نوافذ : المحتوى هو الملك

25 أكتوبر 2022
25 أكتوبر 2022

Ashuily.com

في عام 1996 نشر بيل جيتس مقالا عنونه بنفس عنوان هذا المقال "المحتوى هو الملك" تحدث فيه آنذاك عن أن أفضل طريقة لجني الأموال عبر الإنترنت ستكون بتقديم محتوى وأن المجتمعات كلها ستشهد منافسةً شديدةً في صناعة المحتوى، وقد تنجح بعض التجارب في ذلك وتفشل الأخرى.

في مقاله الذي تنبأ فيه بأفول الإعلام التقليدي منذ ذلك الوقت قال جيتس إن المطبوع من وسائل الإعلام ويعني بها هنا الصحف والمجلات لها قرائها الورقيين، ولكي تنجح هذه التجارب الورقية على الإنترنت يجب عليها أن لا تأخذ ذات المحتوى الورقي وتقوم بتحويله إلكترونيا إذ لا يوجد عمق أو تفاعل كاف في المحتوى المطبوع يصلح أن يكون مناسبًا للنشر إلكترونيا.

نبوءة بيل جيتس لم تؤخذ بجدية للأسف من قبل صناع الإعلام التقليدي الصحف والمجلات أولا ومن ثم تتلوهم الإذاعة والتلفزيون ثانيا وثالثا فمع كثرة المواقع الإلكترونية الإخبارية وحسابات وسائل التواصل المختلفة إلا أن أغلبها عبارة عن صورة طبق الأصل من الخبر الصحفي المنشور في الجريدة أو المقابلة الإذاعية المبثوثة في الإذاعة أو الفيلم أو التقرير الإخباري المبثوث على جهاز التلفزيون، من هنا أطلت فكرة أن الإعلام التقليدي ليس لديه جديد ليقدمه في العالم الإلكتروني أو العوالم الافتراضية الأخرى فكل ما يتم تقديمه لا يعدو كونه نسخة مصغرة من النسخة الأكبر منها في الوسائل التقليدية.

"لا يوجد محتوى في وسائل الإعلام التقليدية" كثيرًا ما نسمع مثل هذا الحديث على السنة الناس وتحديدًا في الصحافة المطبوعة التي افتقرت إلى كثير من العناصر الإخبارية المميزة لها عن غيرها من الفنون الصحفية مثل: التحقيقات الإخبارية والاستطلاعات ومقالات الرأي والأعمدة والانفرادات الصحفية ومتابعة القضايا اليومية التي تلامس الإنسان البسيط في يومه والحجة في ذلك أن وسائل التواصل والمواقع الإخبارية سرقت الأضواء من المطبوع والوسائل التقليدية الأخرى وأن تلك الوسائل لم تستطع مجاراة ما يحدث في الواقع الافتراضي كون أن خطواتها في التقنية أولا، وفي اللحاق بركب تحديث المحتوى الإعلامي ثانيًا لم تكن بذات القدر الجريء لمواكبة الخطوات التقدمية في مجال الإعلام الالكتروني الحديث.

هنالك عوامل أخرى بالطبع أثرت على مسار الإعلام التقليدي، وأسهمت في انتكاسته أن صحت العبارة منها العامل المادي والاقتصادي من حيث انسحاب القراء المخلصين وعزوف المستمعين الأوفياء وهجرة المشاهدين إلى الفضاءات العلوية، كل هذا خلف وراءه ندبًا ونزفًا في الجسد الإعلامي بخسارته للمورد الإعلاني المعين الذي كان يقيت تلك الوسائل، ويحرك مكائنها العاملة ليل نهار، بالإضافة إلى عوامل هجرة المجيدين والمبدعين والمتميزين من المحررين والفنيين وغيرهم من المهن المساندة إلى مهن أخرى توفر أمانًا وظيفيًا أكثر دفئًا من الأمان الإعلامي المهدد بالزوال في أي وقت وثالث العوامل هو نقص الدعم المقدم لكثير من الوسائل الإعلامية لا سيما الدعم المالي واللوجستي الذي كان يغذي بعضًا من الجسد الإعلامي الصامد أمام الحداثة الجديدة.

مرة أخرى، المحتوى هو الملك، ومن يملك المحتوى يمتلك السيادة، ولا أدل من أن الجمهور سرعان ما ينسحب، وينتقل من وسيلة إلى أخرى بمجرد ما يجد ضالته في الوسيلة الأخرى، ولن يبقى الجمهور وفيًا لأية وسيلة أو قناة أو شخصية طالما لم تقم تلك الوسيلة بالارتقاء بنفسها، وتطوير ذاتها، وتحديث محتواها ليواكب الحداثة ومقولة أن الجمهور هو رأسمال الوسيلة الإعلامية بات جليًا والمحافظة على رأس المال ذاك بات من ضرورات الحياة الجديدة.

ليس من السهل تقبل التغيير خصوصًا لبعض الكلاسيكيين ممن يتمسكون بالتقاليد والأعراف لكن هذه هي سنة الحياة فاعتناق المبادئ الجديدة قد تكون هذه الضمان الأوحد للبقاء كما هو الحال بالنسبة للمحتوى الذي يبقى هو الضمان الأوحد للبقاء.