ثقافة

القصة القصيرة حية وتتنفس رغم النقص في أكسجين المـتابعة النـقدية وانصـراف الكتـّاب عنـها

13 فبراير 2023
في يومها العالمي
13 فبراير 2023

خميس قلم:القصة تتحول ولا تفنى -

فوزية الفهدية :التراجع وقلة الاهتمام بالقصة لا يلغيان وجودها -

شريفة التوبية :من نحن الكتّاب لولا فتنة القصة وغوايتها؟!

سلطان العزري :المشهد القصصي العماني ثري بالتجارب -

يوافق الرابع عشر من فبراير اليوم العالمي للقصة القصيرة، ومع انصراف القاصين إلى كتابة الرواية وانشغال الناشرين بنشر الرواية، النوع الذي يتربع عرش المشهد السردي، إلى جانب قلة النقد الأدبي في نتاجات القصة القصيرة، نقف في يومها العالمي لنطرح على مجموعة من الكتّاب سؤال: هل القصة القصيرة ما تزال تتنفس؟!

الفن الأصيل كجهاز المناعة

يقول الكاتب خميس قلم عن السؤال المطروح: «سؤال أثار استغرابي لأن في بطنه افتراض موت القصة القصيرة، بمعنى انحسار حضورها على صعيد الكتابة وتفاعل القراءة، فبالتداول تحيا أو تموت المفردات والفنون والمنتجات عموما».

وأضاف: «ربما منبع السؤال، هو الخوف من موجة البرامج والتطبيقات الإلكترونية الطاغية على واقعنا، وسيطرة الهشاشات السردية بما يطرح من مبتذلات حكائية في الفضاء الإلكتروني على حساب أصالة القصة القصيرة، إلا أن الفن الأصيل كجهاز المناعة فهو طالما وجد وسيلة ليكافح فيروسات الخطاب الضارة بمضادات حيوية فنية تضمن لجسد الثقافة العافية. حزمات المنشورات القصصية، وحضورها في البرامج الإذاعية، ورواجها في الكتب الصوتية، وحلقات العمل، والمختبرات السردية، والندوات وحتى هذا التحقيق دليل على حيوية القصة القصيرة في الحاضنة الاجتماعية، تتنفس وتُنفّس، وتضحك وتبكي، وتنقد وتفعل كل ما تجسده شخصياتها حسب الأحداث التي تمر عليها، وحيث تكون الحركة تعيش القصة».

وخلص بالقول: «إذا القصة حية، بل وتسعى مؤثرة على الفنون الأخرى، فقبل رمضانين كان أحد الزملاء مكلفا بالبحث عن قصص قصيرة لكتاب وكاتبات محليين تعالج موضوعات اجتماعية لتحويلها إلى حلقات تلفزيونية، وهذا نشاط جديد للقصة القصيرة في عُمان...القصة تتحول ولا تفنى».

صدارة وتراجع

أشارت الدكتورة فوزية بنت سيف الفهدية إلى أنه للإجابة عن هذا السؤال يجب علينا أن نذكر أن القصة القصيرة جنس أدبي شأنه شأن أي جنس أدبي آخر، وتابعت: «قد تكون له الصدارة والمكانة المميزة في وقت ما، ثم تخبو مكانته، شأنه شأن الشعر الذي كان يوما ديوانا للعرب، ثم تراجعت مكانته في فترات لاحقة خاصة في العصر الحديث، لكن هذا التراجع وقلّة الاهتمام به لا تلغي وجوده، ولا تمحيه في كتب عيون الأدب، ولا تقزّم رسالته التي أدّاها وما زال يؤدّيها عن طريق أرباب الكلمة وأصحاب القصائد».

وأضافت: «إنّ ما تعيشه القصة القصيرة من فتور، وقلّة اهتمام نقديّ بها ليس لسبب فيها، بل هو بسبب غيرها ونقصد هنا الجنس الأدبيّ الذي تطوّر عنها، ومدّ في أحداثها، وتبدت الأقلام القصصية لعبوره والتجريب فيه، إنها أختها الرواية، التي أمست ديوان الشرق والغرب، فالرواية تتسيّد المشهد السرديّ الآن، ولها هالة كبيرة سحبت من خلالها الأدباء -خاصة من كان قاصّا منهم- إلى عالمها المليء بالسحر، هذه الهالة كبرت وأشعّت حتى جعلت القصّة القصيرة تتوارى خلف بريقها، فخفت وهج القصة القصيرة، واختفت قليلا عن الساحة الأدبية، لكنّ هذا لا يلغيها أو يميتها أبدا، بل ما زال هناك من هو مخلص لها في الكتابة والقراءة، نذكر منهم على سبيل المثال في عمان: القاصّ المبدع يحيى بن سلام المنذري والقاص الدكتور محمود الرحبي، وهناك العديد من الكتّاب ممن ظلّ مخلصا للقصة في الوطن العربي وغيره، وما زال يجدها الجنس الأدبيّ الذي يمكن أن يعبّر بها عن أفكاره ويرسل عبرها رؤاه ورسائله المهمة للمتلقّي.

إذن لا يمكن أن نقول إنّ هناك عيبا ما في القصّة القصيرة، فهي فن جميل، مركّز وصعب في الوقت نفسه له تقنياته الخاصّة التي تتطلب مهارة عالية في تركيز الحدث واختيار الفكرة ومن يمثّلها، لكنّ العتب على أقلام القاصّين الذين سحبتهم الرواية إلى عالمها، لأن الرواية أصبحت ميدانا للشهرة وحصد الجوائز، وسيطرت في نفوسهم فكرة أنّ من لا يطوّر أدوات قصّه من قصّة قصيرة إلى رواية فإنّه لن تكون له مكانة في سماء السرد، ولن يكون أديبا مرموقا، والأديب بطبيعة الحال إنسان يحتاج إلى جمهور يشجّعه ويدعمه ويثني على عمله».

