جامع الزلفى بولاية السيب
جامع الزلفى بولاية السيب
ثقافة

الإمام راشد بن سعيد

10 أبريل 2023
رواد الأدب العماني
10 أبريل 2023

أقام العمانيون إمامتهم الرابعة في ظل الحكم البويهي وكان أول إمام لهم الإمام راشد بن سعيد في مطلع القرن الخامس الهجري، وكان الإمام راشد بن سعيد فارسا شجاعا مقداما أديبا شاعرا ورعا صادقا حازما، وهو ما أهّله ليكون إماما، ومع كل تلك الصفات كان الإمام راشد عالما ذكيا، كما تدل مراسلاته وسيرته إلى أبي العباس بن مريح والمهند بن سدهي وابن برزوان من السند، حيث بيّن معالم الإسلام، ونقض اعتقاد المخالفين، في رسالة بديعة، خرجت ضمن كتاب "سير وجوابات". وعقد الإمام اجتماعا للمصالحة بين المدرستين الرستاقية والنزوية. كما يمد الإمام يد المساعدة إلى أبي إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرمي الذي جاء يطلب مساعدة الإمام لتثبيت حكمه بحضرموت فأمده الإمام بالمال والسلاح والرجال والخيل حتى وطّد حكمه.

ويقرر الإمام أنّ الوقت قد حان لتحرر عمان فيندب العمانيين ويثير حماستهم للتحرير تحت قيادته، وينجح في إثارة القبائل لدعم مشروعه المناهض للاحتلال، ورغم أنه خاض في سبيل ذلك عدة معارك خسر بعضها وانتصر في البعض، وكانت تلك الثقة بالنفس مصدر إعجاب العمانيين بقائدهم مما جعلهم يتوحدون خلفه، حيث يخوض معركته الفاصلة فيسقط حكم بني بويه، و يعتقل أبا المظفر بن كاليجار أمير عمان ويعيد توحيد البلاد، ويعلن استقلالها عن العباسيين والسلطة البويهية، وقام باستئصال عمّال وجباة الضرائب، وهدم قصور الملوك والأمراء، ومزّق ثيابهم الراقية ليعود هو إلى نزوى، ويسكن في بيت طيني متواضع ويلبس ملابسه رخيصة الثمن (عام 442/1050) وتوفي الإمام راشد عام 445هـ، وبقي العمانيون فترة من الزمن يبحثون عن الشخص الذي تؤهله شخصيته لحمل أمانة الإمامة، حتى بايعوا الخليل بن شاذان بن الخليل بن شاذان.

قامت قبيلتا فهد وعقيل (في الأحساء) بتمرد على حكم الإمام راشد فجهز الإمام جيشا وقاد بنفسه جيشه لتأديبهما حيث ينتصر الإمام وقال هذا النص يذكر ذلك:

