1652751
1652751
ثقافة

الباحث الدكتور عامر عدلي الكثيري لـ «عمان»: 10 لغات عامية و65 لهجة في عمان من شمالها حتى الجنوب

30 مايو 2021
30 مايو 2021

حاورته- شذى البلوشية -

«اللهجة» اختلفت أو تشابهت في بعضها بين كل شبر وقطر من أنحاء الوطن العربي، إلا أنها صارت تحوم حولها الكثير من الأقاويل، في اختلاف لمصدرها ونشأتها ومدى استمرارية بقائها، وميلها مؤخرا للاندثار، على الرغم من أن «اللهجة» هي حديث بين الأفراد بغير اللغة الأم، إلا أنها ترجع إلى الأصل وهو «العربية»، وإن اختلف في حقيقة ذلك، ولكن يبقى بقاء اللهجة العامية واستمرارية التعامل بها بين الأفراد في المجتمعات العربية، أهون من دخول لغات أخرى، وتعريب الكلمات الأجنبية، واستعمالها كنمط حديث بين الأفراد.

ومن الدراسات العمانية التي وضعت «اللهجة العمانية» تحت دائرة الضوء، هي رسالة الدكتوراه للباحث عامر عدلي الكثيري، الذي تخصص في اللهجات العامية من شمال عمان حتى جنوبها، مصنفا إياها حسب الجغرافيا، والتقسيم الإداري، والوحدات اللغوية، والفنون الفلكلورية، والأمثال، ليخرج بدراسته بنحو 10 لغات عمانية، ورصد ما يقارب 65 لهجة.

ويبدو أن الحديث عن اللهجات العمانية هو حديث يحتاج إلى التوغل، والوقوف على جوانب مختلفة فيه، ولا أدل على ذلك من اهتمام السلطنة على إقامة الندوات والجلسات الحوارية التي تؤكد على أهمية حفظ وإبقاء اللهجة كأحد الموروثات الوطنية، الأمر الذي حرضني للوقوف كثيرا أمام هذا الموضوع والبحث فيه، ليكون لـ»عمان» هذا الحوار.

دعنا نبدأ من أصل اللهجات العامية.. متى بدأت وكيف انتشرت؟

اللهجات العامية العمانية مثلها مثل بقية اللهجات العربية الأخرى يعدّ الحديث عن أصلها ضربا من الخطل، إذ لا يتفق الباحثون في اللهجات من حيث كونها أصلا للغة الفصحى أو العكس، ولكن ما ينبغي الحديث عنه وإبرازه أن عددا من هذه اللهجات العمانية جاءت مع هجرة مالك بن فهم إلى أرض عمان، وعددا آخر من هذه اللهجات تشكّل بفعل التواصل والاحتكاك بين عربية الشمال وعربية الجنوب التي لا يزال لها جيوب في ظفار والوسطى، كما أن بعض هذه اللهجات تكوّنت بفعل الهجرات الداخلية من مختلف المناطق في السلطنة عبر حقب زمنية بعيدة، ويمكن رصد ذلك من خلال بعض الرواسب اللغوية التي يمكن عدّها ضمن الإبداعات اللغوية المشتركة بين مختلف هذه اللهجات.

ضرورة توثيق اللهجات.. هل يكتفى بذلك كتابيا؟ أم التوثيق الصوتي أكثر ضرورة وأهمية؟

عملية توثيق اللهجات يجب أن تتم وفق آلية علمية صحيحة ودقيقة، ويتمّ ذلك بزيارات ميدانية استطلاعية إلى الحيز الجغرافي الذي تتوزّع فيه اللهجة، وتدوين الملاحظات؛ بغية وضع اللهجات المتشابهة في مجموعات كبيرة، ثم القيام بالتسجيلات الصوتية من أفواه الرواة في موضوعات شتى معدة سلفا، ويفضّل ألا تكون التسجيلات مطولة حتى تسهل عملية تفريغها لتتم بعد ذلك عملية الكتابة باتبّاع أساليب الكتابة الصوتية الدقيقة التي تعتمد الرموز العالمية، ولا ضير من استعمال الكتابة بالرمز العربي في مرحلة لاحقة.

كيف يمكننا الحفاظ على بعض اللهجات من الاندثار لا سيما في ظل المتغيرات الحياتية؟

عملية الحفاظ على اللهجات بالإبقاء عليها كما كانت عند الناطقين شبه مستحيلة في ظل المتغيرات وهيمنة اللغة العربية وبعض اللغات العالمية الأخرى، ولكن يمكن في هذه المرحلة أن تقوم فرق بحثية بجمع مدونات كثيرة من مختلف الرواة في مختلف مناطق السلطنة وتفريغها ثم كتابتها وفتح المجال للباحثين من سلطنة عمان ومن خارجها لدراسة هذه اللهجات وإبراز سماتها اللغوية في مختلف المستويات.

