العرب والعالم

سموم العدوان الإسرائيلي تشوّه مواليد غزة

25 نوفمبر 2024
‏القنابل الفسفورية ومخلفات الحرب تفتك بالأطفال
25 نوفمبر 2024

لم يسلم الأطفال الخدج وحديثو الولادة في قطاع غزة من جرائم الاحتلال، وفق المعطيات الصادرة عن اليونيسف هناك نحو أكثر من (180) حالة ولادة يوميًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحسب المكتب الإعلامي الحكومي هناك نحو (60.000) امرأة حامل في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية والجفاف، لذا فمن المحتمل أن كثيرًا من أطفالهنّ ستتم ولادتهم ناقصي الوزن، إضافة إلى عدم تلقي الكثير منهم للتطعيمات الصحية بسبب عدم توفرها مما يعني ظهور أمراض بين الأطفال كالحصبة وشلل الأطفال وغيرها.

داخل حضانة مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ترقد الطفلة رهف عباس لتتلقى العلاج بعد أسبوعين من ولادتها، تبين بعد تشخيصها من قبل طبيب الأطفال إصابتها بتشوهات خلقية بالقلب والقدمين والدماغ والوجه، اكتشفها الأطباء بعد الولادة.

يعمل أطباء مستشفى كمال عدوان في أوضاع صعبة نتيجة استمرار حصار الاحتلال الإسرائيلي لشمال غزة ومنع الإمدادات الطبية والأدوية من الوصول لمستشفى ما أدى إلى زيادة التحديات الإنسانية التي تتطلب مساعدة وإنقاذ حياة الأطفال ومن ضمنهم الطفلة رهف التي ولدت 17 نوفمبر 2024 بوزن 2.3 كيلوجرام.

تقول جدتها التي توجد داخل المستشفى، ولا تستطيع التنقل بسبب محاصرة طائرة الكوادكابتر لمبنى المستشفى على مدار الساعة: «بصعوبة وصلت برفقة زوجة ابني للمستشفى قبل أسبوعين، بسبب توقف الإسعاف والدفاع المدني عن العمل اضطررنا للمجيء مشيًا على الأقدام، كانت مريم زوجة ابني متعبة للغاية طوال فترة الحمل بسبب نقص الغذاء الصحي نتيجة المجاعة التي يعاني منها أهل شمال غزة، لم تتناول اللحوم والفواكه بالمطلق فعدم توفرها كان سببا لذلك وغلاء أسعارها هو السبب الآخر».

وتابعت جدة الطفلة بينما كانت تحاول إرضاعها كمية صغيرة من الحليب الصناعي التي استطاعت الحصول عليه من قسم الحضانة بالمستشفى قائلة: «لم تحصل مريم والدة الطفلة رهف خلال فترة حملها على الرعاية الصحية المطلوبة من متابعة أشهر الحمل داخل عيادات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أو حتى عيادات الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية كما كان حالها مع كل حمل، كما لم تحصل على المثبتات والمكملات الغذائية، كانت تذهب لطبيب خاص بشكل دوري لتطمئن على الجنين من خلال تصوير الالتراساوند وتتناول الفيتامينات والحديد في الحمل السابق» وفي أشهر الحمل الأولى لوالدة رهف، تعرض المربع السكني التي تسكنه العائلة بشمال غزة إلى قصف إسرائيلي عنيف، تم تدمير الحي بأكمله وقد نجت العائلة بأعجوبة، مما أدى إلى استنشاقها دخانًا أسود ناتجًا عن هذا القصف معبق برائحة الكبريت الكريهة.

تعرضت مريم أيضًا، كما تقول حماتها، إلى «سوء تغذية كحال نساء وأطفال سكان قطاع غزة بسبب الحصار الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومنعه دخول اللحوم الحمراء والبيضاء الطازجة والخضار والفواكه إلى أسواق القطاع، وكان طعامها من المعلبات التي كانت تحصل عليها عائلتها من المؤسسات الدولية والإغاثية».

وإلى جانب الطفلة رهف عباس، ولد الطفل محمد غبن من رحم أمه ميت نتيجة إصابته بتشوهات خلقية وثقب بالقلب ونقص كبير بالوزن.

