بأصوات أبطاله أو ضحاياه. وكلّ ما ظهر في الرواية- حتى السياسة- ظهر فقط، كي يدفع القارئ إلى ما أردته.
كانت السياسة حاضرة في الخلفية، حيث الإشارات بانقلاب الأخ على الرئيس في سوريا، أو موت الرئيس السوري، أو ما جرى عقب الأحداث الدامية في سوريا.. ما الذي أضفته السياسة في تقديرك على الرواية؟
في سوريا لا يوجد زمن –على الإطلاق- خارج الزمن السياسي. وأخال أن السبب، هو غياب العمل السياسي. صباح يوم وفاة الرئيس التقى كارم مع نسرين. هذه مصادفة. قد يرى أحدهم أنَّ فيها نوعاً من الادعاء. هذه وجهة نظر لها وجاهتها. لكنني كتبت الرواية في شرط الفن الذي أحب أن أقرأه؛ أقصد أنَّ الفن هنا، أعاد ترتيب الواقع، وأخرجه من قيده السياسي ومن انغلاق آفاقه. أيضاً ذكرت جانباً غائباً في التجربة السياسية السورية ككل، وهو خط اختفى مع بداية السبعينيات، الكثير من رموزه لم يكتب لهم حتى أن يدفنوا داخل بلدهم. وفي هذا حاولت أن أنسج علاقات مع نماذج غابت، لأقل علاقات شفيفة، تُظهر بناء الرواية على أكثر من مستوى؛ كأنما السرد يجري في أكثر من طبقة من العوالم المنهدمة. ما نراه، ما نعيشه، ما يصل إلينا، ليس سِوى رأس جبل الجليد؛ والكتابة كما أفهمها، بحثٌ عن عمق الجبل الذي غمره البحر.
لو لم تقع الأحداث الصعبة في سوريا هل كان يمكن لنسرين أن تتخذ القرار الصعب بالانفصال عن زوجها كارم والعودة إلى اللاذقية؟
الإجابة قد تجرحني، لأنني طوال 12 عاماً من الحرب لم أخرج من اللاذقية، ولم أفكر جدياً بهذا. سؤالك افتراض، يحتاج رواية مختلفة. إذا أردت، يحتاج حياة لم أعشها. ويحتاج نظرة من زاوية عيش لا أقوى على افتراضها. إذ مثلاً؛ لو لم تقع الأحداث في سوريا، لكتبت قصة حب باردة، وثم تفرّغت لعملي في الهندسة. لكن الذي حدث، أنني عشت في بلد ينهار، وكل صباح يفقد شيئاً منه. الكتابة كانت سعياً لالتقاط آثار ما يغيب. افتراضك نفسه، هو احتمال غائب. لم أفكر به، ولا أقوى عليهِ. بعد زمن من العيش في واقع الحرب، تحت سطوتها وارتيابها، تصبح المخاوف جزءاً منا.
وبمناسبة اللاذقية.. هل كان لديك طموح بأن ترسم لوحة فنية لها عبر أزمانها المختلفة؟
هذا فعلته في رواتي "الهجران". أنا من مذهب يعتقد أنَّ على المرء أن يكتب عن شيء يعرفه، وأنا أعرف اللاذقية. أو هذا ما أظنه، وما أدعيه. وأحب أن أقدم صورة عنها خارج الصورة التي قدمتها لها السلطة. لا تنسى، إنها مدينة الرئيس. الأمر الذي وسمها بصورة، بدا ألا فكاك منها. ما أردت أن أقوله في الروايات التي كتبتها عن اللاذقية. أنها مدينة عادية، يحدث فيها الحب والخيانة، وتنمو فيها الصداقة إلى جوار الخديعة، مثل أي مكان على المعمورة. مدينة عرفت الحرب، عرفت الموت واللجوء، عرفت السجن السياسي. أكاد أقول، ألا شيء يميزها. سوى أنها المدينة التي عرفتُ فيها الحب والعائلة وعرفتُ الخسارة أيضاً. إنّها مدينتي، ببساطة، ولا أتساءل كثيراً حيال هذه الحقيقة.
هل تعتبر اللاذقية مدينتك ككاتب كما هي مدينة ميلادك؟
أتمنى هذا. لكن لديَّ شكوك حياله. لأنَّ اللاذقية مدينة متنوعة جداً، خصوصاً إذا وضع تنوعها مقابل ما أرادت له السلطة أن يكون وأن يظهر. الكتابة هنا أحياناً تكون صراعاً، نحن نصارع سردية أقوى منا. وما جعل من سردية السلطة سردية قوية، ليس فقط امتلاكها للآلة الإعلامية. أيضاً على الجانب الآخر، مَن خرجوا من أجل التغيير، أو زعموا التغيير، وجدوا في اللاذقية مدينة بصورة واحدة، لا تختلف، ولا تشذُّ عما أرادت له السلطة أن يكون. الأدب يقاوم كلّ هذا في بحثه عن التنوّع وعن الفرادة وعن الخصوصية.
هل يمكن كذلك القول إن الرواية عن سطوة المكان، حيث نصبح مشدودين إليه مهما ابتعدنا؟
هذا مؤكد. وأكثر من ذلك، إنها عن مصير المكان بقدر ما هي عن مصير أبنائه. عودة نسرين إلى اللاذقية، حدث غير معقول. إذ حتى الحجارة تريد أن تغادر سوريا بعد سنوات الحرب الطويلة. السفر حديث جميع البيوت. الرواية، بصورة ما، ليست فقط عن عائلة تفككت. فككت ذاتها. إنها عن بلد فكك نفسه أيضاً. أبناؤه غادروا، ومدنه تغيرت. سوريا التي عرفناها، لم تعد موجودة خارج ذاكرتنا. لا أقول هذا آسفاً، رغم قسوته، لكني أقوله كاعتراف يفسر لي حضور المكان وأثره في الشخصيات. فالمكان صار في وعينا العام، مكاناً مفقوداً، مكاناً لولا أنَّنا مشينا في شوارعه وسكنا في بيوته، لقلت إنَّه مكان متخيل منذ البدء.
