نوافذ : سفينة نيرودا وتلعثم الرواية

09 فبراير 2022
09 فبراير 2022

«طفلتي العزيزة، لا بد أنك أسوأ صحفيّة في البلاد، فأنت غير موضوعية، تضعين نفسك في قلب كل حدث، وعندما لا تكون هناك أخبار تخترعينها».

بهذه الكلمات رد الشاعر التشيلي الأشهر بابلو نيرودا على طلب إيزابيل الليندي لإجراء مقابلة معه عندما كانت صحفية.

بعد ذلك الرفض بحوالي خمسين عامًا كتبت إيزابيل الليندي روايتها سفينة نيرودا، لتروي حكاية الديكتاتورية المتكررة في أنحاء العالم وما ينتج عنها من مآس تطال الإنسان وتهز إيمانه بجذوره وانتماءاته وعافيته النفسية.

سفينة نيرودا الصادرة عن دار الآداب ٢٠٢٠، ومن ترجمة الراحل صالح علماني، تخبر عن قصة هروب عائلة من الحرب الأهلية الأسبانية التي اشتعلت بين الجيش والجمهوريين عام ١٩٣٦ وعلى إثرها صعد الجنرال فرانكو واستولى على الحكم لأكثر من ثلاثين عامًا.

هذا الهروب إلى تشيلي لم يكن ليتم لولا تدخل نيرودا نفسه، عندما كان يعمل قنصلا في فرنسا، وتسخيره لسفينة اسمها وينيبيغ لنقل حوالي ٢٠٠٠ مهاجر أسباني تقطعت بهم السبل في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية.

وجدت عائلة دالماو حياة جديدة في سنتياجو العاصمة التشيلية، لكن الديكتاتورية ما لبثت أن تشكلت في تشيلي القصية والقابعة بسخرية الجغرافيا عند قدمي العالم، عندما قام الجنرال بينوشيه عام ١٩٧٣ بالانقلاب على الرئيس سيلفادور ألليندي، مدعومًا من قبل الاستخبارات الأمريكية، التي لن ترضى بوجود حكومة ماركسية منتخبة في أمريكا اللاتينية.

في هذه الرواية تعود ألليندي للحديث عن لحظات حياتها المفصلية وإن كان عبر روايتها لحكاية الآخرين، فألليندي نفسها اضطرت للهروب من تشيلي بعد تهديدها وعائلتها بالقتل.

رواية سفينة نيرودا، قصة حُكيت بطريقة لم تعبأ كثيرًا بتقنيات السرد وألعابه، فألليندي حكاءة عظيمة ولا تكترث بالذين ينتقدون نمطية أسلوبها الروائي، فبالنسبة لها «أن تكون حكّاءً فتلك موهبة تشبه أن تكون مولودًا بأذن موسيقية، أما الكتابة فيمكن تعلمها بالصبر والتكريس والدربة».

صدقًا لا أعرف ما الذي دفعني لشراء هذه الرواية، فأنا توقفت عن قراءة ألليندي بعد العشيق الياباني، التي أضأت بالنسبة لي حقبة تاريخية قلما تطرق إليها الأمريكان، وهي حقبة اضطهاد اليابانيين في أمريكا عقب الهجوم على بيل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية واحتجازهم للمواطنين من أصول يابانية في معسكرات تشبه تلك التي أقامها الألمان والسوفييت في أوروبا، لكن نمطية أسلوب ألليندي صارت تذكرني وبشكل ما بالسينما الهوليوودية.

هناك حكاية نعم، قصة جديرة بأن تحكى، لكن كيفية الحكي واللعب بفنون السرد وتجربة الاشتغال على أكثر من مستوى التلقي ليست لعبة ألليندي، فالحكاية عندها أهم من اللعب، وهذا الجمود في الشكل يؤدي بشكل ما إلى تلعثم الرواية، فلا تستطيع أن تحمل ما وجب أن تحمله وتحتمله من سبر للنفس البشرية، ذلك السبر الذي يسبغ على الرواية أهميتها في فعل التواصل الإنساني العميق.