No Image
ثقافة

السيد خالد بن حمد لـ"عمان": الأغنية الوطنية تعزز حضور المفردة اللحنية التراثية

10 يناير 2023
مؤكدا أن صاحب الجلالة هو الداعم الأول للفنون في عمان
10 يناير 2023

انتشار الأغنية العمانية يتجه نحو مسار تصاعدي -

المناسبات الوطنية إحدى المحطات لتطوير الأغنية العمانية واكتشاف المواهب -

للأغنية الوطنية دور بارز في حمل ورعاية النص الشعري -

أنـت المحبــــــــة يــا عمـــــــان ولا أرى من غيــــر حبـــك يـا عمــــان بديـــــلا -

ختام قصيدة وطنية عمانية كتبها الشاعر ذياب بن صخر العامري، رسخت بكل قوة في ذاكرة العماني، وربما هي بجزالة كلماتها ليست وحدها كافية لتوقد كل الشجن في قلب العماني، بل هو ارتباط الكلمة بالصوت العذب واللحن الساحر، الذي أثار وما زال يفعل على الرغم من مضي ما يزيد على 30 عاما من إنتاجها، ولكن الجمهور يقدس الغناء الوطني، الذي هو أعمق من مجرد غناء، بل هو هوية شعب، وتراث له حضوره وحضرته، وهو موروث له ارتباطه الخاص بعمان وشعبها.

ارتباط الأغنية الوطنية بالنهضة المباركة هي دليل على أهميتها وحضورها، ومما زاد تلك الأهمية هو ظهور الفنانين العمانيين، وشعراء يكتبون القصيدة الوطنية، إضافة إلى الألحان التي برع في أدائها عدد من المهتمين بالموسيقى في سلطنة عمان، لتغدو الأغنية العمانية ذات حضور طاغ، يشهد له كل بيت عماني.

وللحديث عن الأغنية الوطنية العمانية هناك اسم مرتبط بها، ربما لأنه أوجد مسارا خاصا له في تلحين الأغنية الوطنية، لاقى استحسانا وإعجابا جماهيريا واسعا، ويبدو أن الموسيقى ليست طريق دراسة أو مسار عمل، بل هي شغف بدأ منذ الصغر، ونشأ على أبجديات اللحن، حيث أصدر أول أغنيتين له (بعنوان “تحية الحب” و“برايت بيكون”) في عام 1983 والذي كان عام الشباب العماني، وبثها بعد ذلك في تلفزيون سلطنة عمان، لحن بعدها عددا كبيرا من الأغاني الوطنية وما زال يفعل، و"أنت المحبة يا عمان" هي إحدى روائعه في التلحين، إضافة إلى مقطوعته الموسيقية الأشهر “تزهو بك الأعوام” وهي أغنية وطنية يستمتع بها الجمهور العماني ونالت شهرة واسعة من كلمات حمود العيسري وبخيت الحمر، إنتاج عام 2007، كما لحن لعدد من فناني الوطن العربي، حيث غنى له أبوبكر سالم بلفقيه "مشتاق للمغنى" من كلمات سعيد البرعمي، وفنان العرب "محمد عبده" الأغنية المشهورة في عمان «أحبك»، كما غنى له كل من عبدالمجيد عبدالله، أحلام، أصالة نصري، لطيفة التونسية ورجاء بالمليح.

فكان جليا أن يكون الحديث عن الأغنية العمانية الوطنية، التي يحتفى بها في كل مناسبة، وليس الحادي عشر من يناير إلا واحدا من أعظم أيام الوطن البهيجة، فالاستماع لحديث الأغنية الوطنية من لسان السيد خالد بن حمد البوسعيدي هو بمثابة تقليب كتاب متخصص، يخوض بالقارئ في فضاءات الغناء الوطني العماني.

أهداف الأغنية الوطنية..

بالسؤال عن نجاح الأغنية الوطنية في وصولها لأهدافها المرجوة، قال السيد خالد بن حمد: " دائما ما كان حضور الأغنية العمانية في المناسبات الوطنية بارزا ومتميزا ويمكن تأريخ هذه الحالة منذ قيام النهضة المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله وطيّب ثراه الطاهر، وهذا التميز اتخذ أشكالا فنية متنوعة ما بين اعتماد الموروث الفني العماني الأصيل في المفردة اللحنية أو الانتقال للمفردة اللحنية الحديثة في تناغم عال بين الموروث والحداثة. ويمكن القول إن المناسبات الوطنية في عمان الغالية كانت إحدى المحطات البارزة لتطور الأغنية العمانية ولاكتشاف مواهب فنية جديدة من حيث الأداء أو التلحين أو النص الشعري.

