ماهر الهنائي: الطبيعة ليست مكانا للترفيه فحسب بل مصدر للتعلم والسكينة
تقلبات الطقس والطرق الصعبة واجهتها بثبات وهدوء -
ماهر الهنائي نموذج للشاب العُماني اختار أن يجعل من الطبيعة محورا رئيسيا فـي حياته؛ حيث شكلت الجبال والوديان والسواحل بيئة الطفولة التي صقلت مهاراته كمغامر مستقل. ومن خلال هوايات متنوعة كالتخييم، واستكشاف الأودية، والنزول بالحبال استطاع بناء علاقة مع البيئة المحيطة تحولت إلى مسار يتجاوز حدود سلطنة عُمان، ليشمل عددا من الدول الأوروبية والآسيوية.
يعتمد فـي تجربته على التوثيق البصري من خلال التصوير الأرضي والجوي، ويشارك متابعيه هذه التجارب عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف نقل صورة واقعية عن الأماكن، وتحفـيز الوعي البيئي لدى الجمهور. فـي هذا الحوار نقترب أكثر منه لنتعرف على تجربته ومغامراته.
متى بدأت هذه الهواية؟ وما الدافع الذي جعلك تخوض عالم المغامرات والطبيعة؟
لا أستطيع تحديد لحظة معينة، ولكن منذ صغري وأنا أميل إلى الأماكن الهادئة والطبيعة. كنت دائما أبحث عن شيء يمنحني القدرة على التنفس بعمق، والتفكير بطريقة مختلفة. ومع مرور الوقت أصبح هذا الميل يصنف ضمن «المغامرات»، ويتخذ مسميات متعددة.
هل كانت البداية فـي نطاق محلي داخل سلطنة عُمان، أم بدأت رحلاتك من خارجها؟ وهل تسافر وحدك أم مع فريق؟
البداية كانت بالتأكيد داخل سلطنة عُمان؛ حيث تعلمت من جبالها وسهولها وأوديتها وسواحلها كيف أكون مغامرا حقيقيا؟ وكيف أكون جزءا من البيئة؟ بعد ذلك بدأت أستكشف العالم الخارجي، لكن الجذور والانطلاقة كانت من هنا. وغالبا ما أسافر بمفردي، وأحيانا برفقة أشخاص يشاركونني الشغف نفسه؛ فالأمر يعتمد على طبيعة الرحلة.
ما أبرز الولايات أو المناطق التي استكشفتها محليا؟ وما التجارب الاستكشافـية الأخرى التي قمت بها خارج سلطنة عُمان؟
يصعب علي حصر منطقة معينة؛ فكل موسم يحمل تجربة جديدة فـي مكان مختلف من سلطنة عُمان من الجبال إلى الأودية، مرورا بالشواطئ والمناطق الصحراوية. أما الشق الثاني من السؤال فنعم. زرت عددا من الدول مثل: البوسنة، وجورجيا، وفرنسا، وبولندا وغيرها، ولكل مكان طابعه الخاص وتجربته المميزة، ومع ذلك تبقى عُمان دائما الأقرب والأجمل بالنسبة لي. ولكني من المؤكد سوف أتوسع إلى دول جديدة فـي الوقت المناسب؛ فأنا أحب أن أعيش كل تجربة بهدوء وعمق دون استعجال، فلكل مرحلة وقتها المناسب.
.. وما أكثر منطقة أثرت فـيك؟
الجبال، دون شك. فـيها عظمة لا يمكن وصفها، وشعور لا يضاهى؛ ففـيها البرودة، والهدوء، ومساحة للتفكير. أشعر فـيها وكأنني فوق الضوضاء بعيدا عن كل شيء أرى العالم من منظور مختلف، وأتعلم الكثير.
ما نوع المغامرات التي تخوضها؟ وكيف توثق تجاربك؟ وهل تستخدم الطائرة المسيرة كجزء من هذا التوثيق؟
أخوض مختلف أنواع المغامرات؛ فكل تجربة جديدة وتحدٍ مختلف يمثل بالنسبة لي مغامرة حقيقية سواء كانت تخييمًا، أو استكشافًا لمواقع جديدة، أو النزول بالحبال، أو المشي فـي الأودية. وأحرص على توثيق هذه اللحظات بطريقتي الخاصة من خلال الصور، والفـيديو، وأحيانا بعض الكتابات. والطائرة المسيرة (الدرون) جزء مهم من هذه التجربة البصرية؛ فهي تمنحني منظورا مختلفا للمكان، وتساعدني فـي إيصال روعة المشهد واتساعه للجمهور. ومع ذلك؛ وبسبب كثرة الالتزامات مؤخرا قلّ التوثيق بعض الشيء، فأصبحت أركز أكثر على الاستمتاع بالتجربة نفسها.
