إشراقات

مدير لجنة التوفيق والمصالحة بسمائل: الصلح يجري تنفيذه بالطريقة التي تنفذ بها الأحكام القضائية النهائية

27 أكتوبر 2022
العمانيون متسامحون بطبيعتهم.. يجنحون للسلم بفطرتهم
27 أكتوبر 2022

المستثمر يهمه سرعة الفصل في القضايا وعدم تأخرها -

حكمة تشريع الصلح هي الحفاظ على أواصر الألفة والمودة وإشاعة المحبة والتسامح بين أفراد المجتمع -

تسعى المجتمعات الإسلامية إلى نشر ثقافة المودة والرحمة والتسامح وهي مبادئ حض عليها ديننا الحنيف، وإذا وجدت خلافات بين أفراد هذه المجتمعات دعا الإسلام إلى حلها بالصلح وقد أكد ذلك الكتاب العزيز بقوله «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» لكي لا يصل الخصوم إلى القضاء ويحكم لأحدهما، ولذلك جاء الصلح ليوجد حلا يرضي الطرفين، وفي مجتمعنا العماني المؤسسة الحكومية المعنية بالصلح هي لجان التوفيق والمصالحة في كل ولاية، ولمعرفة الأدوار المنوطة بهذه اللجان التقينا بعبدالله بن سليمان بن ناصر الندابي مدير لجنة التوفيق والمصالحة بسمائل للحديث معه حول طبيعة القضايا التي تقع ضمن اختصاصات اللجنة، وما نسبة الصلح بالنسبة لعدد القضايا المقدمة، والجوانب التنويرية والإرشادية للجان في المجتمع، وأثر التوفيق والمصالحة في خلق بيئة استثمارية جاذبة، وغيرها من المواضيع التي تطرق إليها الحوار.

لماذا يعد الصلح البديل الأسرع والأنسب عند التقاضي؟

الصلح مبدأ إسلامي تضافرت نصوص الكتاب والسنة في الدعوة إليه وحث الناس عليه، فنجد في تضاعيف القرآن الكريم الدعوة إلى الصلح والجنوح إلى السلم والإيفاء بالعهود، فقد قال تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ»، ويقول تعالى: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم»، فهي دعوة للناس ممن اتسمت فيهم الحكمة والحنكة وأصحاب الرأي بأن يتصدوا لأي نزاع أو خلاف، وينبروا للصلح والائتلاف، وهذا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وقد رتبت السنة النبوية على ذلك أجراً عظيماً فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين»، فالسعي للصلح بين الناس وإنهاء الخصومات وقطع دابر الخلاف من طبع النفوس الزاكية التي تحب للناس ما تحبه لنفسها يقول الأوزاعي: ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ).

