برنامج إذاعي يروي قصصه حكواتيون خمسة
بثت إذاعة سلطنة عمان أولى حلقات البرنامج الإذاعي "احكي لنا حكاية" مع حلول شهر رمضان المبارك، والذي شارك فيه خمسة من "الحكواتيين" العمانيين وهم أحمد الراشدي، وعبدالعزيز الراشد، وزهرة الجامعية، ووفاء الحنشية، وراشد الغافري، حيث يتناوب الحكاؤون الخمسة طيلة الشهر الفضيل في رواية وسرد ثلاثين حكاية شعبية باللهجة العامية، باعثين بذلك الحنين لحكايات كان يرويها الأجداد والجدات.
- خطوة لترسيخ فن الحكواتي
يقول أحمد الراشدي عن مبادرة إذاعة سلطنة عمان في تخصيص برنامج للحكاية والحكواتيين: "مبادرة إذاعة سلطنة عمان ممثلة في الكاتب والإعلامي سليمان المعمري -رئيس قسم البرامج الثقافية- بأن يطلب منا إعداد تصوّر لبرنامج حكواتي هو تعبير لمتابعة إذاعة سلطنة عمان للواقع والمشهد الثقافي، حيث كانت هناك متابعة لملتقى الحكواتي الأول الذي أقامه النادي الثقافي لتدريب مجموعة من الحكواتيين، وللصدى الجميل الذي تركه في الوسط الثقافي، ورغبة الشارع والجمهور في أن يسمع الحكايات الشعبية التي تربّى عليها جيل من الأجيال وافتقدوا للراوي والحكواتي الذي يحكيها والمقصود هنا الجدات والأجداد الذين رحل بعضهم عن الحياة، فوجود برنامج وحكواتي فنان يحكي هذه الحكايات التي يعرف الجمهور بعضها وبعضها الآخر الذي لا يعرفه تمثّل فرحة وجدانية، وتمثّل لنا خطوة جيدة لتثبيت فن الحكواتي في عمان، حيث إن هذا الفن بدأ بخطوات سابقة لنا في مصر والشام والعراق وهو تطوّر طبيعي لمهرجانات الحكواتيين والحكاية التي تقام في الوطن العربي، وستكون مشاركة الحكواتي العماني خطوة ونتيجة وأثرا لهذا البرنامج الإذاعي الجميل". ويشير راشد الغافري إلى أن وجود برنامج يهتم بهذا الفن أعطاهم دافعا أكبر في إبرازه بشكل يجذب المستمع وكذلك يطوّر من أدائهم كحكواتيين.
فيما تشير زهرة الجامعية إلى أن هذا البرنامج يعد نقلة نوعية بالنسبة لها، موضحة أن ممارسة فن "الحكي" بشكل يتناسب مع كافة الفئات العمرية وبالصوت فقط يتطلب العديد من المهارات التي من خلالها يستطيع الحكواتي تجسيد اللحظة بأحداثها لدى المستمع عبر الصوت وحده، كما أنه ولفترة طويلة لم يكن هناك عمل مؤسسي منظم يهتم بفن الحكواتي وتنمية قدراته رغم أن هذا الفن يعد أحد الفنون الرائجة والتي تحكي ثقافة وتراث الشعوب.
وأضافت: "هذا يشعرني أيضًا بالمسؤولية تجاه تطوير مهاراتي وتنمية مخزوني الحكائي، والبحث بشكل جاد عن حكايات لشخصيات عمانية لأكون فردا فاعلا في نقل هذه الحكايات عبر الأجيال، لأنني أؤمن أن الحكايات لا تموت بل تنمو في قلوب مستمعيها بشكل ما لتثمر في حياتهم بأشكال مختلفة".
- محتوى البرنامج
ويشير أحمد الراشدي إلى أن محتوى البرنامج تمت صناعته من خلال حلقة تدريبية في انتقاء المحتوى تحت إشراف الكاتب والإعلامي سليمان المعمري، وقد تمثّل هذا الانتقاء في محفوظات الحكواتيين الخمسة المشاركين أو من خلال الكتب التي وثّقت وجمعت الحكايات الشعبية العربية والعمانية فتم انتقاء الحكايات التي تتناسب مع سياسة وأهداف البرنامج والإذاعة وكذلك من المسموعات التي كان يسمعها المشاركون من الحكواتيين الآخرين في الوطن العربي وخاصة أولئك الذين تدرّبوا على أيديهم.
وأضافت زهرة الجامعية أن المصادر المستخدمة تنوعت، فهناك حكايات سمعوها من الجدات، وأخرى قرؤوها في الكتب، وأخرى من حكواتيين عرب، مشيرة إلى أن كل حكواتي قام بتكييف الحكاية وإعادة صياغتها بما يناسب البيئة العمانية وما يمكن أن يناسب كافة الشرائح العمرية المستمعة. أما بالنسبة لوفاء الحنشية فقالت: "تبقى الحكايات التي سمعتها كوفاء من الجدات والأمهات في بلدتي هي الأكثر حضورًا".