هل تعرضت لمواقف خطرة؟ وكيف تعاملت معها؟ وكيف تتعامل مع الظروف الجوية القاسية؟
نعم. واجهت مواقف صعبة؛ خصوصا بسبب التهاون، أو تقلبات الطقس، أو صعوبة بعض الطرق، ولكنني دائما أتعامل معها بهدوء وروية، وأتعلم من كل موقف، وكل شيء يسير بتوفـيق من الله، فأنا لا أقاوم الطبيعة، بل أحترمها. مهما كانت خبرتي دائما هناك مفاجآت، لكني لا شك أراجع حالة الطقس قبل كل رحلة، وأحرص على الاستعداد الجيد، والتأقلم مع أي طارئ. وهذا النمط من الحياة يلهمني الشعور بالراحة بعد كل مغامرة، والتجارب التي لا تدون، والناس الذين ألتقيهم، والأماكن التي تجعلني أشعر أنني حي بحق تعيدني إلى طبيعتي.
هل تستخدم الذكاء الاصطناعي؟ وكيف توظف وسائل التواصل الاجتماعي؟
أستخدم بعض التطبيقات الذكية فـي التخطيط، وتحليل المحتوى، لكنني أحرص أن يكون القرار النهائي نابضا بالإحساس الإنساني، لكني أستخدم كل الموارد المتاحة؛ لتحقيق الجودة، والسرعة فـي العمل. أما توظيفـي لوسائل التواصل فأنا أشارك عبرها تفاصيل الرحلة والمشاعر والتجربة بصدق؛ فكثير من المتابعين لا يعرفونني شخصيا، لكننا نعيش المغامرة سويا كأننا فريق واحد.
من هو جمهورك؟ وما الذي تحرص على إبرازه فـي رحلاتك؟ وما الرسالة التي تسعى لإيصالها من خلالها؟
جمهوري من مختلف الفئات العمرية، ولكن الغالبية من الشباب المحبين للطبيعة من مختلف أنحاء العالم. فـي رحلاتي أحرص على إبراز تفاعلي الصادق مع المكان، وأظهر الراحة والعمق والهدوء والاحترام، وكيف يمكن للإنسان أن يعيش اللحظة ويتأملها. مغامراتي تحمل بعدا سياحيا وثقافـيا وشخصيا، بل روحيا أيضا. وأحيانا أبدأ الرحلة بلا هدف محدد سوى التعلم والعيش. ورسالتي ببساطة هي أن الطبيعة والجمال كافـيان لتخفـيف كثير من ضغوط الحياة، وأن خطوتين فـي مكان هادئ قد تغيران حالتك النفسية، وتصنعان فرقا كبيرا فـي حياتك.
كيف توفق بين شغفك بالمغامرة والعمل؟ وما طموحاتك المستقبلية؟ وهل تسعى لتحويل هذا الشغف إلى مشروع دائم؟
أحاول قدر الإمكان تنظيم وقتي، وأوازن بين الشغف والمسؤولية، وأمنح كل جانب ما يستحقه من وقت وجهد. بالنسبة لي؛ المغامرة أكثر من مجرد شغف. فهي عودة إلى الفطرة والطبيعة. هي عالم لا يضاهى. أطمح إلى تحويل هذا الشغف إلى عمل دائم، ولكن بطريقة ذكية ومستدامة؛ ليكون مشروعا ذا أثر وقيمة حقيقية، وليس مجرد مغامرة عابرة. وأحلم بإنتاج فـيلم يوثق تأثير الطبيعة على الإنسان.
هل لك تعاون مع مؤسسات؟ وكيف ترى وعي الناس تجاه الطبيعة؟
نعم. لدي تعاون متعدد خاصة مع مؤسسات تعمل فـي المجال نفسه سواء من القطاع العام أو الخاص. أما بالنسبة لوعي الناس بأهمية الحفاظ على الطبيعة؛ فأنا أتمنى أن يكون فـي ازدياد، ونحتاج إلى مزيد من الجهود. فإذا شعر كل شخص أن المكان ملكه ومسؤوليته سيتغير الكثير. أما رسالتي للشباب فهي بسيطة: لا تنتظر الفرص، بل اصنعها، وجرّب قدر ما تستطيع؛ فمع كثرة التجارب تكتشف ذاتك الحقيقية.
