المسلسلات القصيرة جدا شبح يغزو عالم الدراما
منذ ما يقارب ثلاثة إلى أربعة أشهر بدأت أتابع مجموعة من المسلسلات القصيرة التي تنتشر بشكل واسع على تطبيقات مختلفة. ولاحظت خلال الأشهر الماضية كثافة الإعلانات التي تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي مثل: إنستجرام وفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، تدعوني لتحميل تطبيقات جديدة لمشاهدة أفلام ومسلسلات قصيرة. كانت هذه الإعلانات تظهر حتى أثناء مشاهدتي لمقاطع الفيديو، وتعرض مقاطع تشويقية من قصص الأفلام.
في البداية لم أجرب تحميل أي تطبيق، واكتفيت بالبحث عن أسماء هذه الأفلام في "جوجل" و"يوتيوب" لمشاهدتها هناك. غير أن الفضول دفعني لاحقا إلى تحميل أول تطبيق، لتبدأ بعدها تجربتي الفعلية مع هذه المنصات.
وجدت أن بعض هذه التطبيقات مدفوعة وبعضها مجاني، بينما يعتمد بعضها الآخر على الإعلانات لتحقيق الأرباح. ومن خلال تجربتي اكتشفت فروقا كثيرة بينها، وسأتحدث عن تجربتي معها.
قمت أولا بتحميل تطبيق مجاني، وكنت أشاهد الأفلام من خلاله، لكن جودة الأفلام لم تكن كما توقعت، ربما كانت ضعيفة نوعا ما. ولاحظت أن الأفلام ذات الجودة العالية تكون عادة في التطبيقات المدفوعة، وإن كان هناك بعض الأفلام الجيدة في النسخ المجانية. بعد ذلك قمت بتحميل تطبيقين أو ثلاثة آخرين مجانيين أيضا، ثم انتقلت إلى تجربة أحد التطبيقات المدفوعة. هذا التطبيق يقدم الحلقات الثمانية أو العشر الأولى مجانا، ثم تغلق بقية الحلقات ولا يمكن فتحها إلا بالانتظار إلى اليوم التالي، ومشاهدة عدد محدد من الإعلانات، بحيث تفتح لي حلقة واحدة مقابل مشاهدة تلك الإعلانات، وهناك عدد محدود من الإعلانات يمكنني مشاهدتها يوميا لفتح الحلقات الجديدة. بعد فترة لاحظت أن التطبيق يمنح المستخدمين نظام نقاط يمكن جمعها من خلال مواصلة المشاهدة لفترات أطول، أو عبر مشاهدة الإعلانات داخل التطبيق، وتسجيل الدخول يوميا، وأحيانا بقراءة المقالات القصيرة أو الدخول إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتصلة بالتطبيق. بعض التطبيقات تحتوي على غرف للدردشة الصوتية، والبقاء فيها لفترة محددة يمنح المستخدم نقاطا إضافية. هذه النقاط تتيح لنا متابعة المشاهدة المجانية دون دفع اشتراك. أما من يفضل تجنب الإعلانات، فيمكنه الاشتراك مباشرة باختيار خطة أسبوعية أو شهرية أو سنوية.
خلال تجربتي لاحظت أن حوالي 95 بالمائة من هذه التطبيقات تعرض أفلاما ومسلسلات صينية. فجميع الإعلانات التي تصلنا تقريبا تخص أفلاما صينية، مع وجود نسبة صغيرة جدا من الأعمال العربية أو الأمريكية، وغالبا ما تكون منسوخة من النسخ الصينية الأصلية.
فالكثير من الأفلام المصرية أو الأمريكية التي تعرض في هذه التطبيقات ليست سوى نسخ معاد إنتاجها من أفلام صينية الأصل، أي أن الفكرة، والقصة، والأساس الفني كلها صينية، بينما أعاد إنتاجها فريق من دولة أخرى.
وكنت أشاهد هذه المسلسلات مترجمة إلى العربية نصيا، بينما اللغة المنطوقة فيها هي الصينية. وهناك بعض التطبيقات تقدم دبلجة عربية، لكن الترجمة كثيرا ما تحتوي على أخطاء لغوية ونحوية واضحة. فقد تترجم الجمل بحيث يخاطب الذكر بصيغة الأنثى، أو تستخدم أفعال في غير مواضعها الصحيحة، مما يوحي بأن الترجمة تمت بواسطة الذكاء الاصطناعي، ولكنني أفهم المعنى العام لأنني عربية، وأستطيع تخمين المقصود من السياق.
أما نوعية الأفلام المعروضة فتتناول الخيال والفنتازيا، وهو النوع الأكثر انتشارا، ويشكل نصف الإنتاج، والحروب والمعارك وغالبا ما تندمج مع قصص الخيال، والدراما العائلية والاجتماعية، والدراما الرومانسية، وقصص الانتقام وهو موضوع يتكرر كثيرا في الإعلانات لجذبنا للمتابعة، حيث تدور كثير من القصص حول شخص مظلوم يسعى للانتقام، ويترك المشاهد في ذروة الأحداث لجذبه إلى تحميل التطبيق ومتابعة المسلسل كاملا.
أما الأفلام الخيالية والحربية فتستند كثيرا إلى الثقافة الصينية والمعتقدات الدينية المحلية، وتعرض أفكارا تتعلق بالقوى الخارقة، والتقمص، والبعث بعد الموت، وصراع الخير والشر، والإمبراطور وزوجاته، وغزو الممالك الكبرى، وسيطرة الطبقات العليا على العامة، وأحيانا تدخل قوى شيطانية أو سماوية لتغيير مجرى الأحداث.
وأصبحت هذه الأعمال ظاهرة عالمية، فهي عبارة عن مسلسلات قصيرة جدا، لا تتجاوز مدة الحلقة الواحدة دقيقة إلى ثلاث دقائق كحد أقصى. أما عدد الحلقات الكلي، فيتراوح بين 30 إلى 100 حلقة، بمتوسط يقارب ثمانين حلقة لكل مسلسل.
ويختلف أسلوب الإخراج باختلاف الموضوع، فالمسلسلات التاريخية والخيالية تعتمد على التراث الصيني القديم من حيث الملابس، والمكياج، والسيوف، والرموز الثقافية. بينما تعتمد المسلسلات الحديثة على المدن، والشركات، والقرى الريفية، وتعكس الفكر الاجتماعي المعاصر في الصين.
لا أخفي أن متابعتي لهذه المسلسلات أثرت في كثيرا، حتى أنني بدأت أحب الثقافة الصينية وأصبحت شغوفة بها.