ارتباط اللهجات أو المفردات بالحضارة العمانية.. ما مدى صحة ذلك؟

هذا الارتباط صحيح وواقع فعلا، وعلينا أولا أن نوضح أن المشهد اللغوي في عمان لا يتجلّى في اللهجات المعاصرة فقط، بل هو وضع يتجلّى في صور متعددة بالإضافة إلى اللهجات العمانية المعاصرة، هي: النقوش القديمة، وعربية التدوين التي استعملها العمانيون منذ حقب زمنية مختلفة للتأليف في مختلف صنوف المعرفة، وعدد من هذه المؤلفات أُخرجت في كتب محققة وكثير منها لمّا يحقق.

وكل صورة من صور هذا المشهد اللغوي ترتبط بالإنسان العماني عبر مراحل زمنية مختلفة، وتكشف عن طبيعة الهجرات القبلية القديمة التي تظهر ملامحها في اللهجات التي لا تزال مستعملة حتى اليوم، فهناك ارتباط تاريخي وثيق بين مختلف المكونات القبلية والاجتماعية في سلطنة عمان في مختلف محافظاتها، ويمكن إثبات ذلك بوضوح تام من خلال تتبع الظواهر اللهجية في مختلف مناطق السلطنة.

هل هناك ارتباط بين المفردات العمانية والمفردات العربية في المعاجم العامة؟

نعم هناك ارتباط واضح وجلي، وهو أمر طبيعي بحكم وشائج القربى والأصل الواحد بين معظم اللهجات العمانية والعربية الشمالية ولهجاتها، بالإضافة إلى احتفاظ اللهجات واللغات العمانية بكلمات معجمية من العربية القديمة التي قد نجد لها مقابلات إذا فتشنا المعاجم العربية القديمة بعناية، ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن بعض المفردات العمانية وردت في القرآن الكريم بحسب ما ورد في كتب التفاسير، بالإضافة إلى بعض الروايات التي تثبت فصاحة أهل عمان، منها القصة التي أوردها أبوعلي القالي في ذيل أماليه عن أبي عمرو بن العلاء مع رجل فصيح من أهل عمان.

كيف يمكن مواجهة ومجابهة المعلومات المغلوطة التي دخلت في تاريخ اللهجات العمانية المختلفة؟

لا يتمّ ذلك إلا بعد تصنيف دقيق لهذه اللهجات وربطها بالسياق التاريخي والاجتماعي الذي ظهرت فيه، فذلك من شأنه أن يضع اللهجات العمانية في مواضعها الصحيحة. ترد مغالطات مفادها أن بعض هذه اللهجات ليس لها أصل عربي، ومعظم هذه الأحكام تتمّ دون دراسات متأنية ودقيقة، وأستطيع الآن بعد أن قضيت أكثر من أربع سنوات في دراسة اللهجات العمانية أن أنفي بعض هذه التهم وأن أرد على بعض هذه المغالطات، ولكن مثل ما ذكرت الأمر يحتاج إلى دراسات معمقة ومتأنية والبعد قدر الإمكان عن الأحكام الجاهزة.

ماذا عن ارتباط اللهجات العمانية بلغات القبائل العربية؟

تحتفظ اللهجات العمانية بخصائص لغوية كثيرة وردت في كتب التراث العربي، مثل ظواهر الكشكشة والشنشنة والكسكسة والعنعنة وظواهر الإبدال المتنوعة، ولا تكاد تقف عند ظاهرة من تلك الظواهر الموصوفة قديما إلا ولها حضور في اللهجات العمانية المعاصرة. ومعظم هذه الظواهر وردت منسوبة إلى قبائل عربية قديمة وهي موجودة عند كثير من القبائل العمانية التي لديها ارتباط مباشر بفعل الهجرات مع تلك القبائل العربية، أو هي ظواهر نبتت في البيئة العمانية القديمة التي لها والقبائل العربية المختلفة سلف واحد مشترك قديم.

قد تكون بعض اللهجات هي جرس للتعرف على أبناء منطقة من أخرى، ورغم بعض المتغيرات التي طرأت على اللهجة ولكن تبقى اللكنة ما تزال معروفة المصدر ... فما أثر ذلك على المجتمع العماني؟

المجتمع العماني لهجيا يجب أن ينظر إليه من الداخل لا من خلال ما يطفو على السطح، فمثلا يقال إن لهجات شمال الباطنة والبريمي وصور مماثلة للهجات شرقي الجزيرة العربية (لهجات الخليج الساحلية)، ولكن الأمر أعقد من هذا الحكم السطحي، إذ إن تلك اللهجات العمانية لها ما يميزها من لهجات الخليج الأخرى كما أن لها بعض الشبه بها بحكم الالتقاء في الأصل العربي الواحد وبفعل القرب الجغرافي وأثره في عمليات التأثير والتأثر. يجب أن ننظر إلى اللهجات العمانية المعاصرة على أنها تتآلف مع غيرها في مجموعات كبيرة ملتقية معها في عناصر الأدب الشعبي والفنون والأمثال، كما أن لكل حاضرة أو بلدة أو مجموعة اجتماعية لهجة أو لكنة خاصة بها، وهذا ما يجعل المجتمع متعددا في تركيبته الاجتماعية واللهجية ولكنه متحد في تنوعه هذا.