سليم عامل نسرين كأفضل ما يكون رغم الشك في أنها قد لا تكون ابنته وإنما بذرة اعتداء يعرب على وداد.. ألم تكن شخصية سليم ملائكية أكثر من اللازم؟ هل تراه شخصاً واقعياً؟
ربما تكون ابنته. وأيضاً تركتُ إشارة إلى أنها ليست ابنته. لكنني لم أجزم بالأمر. أنا نفسي لست متأكداً. وقد أردت باستخدام شخصية يعرب أن أظهر عنف التعدي السلطوي الذي مورس على البيئة التي تخرج منها الشخصيات، ومن ثم تسافر وتصنع تجربتها، وتعود مسكونة بعار مفارقتها المكان. سليم ليس ملائكياً. إنَّه قاسٍ قسوة بلا حدود. وقد حكم على نفسه بانتظار امرأة لن تعود مدة ستة وثلاثين عاماً. وهو مثال عن بشر مهزومين. في الواقع، كنت على معرفة مع أحدٍ أمضى سنوات يلخص قصة الحضارة في دفاتر من مائة ورقة. هذا واقعي. وتراه في سوريا بسبب الطبيعة التي سار فيها زمننا. في النهاية، تفرض العزلة قوانينها على الناس، ونحن نعيش في بلد معزول بالمطلق. لكن ما أردته باستخدام سليم، أن أعطي للفن، كلمته. مجدداً، لم أكتب نصاً عفوياً، وسليم مثالٌ لرجل عاطفي. أردت أن أظهر باستخدامه أثر العاطفة، وأثر كبت الحبّ وغياب التعبير الحر عنه.
أين تضع "منازل الأمس" بين أعمالك الأخرى؟
في منزلة بين "الهجران"، وعملي التالي. وفي الأعمال الثلاثة، انشغلت بفكرة العائلة التي تخضع لظرف الحرب، أو لعسف السياسة أو لقسوة الزمن نفسه. لكن بعد هذا المشروع، سأكتب شيئاً مختلفاً.
ما جيلك في سوريا ومن الكتاب الأقرب إلى ذائقتك ولماذا؟
أنتمي إلى جيل تشكلّ وعيه بالكتابة في ظرف قاهر: أقصد المثقفين السوريين يعيشون في جزر معزولة، والتعامل معهم أشبه بالتعامل مع رمال متحركة. الوضع الثقافي السوري شديد التأذي بسبب الواقع السياسي العام، أحياناً أشعر أنَّ الكثير من المثقفين يكرهون بعضهم، ويحمِّلون بعضهم البعض أسباب فقدانهم بلدهم. بالتالي، أنتمي إلى جيل اضطر إلى أن ينشأ بلا آباء.
أحبُّ عربياً كتابة الروائي اللبناني حسن داود، وأحبُّ في سوريا كتابة الروائي ممدوح عزَّام. ودليلي إلى ذلك، أنَّهما يعرضان الحياة العادية بصورة آسرة، وهما يعرضان مصائر البشر إمَّا في أعقاب الحرب الأهلية أو تحت العسف السياسي، عرضاً لا يخلو من الدراما. وفي الوقت نفسه نراها دراما الحبّ الذي يعيد نسج الحياة من حوله، وهو حب يجترح أسلوباً في التعاطي مع المكان، يظهر كما لو أنَّ السويداء أو بيروت معجونتان بالحب الذي لمدى انتشاره وبساطته، لا تقع عليه.
حصلت على جائزتين مهمتين يحملان اسمي اثنين من أهم كتَّاب العربية وهما الطيب صالح، ونجيب محفوظ.. ما الذي يمثله ذلك لك؟
أحبّ هذا. لكن كل شيء في عالمنا منهار. ويكاد لا يعني شيئاً أن تحصل على جائزة فيما بلدك ينهار، وأهلك يموتون في السجون وفي البحار. على الصعيد الشخصي، تعلمت أن أعمل مثل الفلاح؛ ما إن أستيقظ حتى أخرج إلى العمل، كما أنام باكراً لأن نهاري شاق. وقد ساعدتني جائزة الطيب صالح على النجاة من الجو الثقافي السوري العام الذي أعاد المثقفون السوريون إنتاجه في الخارج مثلما كان في الشام بالضبط. أقصد، بدأت مشواري من الخرطوم، وتأكَّد في القاهرة؛ لم أعبر من دمشق أو من بلدان اللجوء؛ الأمر الذي ساعد مشروعي على النمو في الهامش الذي لم يلتفت إليه تياران كبيران في الثقافة السورية. بهذا المعنى، كتبتُ في هامش الهامش، والجوائز ساعدتني على الخلاص من إلحاح الاعتراف؛ أنا كاتب. يجب أن أصدق هذا، ويجب أن أتفرغ أكثر لتقديم مقولتي. الاعتراف لا يشغلني بعد الآن.
أخيراً.. ما طموحك للكتابة على المستوى البعيد؟
أن أكتب رواية عن سوريا بالطريقة التي أراها فيها سياسياً. وربما لا تكون رواية واحدة. ربما يكون مشروعاً يشبه المشروع الذي أنجزته عن العائلة، والذي احتاج إلى ثلاث روايات -الثالثة تنتظر الناشر- لكن بصورة عامة، طموحي أن أبقى كاتباً يستطيع قول ما يشاء، وبالطريقة التي يفرضها الفنّ.