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن»، ومن هنا تتضح حكمة تشريع الصلح وهي الحفاظ على أواصر الألفة والمودة وإشاعة المحبة والتسامح بين أفراد المجتمع، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: « لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا»، فالتقاضي مدعاة إلى إطالة أمد الخلاف ويورث بين المتنازعين - بل ويتعداه إلى أفراد الأسرة والمجتمع الواحد - إلى الضغائن وتوارث الأحقاد، وهنا جواب سؤالك بأن الصلح البديل هو الأنسب عن التقاضي، فالقاضي يحكم لواحد من المتقاضيين دون الآخر بما ثبت لديه من أدلة وبيّنات، والمحكوم ضده قد لا يرتضي الحكم الصادر مما يدفعه إلى استئناف الحكم ثم الطعن فيه أو إحالته إلى هيئة مغايرة وقد يستشكل التنفيذ وغيرها من الإجراءات التي قد تطيل أمد الخلاف وتوغر الصدور وتثير الأحقاد. أما الصلح فهو مبني على توافق إرادتين على إنهاء النزاع بينهما بالتراضي دون جبر أو إكراه، وعرف بأنه (الصلح بأنه التنازل من الطرفين عن بعض الحق لأجل الإصلاح) وهذا ما تقوم به لجان التوفيق والمصالحة فهي تعقد جلساتها السرية في جو هادئ يتسم بالبساطة والأريحية يعرض كل طرف فيه مطالبته بدون تكلف أو تعقيد وتستمع اللجنة للأطراف المتصالحة بصدر رحب وتحاورهم بعدالة ونزاهة وتعرض بينهم الصلح الذي تراه مناسبا وقد يدخل فيها بعض المفاوضات وقد يتخلل ذلك جلسات انفرادية مستفرغة الوسع في الإقناع وقد يتنازل أحدهما أو كلاهما عن بعض مطالبه بغية الصلح ولتحقيق مصلحة عاجلة فإذا ما توافق الأطراف فيحرر الصلح بينهما مباشرة ويوقع عليه الأطراف ومن حضر جلسة الصلح من الأعضاء في ذات الجلسة، ويتسلم كل واحد منهم نسخته، وقد تؤجل الجلسة لموعد آخر لاستكمال المفاوضات، ولكن كل هذا لا يتعدى أسبوعا أو أسبوعين، وقليلا ما يزيد على ذلك، وهذا جواب الشطر الأول من سؤالك، فالصلح أسرع من إجراءات التقاضي لأن النزاع فيه قد ينتهي في جلسة واحدة، وقد تؤجل لجلسة أخرى في أقرب وقت ممكن حتى لا يطول أمد الخلاف ثم إن الصلح بعد توقيعه من الأطراف ومن حضر جلسة الصلح من الأعضاء يعد سندا تنفيذيا يجري تنفيذه بالطريقة التي تنفذ بها الأحكام القضائية النهائية وفق المادة (15) من قانون التوفيق والمصالحة، فلا استئناف في حقه ولا تظلم، بل هو واجب التنفيذ مباشرة، وهذا ما أدركه القانون حتى لا يذهب جهد المصلحين سدى، وحتى تحفظ حقوق المتصالحين انطلاقا من مبدأ « لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له »، وكما قيل: « لا قيمة للكلام، ولا البحث في حقوق الأنام، ولا نفع لصدور الأحكام، إذا لم يكن للأحكام نفاذ»، وإن كان الكلام للأحكام القضائية، إلا أن الصلح سيدها كما ورد «بأن الصلح سيد الأحكام».

ما العلاقة بين طبيعة الصلح وتناسبها مع طبيعة التسامح عند أهل عمان؟

العمانيون متسامحون بطبيعتهم، يجنحون للسلم بفطرتهم، يقدرون الساعي بينهم ويحترمون وجهاءهم وأهل الرأي فيهم، ولا أدل على ذلك من شهادة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لهم «لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك»، وهذه الطبيعة التي ورثها العمانيون وغدت مضرب المثل في طبيعتهم وأخلاقهم وحسن معشرهم كان لها عظيم الأثر في سعيهم للصلح بين المتخاصمين، وبذل الجهد في السعي بينهم، وكان له الأثر البالغ على المتخاصمين أنفسهم في الجنوح للصلح وإنهاء النزاع بالطرق السلمية، وللعمانيين تجربة فريدة مع الصلح عبر قرون من الزمن فقد كان الصلحاء والحكماء في البلد يسعون بين المتخاصمين لحل الخلاف قبل الوصول إلى القضاء وفي حال وصلت الشكوى إلى القاضي يضرب لهم موعدا يحضره الوالي والقاضي وأهل الصلاح فيما يسمى بـ«البرزة» ويحاول الوالي والحكماء والصلحاء أيضا التصدي للنزاع بعرض الصلح بينهم مرة أخرى، وأغلب النزاعات كانت تحل صلحاً ولا يصل إلى القاضي إلا النزر اليسير، وتجسيدا لهذه العادات وما كانت تقوم به السبلة العمانية وإدراكا من حضرة صاحب الجلالة طيب الله ثراه لضرورة المحافظة على هذا الإرث الحضاري ومحافظة منه على بث روح التآخي بين أفراد المجتمع العماني بمختلف أطيافه وانتماءاته والترابط المتين بين أبناء هذا الوطن في كل أرجائه - كما قال في أحد خطاباته السامية - فقد أصدر قانون لجان التوفيق والمصالحة رقم 98/2005م، والحمد لله فقد حققت اللجان الهدف من إنشائها وأنهت كثيرا من النزاعات صلحا بين أطرافها، وخففت العبء عن المحاكم في كثير من القضايا المدنية والتجارية ونزاعات الأحوال الشخصية التي تختص اللجان بنظرها، ولغة الأرقام شاهدة على النجاح وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على طبيعة هذا الشعب المسالم المتسامح والمتصالح.