أشار تقييم الحالة الطبية للطفل محمد غبن، حسب الأطباء قسم الحضانة داخل مستشفى كمال عدوان شمال غزة، إلى عدم اكتمال جمجمته وثقب في القلب، مما أدى إلى وفاته بعد ساعات من ولادته.

العثور على مستويات عالية للغاية من الديوكسينات في دم الأمهات الحوامل وحليب الثدي وأيضًا في التربة والرواسب والأطعمة.

وحسبما ورد من تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية فقد شهد قطاع غزة خلال شهور الحرب الإسرائيلية المستمرة عليه منذ 7 أكتوبر 2023، زيادة ملحوظة في أعداد الأطفال المصابين بتشوهات خلقية، وفقًا لإحصائية رسمية وطبية، حيث أفادت الإحصائية الرسمية بتسجيل أكثر من 172 إصابة لأطفال حديثي الولادة بتشوهات واضطرابات خلقية خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس 2024 في مجمع ناصر الطبي وحده، توفي 20% منهم.

رئيس قسم الحضانة داخل قسم النساء والولادة بمجمع ناصر الطبي الطبيب حاتم ظهير أكد وجود زيادة طردية في عدد الأطفال حديثي الولادة المصابين بالتشوهات الخلقية خاصة أمراض القلب والأعضاء التناسلية والأطراف السفلية وتشوهات الوجه.

وأرجع ظهير الزيادة في حالات التشوهات الخلقية بين المواليد، إلى المواد المتفجرة التي سقطت على قطاع غزة والتي تحمل سميات كثيرة، إضافة إلى الفيروسات المنتشرة بالقطاع وغياب النظافة وسوء التغذية عند الأمهات.

وأوضح ظهير أيضًا أن الزيادة المستمرة في حالات ازدياد التشوهات الخلقية بين الأطفال المواليد هي مستجد يستدعي الدراسة من قبل المختصين، وإجراء الفحوصات للوصول إلى الأسباب الرئيسية لزيادة حالات التشوهات.

وبيّن أن معظم حالات الأطفال المصابين بالتشوهات الخلقية يكون مصيرهم الوفاة، خاصة أن غالبية الحالات هي لتشوهات بالقلب، ويحتاجون إلى إجراء عمليات جراحية في الأسبوع الأول بعد الولادة، وهذا الأمر غير متوفر في مستشفيات قطاع غزة.

وقال: «فقدنا أطفالًا مصابين بتشوهات خلقية كان يمكن إنقاذهم لو تم تحويلهم إلى خارج قطاع غزة».

أما طبيب النساء والولادة بمستشفى العودة بمخيم النصيرات/ وسط قطاع غزة الدكتور ناجي القرشلي قال: «هناك أسباب عديدة لتسجيل تشوهات خلقية بين الأطفال حديثي الولادة، أبرزها المتفجرات التي ألقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والمواد السمية الناتجة عنها».

وأوضح أن النساء الحوامل بقطاع غزة عانين من سوء تغذية وعدم حصولهن على الطعام اللازم خلال فترة الحمل، مما أدى إلى حدوث تشوهات لدى أطفالهن، إضافة إلى حالات النزوح المتكررة، والعيش داخل الخيام.

واعتبر أن عدم حصول الحامل على المياه النظيفة الصالحة للشرب، وانتشار الأمراض والفيروسات بين النازحين، من أسباب ارتفاع حالات التشوهات الخلقية بين المواليد.

ويعد غياب الرعاية الصحية، وعدم حصول الحوامل على المثبتات والفيتامينات خلال فترة الحمل من الأسباب في إصابة الأطفال في أرحام أمهاتهم بتشوهات خلقية.

وفي شمال قطاع غزة، تسجل زيادة لأطفال غير مكتملي النمو مع وجود حالات تشوهات خلقية، وفقًا لمدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية.

وقد أوضح أبو صفية الأسباب وراء تلك الحالات إلى عدم توفر الرعاية الصحية لدى الحوامل التي تعد مهمة جدًا لهن، إضافة إلى غياب أصناف الطعام الغنية بالفيتامينات وسوء التغذية.

