وصف عُمان في أقدم مخطوطات العالم

30 أبريل 2023
30 أبريل 2023

في القرن الأول الميلادي كان هناك تاجر يوناني مغمور لا يُعرف حتى الآن اسمه ولكن بقي ما كتبه، أصبح حاضرا لقرون طويلة من الزمن خط فيها مشاهداته للمناطق التي زارها ومنها سلطنة عُمان تحت اسم مخطوط «الطواف حول البحر الإريثري» الذي وجدته مترجما في معرض مسقط الدولي للكتاب 2023م بنسخته الجديدة الذي ترجمه من الإغريقية، وحققه الباحث ولفريد هـ.شوف، وترجمه للعربية د.أحمد إيبش بإشراف وطباعة مشروع كلمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.

سنجد في هذا المخطوط النصوص التي تعكس لنا أسماء الموانئ والمدن العمانية بمسميات إغريقية لم نسمع عنها من قبل إلا أن المحقق ولفريد هـ.شوف قد قربها لنا حسب المعطيات الجغرافية التي تتوافق مع خريطة بطليموس وكتابات الكثير من الرحالة القدامى للمنطقة، بالإضافة إلى كتابات علماء الآثار الذي سهل لي بذلك كتابة النص الأصلي، وبجانبه المدينة العمانية المرادفة له كونه يتعلق بسلطنة عُمان ومنتجاتها في القرن الأول الميلادي.

والجدير بالذكر أن المحقق قد أشار بعد دراسة مستفيضة لكل ما ورد في المخطوط من أحداث إلى أن المؤلف قد كتبه تقريبا في عام 60 للميلاد، وعاش في الفترة التي كانت فيها جزيرة مصيرة وجزر كوريا موريا وبلاد البخور بشكل عام تحت سيطرة الفرس؛ لعدم مقدرته على تخطي جزيرة مصيرة كونه تابعا للدولة الرومانية التي كانت على عداء وحرب مع الفرس.

وهنا سأضع لكم النص مختصرا مع وضعي لعدة نقاط تشير إلى تجاوزي بعض الكلمات مخافة الإطالة الذي يشير إلى المدن العمانية وموانئها وأهم منتجاتها، ولتكن البداية مع النص رقم 27 مشيرا إلى ظفار باسم بلاد البخور وملكها:

« وبعيد الرأس الناتئ من هذا الخليج هنالك سوق أخرى بمحاذاة الشاطئ تدعى قنا وتتبع لمملكة إليازوس في بلاد البخور وقبالة تلك السوق توجد جزيرتان نائيتان الأولى جزيرة الطيور والثانية جزيرة القبة...وإلى الداخل من تلك المنطقة تقع حاضرة تلك البلاد مدينة ساباثا (شبوة) معقل الملك، وإلى تلك المدينة يؤتى بكل البخور الذي تنتجه البلاد (ظفار) على ظهور الجمال حيث يتم تخزينه هناك»..

ويذكر في الفقرة 29 ساحل خور روري باسم خليج ساخاليتس فيقول:

« خلف قنا تتراجع اليابسة بشكل كبير...ثم يليها خليج عميق يدعى ساخاليتس (خور روري) يمتد إلى مسافة بعيدة، ثم نصل إلى بلاد البخور الجبلية الوعرة التي تلفها الغيوم ويكتنفها الضباب وتنتج أشجارها البخور...ويتم تجميع البخور من قبل عبيد الملك بمشاركة المحكومين بالأشغال الشاقة»..

وفي الفقرة 32 يشير إلى جنوب عمان باسم خليج أومانا، وعن ميناء خور روري والأمان الذي تتمتع به في تجارة البخور، وكيف أن عملية البيع والشراء تتم بالمقايضة فيقول:

«...يقع خليج أومانا الذي ينحدر بشكل عميق على خط الساحل...وتقع خلفه أيضا جبال شاهقة وصخرية شديدة الانحدار يقطنها سكان الكهوف...وبعدها يوجد ميناء موسخا (ميناء خور روري) الذي تم بناؤه لاستلام البخور الساخاليتي، حيث ترتاده السفن بشكل منتظم من قنا، كما أن السفن العائدة من داميريكا وباروغازا في حال تأخر الموسم، تقضي الشتاء هناك وتجري بعض المبادلات التجارية مع حاشية الملك، حيث تقايض الملابس والدقيق وزيت السمسم بالبخور الذي نجده أكواما في كافة أرجاء بلاد ساخاليتس (منطقة خور روري) من دون حسيب أو رقيب كما لو أن البلاد مرعية بعين الله، ذلك؛ لأنه لا يسمح بتحميل أي كمية من البضائع سواء أكان ذلك خلسة أو على رؤوس الأشهاد من دون إذن الملك وإلا لا يسمح بانطلاق السفن من الميناء».

وبالنسبة لجزر كوريا موريا فقد ذكرها باسم الجزر الزنوبية، ورأس حاسك باسم أسيخ، وجزيرة مصيرة باسم جزيرة سارافيس فقال:

«بعد ميناء موسخا (خور روري) على مسافة 1500 استديوم تقريبا تقع أسيخ (حاسك)، حيث تمتد هناك سلسلة جبلية على طول الشاطئ، وعند نهايتها تصطف سبع جزر على خط واحد تدعى الجزر الزنوبية (جزر كوريا موريا)، بعدها يعيش البربر في منطقة لا تخضع لنفس الملك وإنما تتبع حاليا للفرس، وإذا أبحرنا على طول الساحل...وصلنا إلى جزيرة تدعى سارافيس...وفيها ثلاث مستوطنات لآكلي السمك...والذين ينطقون العربية ويشتملون ببُرد من سعف النخيل، وتنتج الجزيرة كميات كبيرة من درق السلاحف من النوعية الجيدة، حيث تأتيها القوارب الصغيرة وسفن الشحن بشكل منتظم من قنا»..

أما الحلانيات فكان يسميها كالاي، وقلهات كان يسميها كولون، ومسندم بمدخل الخليج، وجبال خصب باسم جبال أسابون فقال:

«عند النهاية العليا لجزر كالاي (الحلانيات) تمتد سلسلة جبال كالون(قلهات) ثم يأتي بعدها...مدخل الخليج العربي(مسندم) حيث يمارس الناس بكثرة الغوص بحثا عن اللآلئ.. وفي الجهة اليسرى من المضيق تقع جبال أسابون (خصب)».

وأكتفي هنا بهذا القدر من الاختصار لما كتبه هذا اليوناني الزائر لعمان وموانئها في القرن الأول الميلادي، ولعل الجهات المعنية بالسياحة ستستفيد من المسميات القديمة لبعض مدن عُمان للترويج والاستثمار أو وضع هذه التسميات التاريخية على بعض المنتجات كالعطور العمانية مثلا.

نصر البوسعيدي كاتب عماني