كيف يتم اختيار أعضاء لجنة التوفيق والمصالحة ؟ وما الأدوار المنوطة بهم ؟

نصت المادة «5» من قانون التوفيق والمصالحة على الآتي: «تشكل اللجنة بقرار من الوزير برئاسة أحد القضاة وعضوية اثنين منهم أو اثنين من ذوي الخبرة ممن تتوافر فيهم الحكمة ويجوز إذا اقتضت الحال أن يكون تشكيلها من ذوي الخبرة برئاسة أحدهم، ويجب في جميع الأحوال أن يتضمن القرار أعضاء احتياطيين يحل كل منهم محل أعضاء اللجنة أو رئيسها إذا قام بأحدهم مانع، وذلك على النحو الذي يحدد بالقرار».

فالمادة أشارت صراحة بأن اللجنة تتشكل بقرار من الوزير، فمعالي السيد وزير الداخلية هو المعني بقرار تشكيل اللجان دون غيره بنص المادة وأن اللجنة إما أن تتشكل بطابع قضائي (الرئيس والأعضاء) وإما بطابع شبه قضائي أي برئاسة القاضي والأعضاء من ذوي الخبرة، وإما أن يكون تشكيلها صرفا من أهل الخبرة فقط (الرئيس و الأعضاء).

فالمادة أعطت الوزير مجالاً رحبا وفسحة واسعة في آلية تشكيل اللجنة، ففي أحيان كثيرة قد لا يتوفر الكادر القضائي لرئاسة اللجان أو عضويتهم فيها فإن القانون لم يضيّق واسعاً، فقد سمح بأن تشكل اللجنة من ذوي الخبرة برئاسة أحدهم وذلك بدافع إشراكهم في تحمل المسؤولية الوطنية والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم وقدراتهم في هذا المجال، فالمجتمع العماني زاخر بالحكماء والفضلاء والمصلحين والمتقاعدين من مختلف الجهات الذين اكتسبوا مهارات واسعة ومنهم حملة شهادات عليا في مجال الشريعة والقانون وغيرها من التخصصات، فحري أن يستفاد من خبراتهم وتجاربهم خاصة أن المجتمع العماني مما يتميز به احترامه وتقديره للمشايخ والأعيان والوجهاء والفضلاء والعلماء، فمنذ أن تأسست اللجان كان تشكيل بعضها بالنظام المختلط أو شبه قضائي، وبعضها شكلت من أهل الخبرة فقط.

هذا من حيث التشكيل أما الاختيار فقد نيط أمر اختيار الأعضاء إلى مكاتب أصحاب السعادة الولاة لاطلاعهم الواسع على الولاية ومعرفتهم بالمشايخ والرشداء والوجهاء وأصحاب الخبرة والرأي، فهم يختارون عددا من الأعضاء ممن يتوسم فيهم سعادة الوالي الحكمة والخبرة والوجاهة وذلك لفترة معينة وفق ما يقتضيه قرار التشكيل، وبعدها يتم اختيار أعضاء آخرين وقد يجوز التجديد لهم أو لبعضهم لفترة أخرى. ويناط بالأعضاء الذين صدر بحقهم قرار عضويتهم في اللجنة حضور جلسات الصلح في الأيام المحددة، وأن يستفرغوا الوسع في الصلح بين الأطراف ويحافظوا على سرية الجلسات المعروضة أمامهم ويلتزموا الحياد بين أطراف النزاع، وأن يكون صلحهم مما يمكن تنفيذه وموافقا للإجراءات القانونية المتعلقة ببعض الجهات الأخرى كالزراعة وموارد المياه والإسكان ونحوه، وموافقا لقواعد الشريعة وخاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية والنزاعات الأسرية وأن يتحرى في الصلح العدل والقسط بين المتخاصمين، فالعدل كما هو واجب في الأحكام والظلم فيها محرم، فإن الصلح أيضا واجب على المصلح أن يعدل ويقسط بين المتخاصمين حتى في النظرة والاستماع والاهتمام، وأن يوقع في الأخير على محضر الجلسة التي حضرها بعد توقيع الأطراف المتصالحة، وبالمجمل أقول بأن الصلح فنٌّ لا يدخل فيه إلا من خبره ومارسه، وعرف مداخله ومخارجه، ويستشعر المصلح طاعة الله ومخلصا له وطالبا لمرضاته ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) وأن يتحلى بالحلم وسعة البال والصبر والتأني وعدم العجلة وأن يقابل الإساءة بالإحسان فمهمته أكبر من أن ينتصر لنفسه فيكون ضرره أكبر من نفعه فيتعامل معهم بلطف وحكمة وأن يكون مطلعا بالأحكام الشرعية وما يجوز الصلح فيه وما لا يجوز خاصة في قضايا الخلافات الأسرية وبالقوانين السارية في الدولة حتى لا يكون الصلح مخالفا للإجراءات المعمول بها.