واستمر هذا الأمر في عهد النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه وهو الذي وفّر لمثلث الأغنية العمانية كل أسباب استمرار التطور والتميز منذ كان جلالته على رأس وزارة التراث والثقافة الداعم الأول للفنون في عمان بشكل عام".

وفي سياق الحديث عن الأهداف التي حققتها الأغنية الوطنية العمانية يقول البوسعيدي: "يمكن القول إنها حققت العديد من الأهداف في حضورها على المستوى الوطني وكان – ولا يزال – لها الدور الأكبر في تعزيز الوحدة الوطنية والارتقاء بحب الوطن والتغني بالإنجازات الوطنية في شتى المجالات.. إضافة لهدف مهم وهو تعزيز حضور المفردة اللحنية التراثية المتوزعة على جملة الفنون الشعبية العمانية والتي تشكل الذائقة السمعية الشعبية في محافظات وولايات سلطنة عمان، والعمل باستمرار على تطوير هذه المفردة وتنويع تناولها موسيقيا واستخدام آلات موسيقية عديدة مناسبة".

وأضاف: "لا يمكن نسيان دور الأغنية الوطنية العمانية في حمل ورعاية النص الشعري والعمل على نشر القصيدة الشعرية بنوعيها الفصحى والشعبي، وهو ما أفرد مساحة جديدة للشعراء العمانيين للتحليق في فضاء جديد دوما".

الحديث عن الانتشار..

دون شك استطاعت الأغنية الوطنية العمانية أن تنتشر، وتكون حاضرة في كل بيت، ويعلو صوت موسيقاها في كل محفل، ولكن مع الإمكانيات الحديثة في النشر التي صارت شبكات التواصل الاجتماعي المساهم الأكبر فيها، لم يعد انتشار الأغنية الوطنية العمانية مقتصرا على المجتمع العماني بل تعدى ذلك، فتأخذ النسمات نغماتها لتعبر الوطن العربي، وتلامس الذائقة الموسيقية في شتى البقاع.

وحول انتشار الأغنية يقول السيد خالد: "الحديث اليوم عن انتشار الأغنية العمانية يعني الحديث عن إرث حضاري ضارب في أعماق التاريخ رافق البدايات الأولى للحضارة العمانية عبر أشكال فنية عديدة، لعل أبرزها الفنون الشعبية العمانية التي كانت أقدم وسيلة اتصال إعلامية بالبيئة والمحيط، وهي التي شكلت القاعدة الأساسية لانتشار المفردة اللحنية العمانية في المنطقة وصولا لسطوة هذه المفردة وتأثر المحيط بها والاشتغال عليها..هذا الانتشار ظل يسير في مسار تصاعدي وصولا للزمن الحالي الذي شهد حضورا جيدا للأغنية العمانية عبر العديد من الأصوات المتميزة، والتي حققت انتشارا لافتا داخل وخارج سلطنة عمان، وحتى يومنا هذا تواصل الأغنية العمانية مسارها التصاعدي معتمدة على رعاية ودعم رسميين واجتهاد لافت من أصحابها، وسجل العقدان الماضيان تميز أصوات عمانية حققت نجاحات على صعيد الحضور والمنافسة".

ترسيخ الهوية..

يمكننا أن نؤكد على أن الأغنية الوطنية العمانية ما هي إلا إحدى لبنات بناء الهوية، والعكس صحيح، فالسعي الدؤوب والواضح في كل ما يقدمه الفن العماني -والأغنية أولها- هو ترسيخ الهوية الوطنية، وإبقاؤها حاضرة في عمل وطني، يمكن أن يلامسه كل الجمهور في عمان وخارجها، وحول ذلك يقول البوسعيدي: "الاشتغال على الهوية الوطنية كان وما زال الهاجس الأساسي للمشتغلين بهذا الحقل ويمكن اعتباره الأساس القوي الذي قامت عليه الأغنية العمانية، ولعل المفردة التراثية الغنائية الشعبية التي حاكت مختلف مناحي الحياة عند العماني هي التي أسهمت في إبراز هذه الهوية بالشكل الذي نتابعه اليوم في حضور الأغنية العمانية بمختلف المناسبات الاجتماعية في جميع محافظات وولايات عمان، وقد نجحت الأغنية العمانية في إيصال رسالة الهوية وترسيخها بشكل جذري في الوجدان والذائقة السمعية، وما زال الاشتغال مستمرا في هذا المجال حتى يومنا الحالي وهو مرشح لمزيد من الحضور والتنوع يخدمه تراث غني ومتنوع ومليء بالكثير من المفردات اللحنية والنصية التي يمكن لها أن تستمر في دورة الحياة من حولنا".