ويوضح أن بعض الأطفال المواليد يكونون غير مكتملي الرئتين، لذلك يتم وضعهم في الحضانات من أجل المساهمة في علاجهم واكتمال نموهم.

ويبيّن أن هناك حالات إجهاض مرتفعة بين النساء الحوامل بسبب الانفجارات والخوف والنزوح، إضافة إلى حدوث إجهاض ناتج عن التشوهات.

وما زال يعانى سكان قطاع غزة بشكل عام، والنساء الحوامل بشكل خاص، من سوء التغذية خلال أيام الحرب المستمرة.

أما صندوق الأمم المتحدة للسكان فقد أكد أن سوء التغذية بغزة يشكل خطرًا كبيرًا على الحوامل وحديثي الولادة وسط تزايد ولادة أجنة ميتين وأطفال منخفضي الوزن ويعانون الهزال وتأخر النمو.

وأوضح الصندوق الأممي للسكان في منشور عبر منصة «إكس» في يوليوالماضي، أنه من الشائع ولادة أطفال منخفضي الوزن بشكل متزايد في غزة.

وأكدت تيد شيبان نائبة المديرة التنفيذية لليونيسف في المجال الإنساني وعمليات الإمداد، أن قطاع غزة على وشك أن يشهد انفجارًا في حالات الوفاة للأطفال التي يمكن تجنبها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم وفيات الأطفال التي يصعب تحملها بالفعل في غزة.

وقالت شيبان: «لقد حذرنا من أن قطاع غزة على شفا أزمة تغذية، إذا لم ينته النزاع فإن تغذية الأطفال ستواصل الانخفاض، مما سيؤدي إلى حدوث حالات وفاة يمكن الوقاية منها، أو مشاكل صحية ستؤثر على أطفال غزة لبقية حياتهم وستكون لها عواقب محتملة على الأجيال».

إنَّ استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنواعًا مختلفةً من الصواريخ والقنابل في قصفه قطاع غزة، ومنها الفسفور الأبيض، وفقا لتأكيدات منظمات حقوقية أبرزها هيومن رايتس ووتش.

وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أنها تحققت من مقاطع فيديو التقطت في العاشر من أكتوبر2023 تظهر «انفجارات جوية متعددة للفسفور الأبيض الذي أطلقته المدفعية فوق ميناء مدينة غزة». وراجعت المنظمة الفيديوهات وتحققت من أنها صوّرت في ميناء مدينة غزة، وحددت الذخائر المستخدمة في الغارة على أنها قذائف فسفور أبيض مدفعية من عيار 155 ملم وتنفجر جوًا، وصدر عنها الدخان الأبيض الكثيف ورائحة الثوم، وهما من خصائص الفسفور الأبيض.

دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام قالت: إن مخلفات الحرب في قطاع غزة تضم مواد مشعة والفوسفور الأبيض والهالوجينات والمعادن الثقيلة، وإنه يمكن لهذه الحرب أن تترك أثرًا بيئيًا سامًا، وتتسبب في «أضرار لا توصف» لصحة الإنسان.

والفوسفور الأبيض مادة كيميائية شديدة السمية، وتحترق في الهواء، وتسبب حروقًا شديدةً في الجلد والعينين، ويمكن أن يتسبب الدخان أيضًا في التهابات العين والجهاز التنفسي، فضلًا عن تهيج المعدة. وفي الحالات القصوى يمكن أن تشوه وتقتل بحرق العظام.

في سياق متصل، أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريرًا ميدانيًا بمناسبة اليوم العالمي للطفل الموافق 20 نوفمبر 2024 حول القتل والتجويع الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة لا سيما الأطفال.

وأظهر التقرير المخاطر المحدقة بصحة الأطفال جراء استمرار جريمة التجويع، حيث أشار إلى أن آثار التجويع ستؤثر على صحة ونمو الأطفال في المستقبل، فسوء التغذية لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى توقف أو تأخر في النمو الجسدي، مما يسبب قصر القامة أو التقزم (stunting). هذا التأخر قد يكون غير قابل للتصحيح بشكل كامل حتى مع تحسن التغذية لاحقًا. الأطفال الذين يعانون من التقزم غالبًا ما يكون لديهم ضعف في نمو العضلات والعظام، مما قد يؤثر على قدراتهم الحركية.

