No Image
إشراقات

الصبح في القرآن الكريم

15 ديسمبر 2022
تأملات قرآنية
15 ديسمبر 2022

لو تأملنا في مصطلح الصباح في القرآن الكريم لوجدنا أنه يحمل المعنى الحقيقي لهذا المصطلح، وهو أول النهار، فبه ينجلي الظلام ويتضح للناظر ما خفي في الليل، وهنالك مقولة للإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- في كتاب نهج البلاغة يقول فيها: «قد أضاء الصبح لذي عينين»، ونجد رب العزة والجلال يقسم بالصبح فقال تعالى في سورة المدثر: «وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ» أي أضاء وأبان فهو يبين عما ستره وغطاه الظلام، ولا يقسم الله بأحد مخلوقاته إلا لما لهذا الخلق من أهمية سواء كان هذا الخلق يتعلق بزمان أو مكان أو كائن حي أو جماد، بل ونجد القرآن الكريم يقسم بالصبح في موضع آخر، في آية عجيبة، يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة التكوير: «وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ» وقد حمل المفسرون معنى يتنفس أي أنه يمتد حتى يصير نهارا واضحا، ولكن إذا أتينا إلى الدلالات التي نعيشها ونتلمسها في هذا المعنى في أول الصباح نجد نقاء الهواء الذي يتنفسه الإنسان بفعل العمليات البيولوجية التي تقوم بها النباتات في الليل وفي أول الصباح، كما أن روائح الزهور والورود تكون نفاذة في أول الصباح تفوح بروائح زكية تشرح النفس، فكان الصباح يتنفس هذه الروائح الطيبة ويطلقها.

وإذا أتينا إلى استعمال قرآني آخر لكلمة الصباح فنجد في سورة الروم، قوله تعالى: «فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ» فالله ينزه ذاته العلية لما في دلالات الإمساء والإصباح من آيات بالغات دالات على عظمة الخالق التي تجسدت فيما خلق، ولذلك نجد الكثير من الروايات الحاضة على تسبيح الله وذكره في بداية النهار وبداية الليل وهي أذكار الصباح والمساء، لما لها من أجر عظيم، وحفظ للذاكر.

وذكر بنا عز وجل في كتابه العزيز الصبح بالإصباح، فقال تعالى في سورة الأنعام: «فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»، ووصف فعل العاديات وهي الخيول التي أقسم ربنا تبارك وتعالى بها بقوله: «فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا» إي التي يغار بها في الحروب في وقت الصباح.

ولكن من جهة أخرى نجد أن القرآن الكريم عبر عن زمن وقوع العقاب لبعض الأقوام السابقة بأنه كان في وقت الصباح أي في أول النهار فقال تعالى قصة النبي لوط وقومه وموعد عذابهم في سورة هود: «قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» فكان موعد عذابهم الصبح. ووصف ربنا هذا العذاب في سورة القمر فقال: «وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ» فقد كان عذابهم مع طلوع الفجر كما يقول المفسرون فقد قلب قريتهم وجعل عاليها سافلها وأمطرها بحجارة من سجين.

وحول تفسير قوله تعالى لهذه الآية من سورة الصافات: «فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» يقول ابن كثير في تفسيره: «قال الله تعالى: (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) أي: فإذا نزل العذاب بمحلتهم، فبئس ذلك اليوم يومهم، بإهلاكهم ودمارهم. قال السدي: (فإذا نزل بساحتهم) يعني: بدارهم، (فساء صباح المنذرين) أي: فبئس ما يصبحون، أي: بئس الصباح صباحهم؛ ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث إسماعيل بن علية، عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس -رضي الله عنه- قال: صبح رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- خيبر، فلما خرجوا بفؤوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش، رجعوا وهم يقولون: محمد والله، محمد والخميس. فقال النبي صلى الله عليه وسلـم: «الله أكبر، خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين «ورواه البخاري من حديث مالك، عن حميد، عن أنس».

كما أخبر ربنا عن عذاب قوم مدين بعد أن أرسل لهم الله النبي شعيب، فكذبوه وعصوه، وكانوا ينقصون المكيال والميزان، ولم يستجيبوا لأمر ربهم، وطلبوا منه أن يرسل لهم العذاب، فوقع عليهم العذاب فقال تعالى في سورة الأعراف: «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ».

وكذلك أسفر الصبح عن الرجل الذي أحيط بثمر جنته وأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها فقال تعالى في سورة الكهف: «ِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا» من بعد أن دعا عليه صاحبه الذي تفاخر عليه بأنه أكثر منه مالا وأعز نفرا فقال تعالى: «فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا».

وحكى الله لنا خبر أصحاب الجنة الذين أقسموا أنهم سيجنون ثمار مزرعتهم في وقت الصباح حتى يمنعون حق المساكين فقال تعالى في سورة القلم: «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)».