ما أثر لجان التوفيق والمصالحة في خلق بيئة استثمارية جاذبة ؟

مما لا شك فيه بأن الدول تسعى جاهدة إلى تقوية اقتصادياتها، وتعزيز استثماراتها، وزيادة طاقاتها الإنتاجية، ولتحقيق ذلك لا بد من توفير مناخ آمن جاذب وجالب لهذه الاستثمارات وهذا لن يتوفر إلا بوجود قوانين مشرعة وسلطة قضائية مستقلة ومنجزة تحمي مال المستثمر، فالمستثمرون سواء من الداخل أو الخارج لن يجازفوا بأموالهم، ولن يغامروا باستثماراتهم، إلا بعد تأكدهم من وجود قضاء مستقل عادل وناجز يحقق العدالة والمساواة بتطبيق القانون دون تأخر أو تباطؤ بإصدار أحكام عادلة ونافذة تمكن صاحب الحق من حقه، وقد أدركت السلطنة ذلك، فقد شرعت من القوانين ووقعت على كثير من الاتفاقيات ما يكفل هذه الحماية، ومما يعزز هذا الجانب فقد أنشئ مركز عمان للتحكيم التجاري الذي هو وسيلة بديلة وسريعة لتسوية المنازعات وفيها من الحيادية والنزاهة والسرية التي هي مطلب مهم لخلق بيئة استثمارية جاذبة.

بعد هذه التوطئة يتضح جليا بأن لجان التوفيق والمصالحة والمنتشرة في ربوع السلطنة تعتبر من أفضل الوساطات في حل كثير من الخلافات والبت في كثير من النزاعات المختلفة (المدنية - التجارية - والأحوال الشخصية) والتي بدورها خففت العبء عن كاهل المحاكم وسرّعت في البت في القضايا المعروضة وأوصلت المتنازعين إلى حقوقهم بأسرع الطرق وأبسطها. إن تأخر الفصل في القضايا وتكدسها في المحاكم تعاني منه كثير من دول العالم والذي ينعكس سلباً في الوصول إلى الحقوق وإطالة أمد النزاع مما يدفع المستثمر الأجنبي إلى أن يصرف نظره ويولي شطره إلى وجهة أخرى.

فقد أدركت السلطنة ذلك منذ أمد ولهذا أنشئت لجان التوفيق والمصالحة والتي كان لها الدور البالغ في إنهاء الخصومات والبت في القضايا صلحا ومنها التجارية في زمن وجيز جدا، فعلى سبيل المثال في عام 2019م فقط استقبلت اللجان اثنين وعشرين ألفا وثلاثمائة وتسعة وستين طلباً حسم منه في ذات العام اثنان وعشرون ألفا ومائة وسبعة وسبعون طلباً، ونسبة ما حسم منه صلحاً (88%)، فلك أن تتخيل في حال عدم وجود هذه اللجان فإن هذه القضايا كانت تنظرها المحاكم، هذا بدوره يؤثر سلباً في البت في القضايا وتكدسها وإطالة أمد الخلاف، وتكون شاغلاً لكثير من أقسام المحاكم كالتنفيذ والإعلان، والمستثمر يهمه سرعة الفصل في القضايا وعدم تأخرها، أضف إلى ذلك بأن محضر صلح اللجنة يعتبر سندا تنفيذياً كما أشرنا سابقا، ولا يطعن فيه لدى درجات التقاضي المعروفة (الاستئناف والعليا) مما اختصر على المتنازعين كثيرا من الإجراءات المعقدة وحفظ عليهم كثيرا من الأموال التي سينفقونها، وهذا دفع ما دول العالم إلى التوجه إلى إنشاء مثل هذه اللجان لحل المنازعات بعيدا عن أروقة المحاكم.

