«الروح والرية» ثنائية كاتبة ومخرج تكللت بالنجاح .. وجذبت عاطفة المشاهد
قد يختلف البعض على اعتماد نجاح مسلسل على آخر، فالمقياس قد يكون رأي النقاد، أو متابعة الجمهور، أو الحصول على الجوائز، ولكن تبقى حقيقة أن الدراما الناجحة لها صداها، ووقعها، وتأثيرها المباشر أو غير المباشر، على مختلف الفئات المتابعة لأعمال الشاشة، سواء كان هذا تقييم متخصص، أو عاطفة مشاهد.
ويبدو أن أحد المسلسلات المؤثرة هذا العام الذي طرحته شركة ماجيك لينس للإنتاج الفني والمسرحي بدولة الكويت، والذي حمل اسم «الروح والرية»، من تأليف الكاتبة أنفال الدويسان، وإخراج منير الزعبي، وبطولة عدد من الشباب الخليجيين أبرزهم: هبة الدري، عبدالله التركماني، ريم إرحمة، شيماء علي، محمد الدوسري، يعقوب عبدالله، إيمان الحسيني، فهد البناي، فيصل فريد، نواف العلي، ومشاركة فاطمة الحوسنية، وشهاب حاجية، وفي الشرقاوي، وحضور مميز للأطفال: جنى الفيلكاوي، أحمد بن حسين، الزين بو راشد.
يحسب للعمل نجاحه كونه استطاع أن يعود بحقبته، وفنياته، وإخراجه، للزمن الجميل، حيث وهج الدراما الخليجية بالأخص، وهي فترة الثمانينيات والتسعينيات، فالمشاهد يتمكن من العودة إلى فترة العطاء الدرامي الخليجي، ويتلمس مواطن الجمال في العمل الفني.
نص متقن ..
بالعودة إلى الكاتبة «أنفال الدويسان» فهي أثبتت براعتها في كتابة النص الدرامي، فالعمل ليس مميزا كفكرة أو قصة، بل إنها استطاعت أن تجذب المشاهد حتى في الحوار، بل بالكلمات التي استخدمتها في الحوار، فهي لامست المشاعر بالحوار العميق، وربما بالصمت الطويل في بعضها، نسجت «الدويسان» سيناريو المسلسل بحكمة الخبير، وقرأت تفاصيل حياة البشر قبل كتابة كل شخصية، لهذا كان الشعور أن المسلسل هو حياة يعيشها أفراد في كل حي خليجي، ورغم أن المسلسلات -عادة- التي تدور أحداثها حول عائلة واحدة فقط، تصيبك بالملل، ويغلب طابع الركود عليها، ولكن «الروح والرية» عمل تكاد لا تخلو حلقة فيه من حدث محتدم، وتميل الأحداث إلى التصاعد المستمر، والخروج عن المتوقع في كثير من الأحيان، وهي أيضا من عناصر الجذب للعمل.
وبالحديث عن عنوان المسلسل «الروح والرية» فهي عنوان أيضا يفيض بالعاطفة، واختيار العنوان باللهجة الخليجية المحلية كان أقرب إلى قلب المشاهد، وأبلغ في إيصال المشاعر، وفتح الباب للمتابع لإيجاد حقيقة الروح والرية في قصة المسلسل، الذي كان «ابني أخيها آمنة» (هبة الدري)، العاجزة عن الإنجاب وتكفلت بتربية ابني أخيها التوأمان، وكان زوجتي «رياض» خلود وهنادي، ووالدي الكاتبة أنفال الدويسان، كما كتبت ذلك في إهدائها العمل.
تعاطي المخرج مع النص ..
ولا يمكن الاختلاف على أن النص هو عنصر أساسي من عناصر نجاح العمل، إلا أن الرؤية الإخراجية التي قدمها المخرج منير الزعبي لا تقل شأنا عن النص، حث استطاع أن يقرأ النص ويتوغل في أعماقه، ويعيشه هو قبل الممثلين، فالمخرج الذي يقرأ ويضيف ويعطي أكثر مما هو مكتوب يستطيع أن يبلغ لهذا المستوى وأكثر، فاللمسة الفنية لمنير الزعبي أصبحت واضحة وملموسة من قبل المشاهد، فالمتابع والمتتبع لمسيرته في أعماله يجد تلك الخصلة المميزة، وهي التي لا يمكن إغفالها، فالمخرج الناجح هو الذي يمكن أن يكسب الرهان على نجاح عمل، وهو ذاته عنصر جذب وترويج.