وأضافت: «العتب كذلك على المؤسسات الكثيرة التي تبدت لتكريس الجوائز لجنس واحد من أجناس السّرد وهو الرواية، وتغافلت عن الأجناس الأدبية الأخرى، وكان من المفترض أن يكون مستوى النصّ الذي يكتب هو مقياس التفاضل بين الأعمال الأدبية أيا كان جنسها لا أن يكون نوع الجنس الذي ينتمي إليه النصّ، أو أن يكون لهذه الجوائز فروع لكل جنس أدبي، فقد نجد كاتبا يكتب القصّة القصيرة بفنيّة عالية وتقنيات مميزة ترفعه إلى مرتبة التنافس، في حين إن كتب هذا الكاتب رواية فإنّه يخرجها بمستوى عاديّ، فالجنس هنا لم يخدمه ولم يطوّر أدواته ولم يبرز مكامن الإبداع لديه».

المتعة في قراءة القصة

قالت الكاتبة شريفة التوبية: «القصة القصيرة ما زالت تتنفس ويتنفس معها كتّابها وقرّاؤها»، وتابعت: «القصة القصيرة جنس أصيل من الأجناس الأدبية وستبقى ما دام الأدب باقيا، قد نجد من يقول إننا في زمن الرواية، وإنها المتربّعة على عرش الإصدار الأدبي، وإن الرواية مقياس لأدب الكاتب، ودور النشر ترحّب بكاتب الرواية أكثر من ترحيبها بكاتب القصة القصيرة، وإن الإقبال على اقتناء الرواية أكثر من قبل القرّاء، لكن ذلك ليس صحيحا تماما، بالنسبة لي ما زلت أبحث عن القصة لأني أجد متعة في قراءتها، ولست مع تفضيل أو مقارنة جنس أدبي مع جنس آخر. وأظن أنه في البدء كانت القصّة وأن أول الخلق الأدبي كان القصة ثم أتت الأجناس الأخرى، لذلك ستبقى القصة القصيرة خالدة مهما طرأت عليها من تطوّرات كما يحدث مع أي شيء آخر، وستظل حيّة ما دام الأدب باقيا على قيد الحياة».

وقالت: «كيف لا تتنفس القصة القصيرة والحياة تتنفس قصصا، ونحن نتنفس جمال هذه القصص، ومن نحن ككتّاب لولا فتنة القصة وغوايتها؟! والأكيد أنه ما زال بيننا من ينفخ من روحه في جسد القصة، ولدينا كتّاب قصة أعتبرهم الأجمّل بيننا وفينا، لجمال إنتاجهم الأدبي. وفي كل عام تخرج إلينا مجموعات قصصية جديدة، وفي كل عام تفوز مجموعات قصصية بجوائز أدبية، وفي كل المواقع الأدبية مساحة مخصصة للقصة القصيرة، إذن ما زال للقصة القصيرة حضورها الأدبي وحياتها وعشّاقها، وتظل المتفرّدة والمتصدّرة في جمال لغتها وخصوصيتها السردية ولا يمكن مقارنتها بأي جنس أدبي آخر، أعشق القصة القصيرة ورغم ذلك أجد صعوبة في العودة إليها بعد البدء بكتابة الرواية، لكنها تظل الأحب والأجمل».

أما الكاتب سلطان العزري فأجاب عن السؤال بقوله: «سؤال يبحر عبر خيالات ومآلات التجربة، في المشهد القصصي العماني هناك تجارب متنوعة وثرية منذ عدة عقود، قصص واقعية وأخرى رومانسية وثالثة خيالية ورابعة وجودية وربما مزيج من التجارب والهوس اللغوي والتجريب وضده، هناك أجيال عبرت تلك المآلات وأخرى تنتظر وثالثة ذوت صفحاتها وانطفأت شمعتها وربما وصلت لقرارات ونتائج مغايرة عن البدايات وما رسمته الأحلام، والسؤال ذاته كقنينة الأبد التي لا قرار لها، من يدخل من فوهتها لا يسعه الخروج منها، يظل بين جدرانها غامقة الألوان، لنقلب الصفحة قليلا، ولنسأل كيف تنفتح الورود أمام عشاقها وكيف نتنفس من خلال الكتابة وما هي عناصر الإبداع وربما نطمح ليس قليلا وعلى استحياء ولكن كثيرا في الاقتصاد البنفسجي ومفاهيمه وتوظيفاته، وفي أن تكون الكتابة قادرة على عبور ضفة النهر والنجاة من الغرق في قاع الحياة، سوف تتنفس الكلمات عندما تستطيع أن تعشق البحر وأن تسافر بحرية وأن تفرد جناحيها، ستبقى الكلمات صدئة ما لم تستطع أن تخرج من إطار الصورة النمطية والتقليدية في التقديم والتسويق والعطاء والناتج وما لم تمتزج بمشاهد الحياة العامة أو المشهد المتخصص الحديث المنتج من خلال السينما وصناعة المحتوى الرقمي والنشر الإلكتروني وعبور الفضاءات ومن خلال أن تكون القصة رؤية لفلسفة متصالحة مع الحياة والعصر والمعطى الملموس.. عندها ستتنفس القصة والكتابة الأدبية والمشهد الثقافي عامة».