هل هناك جوانب إرشادية وتنويرية قامت بها لجان التوفيق والمصالحة في توجيه المجتمع إلى الصلح ؟

كما قلت سابقاً بأن المجتمع العماني متصالح بطبعه ولأجل تعريف المجتمع باللجان قامت وزارة العدل سابقاً ممثلة بمكتب تنسيق اللجان فيها بتنظيم ندوات وعمل لوائح تعريفية (بوسترات) ومنشورات وزعت على مختلف المؤسسات الحكومية بهدف التعريف باللجان وآلية عملها وما تمتاز به، وتوعية المجتمع إلى حل خلافاتهم بأبسط الطرق وأيسرها وأسرعها، وأنها تقدم خدماتها بدون رسوم، ولكن نطمح أن تكون هناك فعاليات أكثر ومناشط أوسع في قابل الأيام على مستوى المحافظات خاصة ما يشهده المجتمع من حراك اقتصادي واسع ومناطق صناعية واعدة قد تترتب على هذه التعاملات مطالبات مالية ونزاعات مع المستفيدين، وبلجوئهم إلى لجان التوفيق والمصالحة قد يصلون إلى حقوقهم بأبسط الطرق وأيسرها دون الحاجة إلى أروقة المحكمة وتعقيداتها خاصة أن اللجان تنظر النزاعات التجارية مهما كان ثمن المطالبة دون التقيد بقانون الإجراءات المدنية والتجارية ودون التقيد بقانون المحاماة كما نصت عليه المادة (10) من قانون التوفيق والمصالحة.

هل محاضر الصلح لها طابع تنفيذي ؟

كما أشرت سابقاً بأنه لا خير في حكم لا نفاذ له، والصلح هو سيد الأحكام وقد أدرك المقنن ذلك - وحتى لا تذهب جهود المصلحين سدى- فقد نصت المادة (15) من قانون التوفيق والمصالحة بأنه: ( يعتبر المحضر بعد توقيعه من رئيس اللجنة ومن حضر جلسة الصلح من الأعضاء سنداً تنفيذياً يجري تنفيذه بالطريقة التي تنفذ بها الأحكام القضائية النهائية.. وفي حال عدم تنفيذ ما تضمنه محضر الصلح اختياراً يجري تنفيذه جبراً وفقاً لأحكام قانون الإجراءات المدنية والتجارية....).

ويختم محضر الصلح بخاتم الصيغة التنفيذية بناء على طلب يقدم من المستفيد وهذا بحد ذاته يعطي انطباعا للمصلحين وللأطراف المتصالحة أنفسهم بأن حقوقهم محفوظة وما التزموا به واجب عليهم إيفاءه من باب من ألزم نفسه شيئاً ألزمناه إياه.

ما نسبة الصلح لعدد القضايا المقدمة إلى التوفيق والمصالحة ؟

إن لغة الأرقام دائما ما تكون لغة صادقة تعطيك قراءة حقيقية عن حكم المنجز في كل مؤسسة وعلى نجاحها من عدمه. والإحصاءات الصادرة عن لجان التوفيق والمصالحة فاقت التوقعات، فعلى سبيل المثال سجلت اللجان من عام 2009م إلى عام 2019م (227332 طلباً) حسم منها (226333) فنسبة عدم اتفاق الأطراف من مجموع المحسوم لجميع الطلبات المذكورة (5%) وباقي النسبة موزعة بين المحسوم صلحاً وترك الطلب، والصلح خارج اللجنة، وانتهاء المدة القانونية وعدم حضور الخصم إلا أن نسبة الصلح في حال حضور الأطراف تجاوزت (88%).

ما مدى إمكانية إحالة بعض القضايا الجزائية إلى اختصاصات لجان التوفيق والمصالحة مثل (قضايا السب والشتم) ؟

نصت المادة (4) من قانون التوفيق والمصالحة بأن اللجنة تختص بنظر النزاعات المدنية والتجارية والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، وبهذا قصر على اللجان نظر هذه القضايا فقط دون غيرها لأن هذه الدعاوى هي المتكررة والشائعة، أما قضايا السب والشتم فليست من اختصاص اللجان.

ولكن نأمل أن يعاد صياغة قانون التوفيق والمصالحة في القريب العاجل وهذا مطلب ضروري جدا حتى يتواكب القانون مع المستجدات والمتغيرات، وقد وجه معالي السيد وزير الداخلية المختصين لدراسة القانون، فالقانون صدر في 2005م وقد قدمنا مرئياتنا ومقترحاتنا حول تجديد بعض المواد مما يتيح إحالة مثل هذه القضايا إلى لجان التوفيق والمصالحة، فهي أدعى إلى الصلح وإلى المسامحة فيها والتي شغلت حيزا كبيرا وجهدا واسعا من وقت وجهد الادعاء العام والمحاكم على مختلف درجاتها وذلك على حساب كثير من القضايا المهمة. فإحالتها إلى اللجان يخفف العبء عن كاهلهم ويسهم في تحقيق الأمن المجتمعي وينشر المودة والإخاء؛ لأن كما قلت سلفاً بأن الحكم يوغر الصدور ويورث الضغائن.