وبالحديث عن قدرة الممثلين فهي أيضا مقدرة مرهونة بقوة النص، والأسلوب الإخراجي المتبع، فهناك أعمال أبطالها كبار النجوم، ولكنهم وقعوا في فخ سيناريو ضعيف، وإخراج مفكك، بينما ينجح آخرون لأن الحوار المكتوب في النص، والرؤية الإخراجية المتناسبة مع النص هي سبيل نجاح متاح لكل ممثل وممثلة، فالبيئة الفنية الرصينة هي عامل نجاح، وطريق ليظهر المشتغل قدراته وخبراته، يتفاعل مع العمل فنيا ويخرج على هيئة محترف.
من مصادر قوة المسلسل هو الممثلة هبة الدري التي استطاعت أن تمتلك المسلسل بقوة حضورها، وتقمصت الشخصية بكل أبعادها، وكانت القوة في دور «آمنة» لكل أفراد أسرتها، وقوة للعمل لتتفاعل مع باقي أبطال المسلسل، وكذلك حضور «عبدالله التركماني» الذي استطاع أن يتقمص شخصية الأب الحنون لأبنائه، والزوج الوفي لزوجته الراحلة «في الشرقاوي»، العجوز الذي بدأ عقله يتناقص شيئا فشيئا، وذاكرته تخونه في كثير من الأحيان، استطاع بحركة الجسد، وتغيير نبرة الصوت، وإخفاء الدمعة خلف أجفانه الذابلة، وأنحاء ظهره بوهن، وتربيت يده على أبنائه في لحظة ألم أو انكسار تمر بهم، كان جديرا بحمل هذا الدور وتأديته بأدق تفاصيله.
قصص الحب ..
قصص الحب التي لا تعرف الاكتمال رغم توهج المشاعر وحضورها، فقصة «آمنة» و«مشعل» خنقت من قبل «عفاف» الأخت التي تدخلت في كل تفاصيل حياتيهما الزوجية، وكان سببًا للانفصال، وقصة «نادية» و«ناصر» التي كان العنف وعدم الثقة سببًا للانفصال، وقصة «مشاري» و«سجى» التي قطعت فيها كل سبل المودة بعد الانفصال وترك ابنيهما «التوأم» سعود وسالم في شتات لمن يعتني بهما، وهي قصة الانفصال التي نتج عنها «الروح والرية» بالنسبة لآمنة، وقصة بقاء الحب الوحيدة التي استمرت للنهاية هي قصة رياض مع زوجته الأولى «خلود»، وزوجته الثانية «هنادي»، العلاقة التي دخلت في الشد والجذب، والبعد والقرب، وحين لاح الفقد للأفق، توهجت المشاعر، وكان لا بد من استمرار العلاقة مع التنازلات، وكما قالت هنادي: «رضيت بنص رياض».
لا يمكن كذلك إغفال أهمية الموسيقى التصويرية المستخدمة في العمل، حيث كان الاختيار دقيقًا ليتماشى مع الحقبة الزمنية ذاتها، فهي من تأليف المايسترو جمال القايد، الذي استطاع أن يعيد المشاهد لفترة الأعمال الدرامية المتوهجة في أرشيف المسلسلات الخليجية، كما تميز العمل باختيار متقن للأزياء المناسبة لتلك الحقبة، إضافة إلى باقي الكوادر.
لا يمكن إغفال رأي المشاهد في مثل هذه الأعمال، فالمسلسل ينتقي لنفسه مكانا في قلوب المشاهدين قبل عقول النقاد وأقلام الكتاب، فالمسلسلات الاجتماعية صالحة لجميع أفراد الأسرة، فهو يناقش قضايا اجتماعية، ويناقش التفكك والعنف الأسري، والعجز الجنسي، وتربية الأبناء، ويؤكد على أهمية قيم الصبر، والوفاء، والصدق، والإخلاص، ويعطي في نهاية العمل ثمار كل تلك الأخلاق والقيم.