- تحديات غياب التواصل البصري
وفي سؤال التحدي البصري الذي واجهه الحكواتيون خاصة كون البرنامج إذاعيا، قال الراشدي: "صحيح أن التواصل البصري من سمات الحكواتي، لكن الإذاعة وفّرت وسيلة جاذبة وجميلة جدا، وهي الطبقة الصوتية والتلوين الصوتي والتمثيل الإذاعي والحكائي للحكاية الذي يجعل الحكواتي متواصلا مع أذن المستمع، وبذلك وفّرت الإذاعة التواصل السمعي والوجداني مع المستمع والمتلقي والجمهور".
وأضاف عبدالعزيز الراشدي: "بالفعل صحيح، ففي الإذاعة نحكي دون جمهور، لذا يجب علينا أن نحكي ونحن نتخيّل الجمهور أمامنا وكأننا نحكي لهم، حتى لا تفقد الحكاية روحها وتصبح سردا خاليا من الإثارة والتشويق. وهنا نوجه كلمة شكر للمخرج حمد الوردي والإعلامي سليمان المعمري على توجيههما المستمر وملاحظاتهما وصبرهما أثناء التسجيل، فقد كان لهما دور مهم في خروج العمل بهذا الشكل، رغم أنها التجربة الأولى في الإذاعة لمعظم الحكواتيين". فيما رأى الغافري أن الأمر كان أكثر سهولة مما توقع وكانت لديهم الأريحية في سرد القصص والتغلب على الأخطاء بإعادة التسجيل بعكس التقديم المباشر.
وقالت الجامعية: "بكل تأكيد كان هذا تحديا كبيرا واجهناه، لذلك في الحكايات الأولى المسجلة قمنا بدعم بعضنا البعض عبر الحضور من خلف زجاج الأستوديو وتشجيع بعضنا البعض بالتفاعل مع الحكايات بوجودنا مع الزملاء الذين يقومون بالتسجيل، كما أن دعم وتشجيع وملاحظات سليمان المعمري أثناء التسجيل كان لها دور كبير في أن نتجاوز التحدي والخوف الأول، لاحقًا اشتغل لدينا خيال الحكواتي الذي يتخيّل جمهوره وهو يندمج في الحكاية معه، يفتح ثغره وعينيه دهشة، ويقطب جبينه غضبا، بل وأمكنني سماع قهقهات المستمعين بخيالي. إن فن الحكواتي يتطلب تقمص الحكاية، تلبستنا الحكايات فكانت كما ستستمعون إليها". وقالت الحنشية: "كان هناك تحدٍ كبير بالنسبة لي. الوقوف أمام مكبر الصوت ومحاولة إيصال المشهد للمستمع صوتيًا وكل الانفعالات وما إلى ذلك تشكل تحديًا للحكواتي الذي يخاطب جمهورًا لا مرئيًا بالنسبة له".
- ما بعد "احكي لنا حكاية"
بعد هذه التجربة الفريدة وما يأمله الحكواتيون قال الراشدي: "يطمح الحكواتيون للمشاركون في البرنامج أن يواصلوا هذه التجربة الإذاعية، وأن تستمر برامج بث الحكاية، خاصة أن هذا البرنامج هو أول برنامج -حسب علمي- يبث الحكاية الشعبية باللهجة وليس بالفصيح، والأصل أن تحكى الحكاية الشعبية باللهجة، ونأمل أن يكون هذا البرنامج خطوة لتثبيت برامج الحواتي في الإذاعة وأيضا لفرص جديدة للزملاء".
وأضاف الراشدي: ما يأمله من تواصل تنفيذ برامج إذاعية وتلفزيونية تقدم الحكايات الشعبية العمانية بأسلوب جميل وجذاب بمشاركة عدد أكبر من الحكواتيين من كل محافظات سلطنة عمان للاستمتاع بتنوع اللهجات وثرائها، إلى جانب الاشتغال على مشروعات يتم فيها تحويل الحكايات الشعبية العمانية من نصوص مكتوبة إلى نصوص مسموعة بأصوات حكواتيين عمانيين"، كما أشار الغافري إلى ضرورة الاهتمام أكثر بهذا الفن بتخصيص برامج في وسائل أخرى بجانب الإذاعة.
وفي الحديث عن طموحها قالت زهرة: "أن تنتقل حكاياتنا سواء من تراثنا الشعبي أو شخصيات عمان الملهمة بلهجاتنا العمانية المختلفة إلى كل بقاع العالم، وأن يكون هناك حضور لنا في محافل مختلفة بشكل منظم أكثر، وأن نحصل على تدريب مكثف أكبر بالاستعانة بخبرات عربية وعالمية في مجال فن الحكواتي، وأتطلع شخصيا لمظلة تجمع الحكواتيين وتبحث عن الموهوبين في هذا الفن وتقوم بتأسيس نخبة من الحكواتيين من أجيال مختلفة في مختلف المحافل والمناطق محليًّا وخارجيًّا". وأضافت وفاء: "أطمح لأن تكون هناك منصة إعلامية مرئية وسمعية موسمية تتكفل باحتضان الحكواتيين وإبراز الحكي الشعبي من الألف إلى الياء، وكذلك فرصة المشاركة المدعومة داخل الوطن وخارجه واستثمار هذا الفن اللامادي".