هل هناك فكرة مستقبلية لإعطاء لجنة التوفيق والمصالحة اختصاصات أكثر بالنسبة لأنواع القضايا التي تقوم بالبت فيها؟

كما أشرت في الجواب السابق بأن الأفكار مطروحة ولكن كل ذلك مرتبط بتعديل القانون وعسى أن يرى النور قريباً. فالمؤسسة الناجحة لا يمكن أن تقف عند حد واحد لا تتعداه ؛ فالتطوير والتحديث ومواكبة المتغيرات وملاحقة المستجدات من شأن الإدارة الناجحة، فاللجان قابلة وبشدة لكثير من التغيير والتجديد الذي ينعكس أثره على اقتصاد البلد والمواطنين وتسرع في إيصال الحقوق للأفراد أو الشركات بأبسط الطرق وأنجعها.

هل يمكن أن يعد الصلح بديلاً عن التحكيم؟

مراكز التحكيم ولجان التوفيق والمصالحة كلاهما يعدان من القضاء الرديف أو البديل في تسوية النزاعات، وكلاهما يتسمان بالسرعة والنزاهة والحيادية، ولكن غلب على مراكز التحكيم النظر في القضايا ذات الطابع التجاري، واللجان تتميز بأنها أوسع اختصاصا من حيث القضايا التي تنظرها والنزاع يرفع إليها بدون رسوم وفق المادة (10) من قانون التوفيق والمصالحة مهما كانت الدعوى وطبيعتها وقيمتها، وهذا ما لا نجده في مراكز التحكيم، والتي تفرض على رفع الدعوى رسوماً للتسجيل ومصاريف إدارية ومصاريف أتعاب هيئة التحكيم ومصاريف الخبراء والسفر وغيرها من المصاريف، لذا فإن اللجوء إلى لجان الصلح يعتبر من أفضل الحلول وأنجعها وأسرعها في البت في النزاعات وخاصة قضايا المصارف مع المستفيدين فهي أقصر الطرق للوصول إلى حقوقهم ويمكن أن يُضمَّن في العقد شرط أو مشارطة اللجوء إلى لجان الصلح لحل خلافاتهم.

ما هي جهودكم في عرض التجربة العمانية الناجحة في محال التوفيق والمصالحة ؟

من المواقف التي لا تنسى بأنه تم إيفادي من قبل وزارة العدل سابقاً للمشاركة في ورشة عمل حول تأهيل وتحديث الإدارة القضائية المقامة بالمعهد العالي للقضاء في الرباط بالمملكة المغربية بتاريخ 24/06/2013م بحضور ممثل عن وزارة العدل والحريات بالمملكة المغربية وممثلة الجامعة العربية مع لفيف من ممثلي السفارات العربية وجمهورية تركيا ونخبة من القضاة رؤساء محاكم الدول العربية وتركيا، ومجموعة من القانونيين بالمملكة المغربية، عرضت في هذه الورشة التجربة العمانية في لجان التوفيق والمصالحة وما تحقق فيها من منجزات وعن آلية عمل هذه اللجان وأن محاضر الصلح فيها تعتبر سندات تنفيذية وكيف خففت العبء عن المحاكم وكانت تجربة فريدة بالنسبة لأغلب الدول المشاركة، فقد غلب النقاش والحوار عن هذه التجربة. وقد زارت وفود كثيرة السلطنة للاطلاع على هذه التجربة والاستفادة منها (كالمغرب وماليزيا وقطر والسعودية) فقد أنشأت المملكة العربية السعودية مراكز للمصالحة ولاقت لديهم قبولاً واسعا وأطلقت منصة «تراضي» الرقمية التي تعتبر من أهم الممكنات في تفعيل المصالحة وإدارة جميع الإجراءات المتعلقة بطلبات الصلح، وقد قام مكتب تنسيق اللجان بإطلاع الوفود على تجربة السلطنة في لجان التوفيق والمصالحة وزاروا عدداً من اللجان للاطلاع على آلية العمل. والإخوة بإدارة مكتب تنسيق اللجان هم أكثر اطلاعا في هذا الجانب؛ فالاتصال واللقاءات المباشرة تتم عن طريقهم.