حول عدم فهم بعض اللهجات من غير أبناء المنطقة ذاتها هل يسبب ذلك في حدوث فجوات في التفاهم.. لا سيما إذا كانوا عاملين في نفس المؤسسة؟

اختلاف اللهجات ظاهرة طبيعية ولها امتداد تاريخي قديم، فلا ينبغي أن يكون ذلك عامل هدم ومصدر قلق، بل يجب النظر إليه من زاوية التنوع، ثم إن ذلك لن يؤثر في أداء المؤسسة التي عليها أن تتبع ما نص عليه المرسوم السلطاني الذي يقضي بأن تكون العربية الفصحى اللغة الرسمية في سلطنة عمان، وعليه فلا ينبغي أن يكون تعدد اللهجات مما يزاحم وضع العربية الفصحى بل يجب وضع كل نوعية لغوية في موضعها الصحيح.

هناك أشخاص يملكون القدرة على الخروج من إطار اللهجة العامية عند الحديث باللغات المختلفة أو حتى الحديث بالعربية الفصحى، إلا أن آخرين يحتفظون بكسور في نطق بعض الكلمات، وصعوبة في مخارج بعض الحروف.. ألا يعد ذلك من سلبيات التحدث بالعامية؟

لسان المرء يمكن أن يروّض بالتدريب على تعلّم اللغات، ولا يعد الاحتفاظ ببعض خصائص النطق المحلي مثلبة، ولا أدلّ على ذلك من تيسير قراءة القرآن بقراءات متعددة في المستويات اللغوية المختلفة، وبخاصة الصوتية، أضف إلى ذلك أن بعض خصائص النطق المحلي قد يكون لها وجه من أوجه العربية القديمة كنطق الصاد سينا والقاف كافا والضاد ظاء وإسقاط الهمزة.

بالعودة إلى رسالة الدكتوراه .. بماذا خرجت ببحثك المتخصص في اللهجات العمانية؟

يعدّ هذا العمل الأول من نوعه؛ إذ قمت بتصنيف اللهجات واللغات العامية العمانية في جميع مناطق توزّعها في سلطنة عُمان من مسندم في أقصى الشمال إلى ظفار في أقصى الجنوب، وتطلب ذلك جهودا مضاعفة في الزيارات الميدانية وجمع المادة استغرقت أربع سنوات ابتداء من عام 2017، زرت فيها محافظات السلطنة كافة في مدنها وبلداتها وسواحلها وسهولها وجبالها وأوديتها وبواديها، وتم خلالها جمع المدونة وتسجيل المادة اللغوية من أفواه الرواة باتباع أسلوب المقابلة المباشرة مع الرواة، وتم جمع المادة اللغوية من 115 راويا من كبار السن من مختلف مناطق السلطنة، بالإضافة إلى تكوين شبكات من العلاقات مع عدد كبير من الشباب الذين تم الاستعانة بهم في شرح معاني بعض المفردات التي استغلق عليه فهمها.

واعتمدت الدراسة على مرتكزات أو معايير تحمل فوارق للتمييز بين اللهجات واللغات العامية، تمثّلت في: الجغرافيا والتقسيم الإداري والوحدات اللغوية والفنون الفلكلورية والأمثال، وتكلل ذلك الجهد برصد غير مسبوق لهذه اللهجات واللغات العامية، إذ رصدتْ الدراسة عشر لغات عامية في مختلف مناطق السلطنة، هي:

1 . اللغة العامية في محافظة مسندم.

2. اللغة العامية في ولايتي لوى وشناص.

3. اللغة العامية الحضرية في محافظة ظفار.

4. اللغة العامية البدوية في محافظة ظفار.

5. اللغة العامية البدوية في محافظة البريمي.

6. اللغة العامية البدوية في سواحل محافظة شمال الباطنة (باستثناء لوى وشناص).

7. اللغة العامية البدوية في سواحل محافظة جنوب الشرقية والمناطق السهلية القريبة منها في جنوب الشرقية وشمال الشرقية.

8. اللغة العامية البدوية لبدو الرمال (شبه الرحل ومن كانوا رحلا حتى وقت قريب، ويعتمد نشاطهم على رعي الإبل).

9. اللغة العامية الحضرية في المناطق الحضرية والجبلية في المحافظات الآتية: الداخلية وجنوب الباطنة وشمال الشرقية.

10. اللغة العامية الحضرية في محافظة الظاهرة والمناطق الجبلية المتصلة بها في شمال الباطنة.

كما رصدت الدراسة كذلك أكثر من 65 لهجة عُمانية.