تكرار الأفكار واستحداثها

يشاع مؤخرا أن الأغنية العمانية صارت تنسخ سابقتها من ناحية اللحن أو الفكرة، وقد يجد البعض في ذلك استعادة لقديم له بصمته في الذاكرة، والبعض الآخر يشعر بتكرار لا مغزى ولا مبرر له، في حين أن المشتغل على الأغنية له رأيه المختلف، حيث يقول السيد خالد حول ذلك: "قد تكون مفردة (التحديث) أكثر صوابية من (الاستحداث) حيث لا يمكن الخروج أو الانسلاخ عن المفردة التراثية الحاضرة في تفاصيل الحياة اليومية للعماني، وعليه فما يجري اليوم فعليا على صعيد الأغنية العمانية ليس تكرارا وإنما نوع من توليد المفردة اللحنية الجديدة من رحم المفردة التراثية الأصيلة بشكل يتناسب والتغير الحاصل في الحياة اليومية بشكل عام.

وأضاف: "هذا (التوليد) إذا صحت العبارة هو اليوم عملية تجديد متناغمة وعصرية، دون المس بالهارموني المتعارف عليه في أساس الفن الشعبي العماني بمختلف مسمياته، مع التعامل بثقة مع حضور الآلة الموسيقية الحديثة أو الغريبة نوعا ما عن التخت الموسيقي العماني إذا صحت التسمية، والذي يعتمد بشكل كبير على الإيقاع الخاص عبر مجموعة من آلات الإيقاع المتسلسلة والمتناغمة مع الصوت.

وهناك في هذا السياق أمثلة كثيرة حول مثل هذا التوليد/ التجديد في مجموعة كثيرة من الأناشيد والأغاني التي نتابعها اليوم في سلطنة عمان، وهذا التقييم ينسحب على مختلف أنواع الأغنية من الأناشيد بأنواعها إلى الأغاني متعددة اللون".

أدوات تقديم الأغنية..

قد تختلف الأغنية الوطنية الحديثة عن سابقتها بإدخال أدوات جديدة، تبرز جمالية الكلمات واللحن أكثر، وهذا ما صرنا نجده كمجال تنافسي تسعى كل مجموعة تقدم أغنيتها لإظهاره، كما أن تلك الأدوات التي هي "الصورة أو الفيديو كليب" ليست إلا أداة لتوصيل الرسالة، واقترابا أكثر من الجمهور، وحول اهتمام الأغنية العمانية اليوم بتلك الأدوات يقول السيد خالد بن حمد: "لم تجد الأغنية العمانية اليوم صعوبات تذكر في مجال الاستعانة والاستفادة من أدوات تقديم الأغنية إن كان لناحية الصورة أو سيناريو الفيديو كليب عبر تطويع ناجح للفكرة والكلمة واللحن ينسجم وحضور هذه الأدوات في عالم اليوم.

ويمكن اعتبار حضور الصورة والقصة (السيناريو) إضافة نوعية في مجال الأغنية العمانية اليوم؛ والعديد من الأمثلة حاضرة حول ذلك، ولا شك أن هذا أعطى بعدا فنيا وجماليا وساهم بشكل كبير في الترويج للأغنية".

وأشار البوسعيدي إلى أن وسائل التقديم الحديثة ساهمت بخلق دائرة فنية متكاملة تتقاطع وتصوير أي عمل درامي أو سينمائي، لأن المفردات الفنية باتت واحدة".. وقال: "الأغنية اليوم تحتاج فريقا فنيا متخصصا ومتكاملا، والأغنية العمانية نجحت بدخول هذه الأجواء وفق أساسياتها المعروفة فحققت نقلة نوعية جيدة".