وأن نقص العناصر الغذائية الأساسية، مثل: الحديد والزنك وأحماض أوميجا-3 الدهنية، يمكن أن يتسبب في ضعف التطور العقلي وتأخر في اكتساب المهارات اللغوية والمعرفية. الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية غالبًا ما يواجهون مشاكل في التعلم والتركيز، مما يؤثر سلبيًا على أدائهم المدرسي وقدرتهم على التحصيل الأكاديمي على المدى الطويل.

ويمكن أن يسبب سوء التغذية مشاكل صحية دائمة، مثل: فقر الدم المزمن، ضعف جهاز المناعة، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية. ويمكن أن تزيد هذه المشاكل من خطر الإصابة بأمراض غير معدية لاحقًا في الحياة، مثل: أمراض القلب والسكري.

وأظهر التقرير أيضًا أن الأطفال الذين تعرضوا لسوء التغذية لفترات طويلة غالبًا ما يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، مثل الالتهاب الرئوي والإسهال المزمن. حتى بعد تحسن التغذية، قد تبقى لديهم نقاط ضعف في جهاز المناعة. كما يمكن لسوء التغذية المزمن أن يؤثر على التطور الجنسي، وقد يؤدي إلى مشاكل في الخصوبة أو تأخر في سن البلوغ.

وفي حالة الفتيات، سوء التغذية خلال فترة الحمل يمكن أن يؤثر لاحقًا على صحة الأطفال، وولادة أطفال ناقصي الوزن أو يعانون من مشاكل نمو.

فيما أكد رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أسقط على قطاع غزة 70 ألف طن من المتفجرات منذ السابع من أكتوبر 2023.

وقال عبده: «قد يكون هناك ارتباط بزيادة عدد حالات التشوهات الخلقية للأطفال حديثي الولادة بقطاع غزة، والقنابل التي ألقاها الاحتلال على القطاع، ولكن ذلك يحتاج إلى مختصين لإثباته، ويعمل الاحتلال على منعهم من الدخول للقطاع».

وأوضح عبده أيضًا أن «القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة تزيد على ما ألقي على هيروشيما، مع ملاحظة أن مساحة المدينة اليابانية 900 كيلومتر مربع في حين أن مساحة قطاع غزة لا تزيد على 360 كيلومترًا.

وبيّن أن إسرائيل تستخدم قنابل ذات قوة تدميرية ضخمة، بعضها يبدأ من 150 كيلوجرامًا إلى ألف كيلوجرام، لافتا إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بإسقاط أكثر من 10 آلاف قنبلة على مدينة غزة وحدها (تبلغ مساحتها 56 كيلومترًا).

وذكر أنه تم توثيق استخدام إسرائيل أسلحة محرمة دوليًا في هجماتها على قطاع غزة، ولا سيما القنابل العنقودية والفسفورية التي هي عبارة عن مادة سامة شمعية تتفاعل مع الأكسجين بسرعة وتتسبب في حروق بالغة من الدرجة الثانية والثالثة.

وأشار إلى أن جيش الاحتلال استخدم قنابل متفجرة ذات آثار تدميرية ضخمة في المناطق المأهولة بالسكان مما يمثل أخطر التهديدات للمدنيين في النزاعات المسلحة المعاصرة، ويفسر ذلك حجم الدمار الهائل في قطاع غزة وتسوية أحياء سكنية بكاملها وتحويلها إلى أنقاض وخراب.

في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة لأكثر من عام أصبح من الضروري على المنظمات الدولية ودول العالم الضغط من أجل ضمان إغاثة الأطفال وذويهم ومنع المجاعة، وتسهيل إجلاء الأطفال المصابين والمرضى للعلاج في المستشفيات خارج القطاع وتوفير الخدمات الصحية والإنسانية لحماية الأطفال وضمان تمتعهم بالحد الأدنى من سبل العيش اللائق.‏

Image