لمن منزلٌ قفرٌ تعفتْ جوانبُه

وغيّره من سافح القطر ساكبُه

كأنْ لم يكنْ فيه من البيض شادنٌ

تضاحكه أضرابه،وتداعبه

فأضحى أسىً من بعد أن كان سلوةً

تُجر به أذيال خز كواعبه

من الجهل أن تعنى بأمر كفيتَه

وتترك ما كلفته لا تطالبه

إذا المرء لم يجعلْ مذاهب سعيه

لدى سعيه، غالته يوما مذاهبه

ومن لم يفكرْ في عواقب أمره

مدى دهره، صارتْ عقابا عواقبه

وما هاربٌ إلا إلى الموت آيبٌ

ولا سالبٌ إلا وذا الدهر سالبه

مدى الدهر لا ينجو من السخط و الرضا

فإسخاطه قوما لقومٍ مواهبه

وما عاقلٌ في الناس من راح، واغتدى

يغالب في دنياه ما هو غالبه

ولا خير في خيرٍ ترى الشر بعده

ولا في أخٍ دبتْ إليك عقاربه

ولا العيش إلا أسمر اللون عاسلٌ

وأشقر في يومٍ عبوسٍ تلاعبه

ذريني وخلقي يا ابنة القوم إنني

رأيتُ الأذى حربا لمن لا يحاربه

على أنني إما امرؤٌ ضمه الثرى

وإما فتى جلّتْ بقومٍ كتائبه

وإما فتى أبكى عيون عداته

وإما فتى تبكي عليه أقاربه

وإما فتى يقضي عليه حمامه

وإما فتى تقضي الحمام قواضبه

وفتيان صدقٍ من رجالٍ حضارمٍ

أوائلهم أعيتْ على من تغالبه

لهم هممٌ تعلو العلا، وعزائمٌ

يصدّقها فعل كرام مناقبه

وأكرم بقومٍ قولهم هو فعلهم

ولا فعل إلا ما كرام مناسبه

وكم قائل في قوله غير فاعل

ألا إن شر القول ما أنت كاذبه

ولست امرأ يرضى سلامة نفسه

وإن تلف الدين الذي هو طالبه

سلي هل قطعنا سبسبا بعد سبسبٍ

تعاوى به سيدانه وثعالبه؟

سلي النسر هل زرنا، فلم نقض حقه

وقد نشبتْ في لحم قوم مخالبه؟

فما زال يخفي الليل ما في سواده

إلى أن بدت عند الصباح عجائبه

يمكننا تقسيم النص إلى وصف أطلال المنازل حيث استغل الإمام المقدمة الطللية في القصيدة العربية لوصف أطلال أعدائه التي انمحت جوانب منازلهم، وزاد عليها المطر، وأصبحت حياة اللعب والترف مجرد ذكريات ماضية، وأصبحت معالمه أحزانا وألما، وهذا يدفعه إلى ذكر سبب ما حل به وهو أنه لم يتعظ من تجارب الحياة ومنها: أنه من الحماقة أن يترك الإنسان واجباته ويهتم بما لم يكلف به، فعليه أن يجعل كل جهده نحو هدفه وواجبه، وعلى الإنسان أن يفكر في نتائج أي عمل (القبيلتان لم تفكرا في عواقب تمردهما)، وكل من يهرب فلن يهرب من الموت وكل سالب حقوق الغير سيسلبه الدهر حياته، ولن ينجو أي إنسان من إسخاط أناس في سبيل إرضاء ناس آخرين، فكل ما يسخط بعض الناس يرضي آخرين، وليس عاقلا من يطلب تحقيق ما لا يستطيعه (كما فعلت القبيلتان)، ولا خير من ما تظن أنه خير عاجل دام أن عواقبه شر وخيم (كما فعلت القبيلتان)، والحياة الحقيقة لا تكون إلا بالشجاعة. ثم يفتخر بنفسه وكأنه يبرر ما فعله، حيث تخيل الشاعر أن زوجته تمنعه من القتال، فيقول إنه مضطر لقتال الشر لأنه يقاتل من لا يقاتله، وهو لا يرضى إلا أن يكون منتصرا يبكي أعداءه ويقتلهم أو شهيدا يبكي عليه أحبابه فيقتلونه. ثم يذكر أصحابه وجنوده الشراة الذين يتصفون بالصدق والنسب العالي، وهم أصحاب همم وعزيمة، وأقوالهم كأفعالهم، وكل واحد منهم لا تهمه سلامة نفسه بقدر المبدأ، فمرحبا بالموت في سبيل المبدأ، لذا الذئاب والثعالب والنسور راضية عنهم لأنهم يوفرون لها الطعام من جثث قتلاهم. وحين ينبلج الصباح تتبدى عجائب ما فعلوه بأعدائهم.

وهكذا العاطفة المسيطرة في النص هي الفخر. كما يلمس المتلقي صدقا في عاطفة الشاعر بعد انتصاره على أعدائه. ويبدو النص لصيقا ببيئة الشاعر حيث الظبي والسيدان والسباسب. كما وصف النص صفات الفرسان الشراة حيث الشجاعة وبيع الحياة والهمة. ولغة الشاعر قوية تماثل اللغة في الشعر الجاهلي العربي قوة وتصويرا. أما الموسيقى الداخلية للنص فهي نابعة من قوة اللغة وهي تتعاضد مع الموسيقى الخارجية النابعة من وحدة القافية، كما تظهر في النص ذاتية الشاعر واستخدام ضمير المتكلم. ونلاحظ الوقوف على الأطلال وذكر الحبيبة وعدة الحرب.