No Image
منوعات

المسرح الكويتي يغنّي للفقد في «الساعة التاسعة»

01 نوفمبر 2023
01 نوفمبر 2023

كان صوت عقارب الساعة يعلو أكثر فأكثر مع اقتراب الوقت من موعد بداية مسرحية «الساعة التاسعة» التي قدمها المسرح الكويتي مساء أمس، في ختام للعروض ضمن مهرجان الدن المسرحي الدولي.

ورغم خروج الكاتبة مريم نصير عن إطار المكان والزمان في نصها «الساعة التاسعة» ولكن المخرج بدر الشعيبي استطاع أن يضع إطارا خاصا للمكان والزمان في مخيلة كل الجمهور، والتوغل في عمق الذاكرة، واجتذاب الأشواق المتقدة بنيران الفقد، استطاع بعرضه المسرحي أن ينبش في الوجدان، ويسمح للدموع أن تتحرر من حبسها، ورغم علو الأصوات بالهتاف، والأيادي بالتصفيق، إلا أن العرض كان مكتسيا بالحزن، ورغم ما عبّر به الممثلون من كوميديا سوداء، وحوارات فكاهية، إلا أن صوت ألم الفقد كان طاغيا، وتنفس الحضور عميقا مع تلك الفكرة البسيطة التي استطاعت أن تنسج بصورة مبهرة، وأداء متفانٍ، بحضور صوت الموسيقى المؤلفة خصيصا للعمل، والمؤداة بإتقان، بديكور متوشح بالسواد، وأزياء مختارة بعناية، وأضواء لمعت بصورة جمالية فاقت التوقعات.

موعد عاطفي إنساني ..

وفي جلسة تعقيبية للمسرحية تحدث أحمد بن سعيد الأزكي عن النص فقال: «إن النص لابد أن يخضع للتدقيق، فاللغة تعتبر عاملا أساسيا للنصوص المكتوبة بالفصحى»، وتحدث عن عنوان المسرحية المكون من مفردتين وقال: «العنوان كشف جزءا من المسرحية فلو اكتفت الكاتبة بالتاسعة لصنعت الكثير من التشويق، حيث إن الكلمة الواحدة كانت ستوحي بمعانٍ كثيرة»، وأشار الأزكي إلى أن عنوان المسرحية يكشف عن موعد عاطفي إنساني، والتاسعة لم تشر إلى الوقت الذي تريده الكاتبة وهذا يترك للإخراج ليتحدث عنه». وأوضح الأزكي أن الكاتبة وضعت عبارات في مقدمة النص، يستطيع من خلالها القارئ أن يكشف تفاصيل النص، فمذ قالت أن «الاشتياق زائر ثقيل»، لهذا كان واضحا أن الجمهور سيكون على موعد مع كم هائل من الرومانسية والإنسانية التي تدفقت في المسرحية.

فيما يخص المكان والزمان فقال الأزكي: إنهما «مبهمان»، ولكن الكاتبة مريم نصير التي كانت تحضر الجلسة التعقيبية فقالت: إنها اعتمدت على المسرح العبثي الذي يمكن أن يغيب فيه الزمان والمكان. وأشار الأزكي إلى أن النص ترك المجال للمخرج أن يتحكم بالمكان والزمان، فاللقطات كثيرة والأماكن متعددة والزمان متنوع». وقال الأزكي أن الكاتبة لم تعتني ببعض الشخصيات وأبعادها، واكتفت بذكر ألقاب الشخصيات بدون ذكر الأسماء، وفيما يخص نهاية المسرحية قال معقب النص: إن النهاية كانت متعددة، فالنهاية الأولى كانت عند المؤثر الصوتي لإقلاع الطائرة، ولكن التحايل أوصلنا لفكرة أن الشخصية فارقت الحياة، وهناك نهاية أخرى عندما بدأت الاتصالات من الزوجة إلى شركة من الشركات، وأبحرت بنا لجانب آخر.

سينوغرافيا ناجحة رغم البساطة ..

وفيما يخص السينوغرافيا فقد عقبت عليها الفنانة شادية زيتون التي أشادت بكل التفاصيل التي اعتنى بها العرض، بداية بالديكور الذي قالت: إن الديكور التجريدي ارتبط بالعمق مع مصممة الديكور، وأشادت زيتون بأنه توجد نساء مصممات لديكورات العروض في المسرح الخليجي، وأضافت: ما يميز الديكور هو مقدرة المصممة على البعد عن المباشرة والمألوف الذي أخذ بعدا سيكيولوجيا، كما ساعد في بناء الدلالات، وتم توظيف التفاصيل دلاليا وجماليا، كما أن وجود الدائرة الرمادية كانت له دلالاته في الجو العام وما يعيشه العالم في الوضع الحالي». وانتقلت زيتون بالحديث عن الإضاءة التي أوضحت أن المصمم اشتغل على فضاء مجازي تمكن من تشكيل صور لمجازات داخلية في الإنسان، ظهر الضوء واسعا في نسق تعبيري، كما إن الانتقال من الواقع للمتخيل والتحول في الزمن كان متقننا». وأضافت: «الألوان لها دور فاعل في الحدث الدرامي، وفي توزيع الظل في انشطارها وانعكاسها».

وفيما يخص الموسيقى قالت زيتون: إن جمالية الموسيقى أدت لتراكم كم من الأحاسيس، وساهمت في دعم الصورة الإيقاعية للمظهر العام، كما أنها جاءت موازية في التعبير عن الإضاءة، كما كان لها دور في رسم ملامح العرض الدرامي، إضافة إلى وقعها الجميل للمتلقي».

وفيما يخص الأزياء أكدت الفنانة شادية زيتون إلى أنها مدروسة بإتقان، وجاءت ملائمة مع الشخصيات. وختمت زيتون تعقيبها بقولها: إن «السينوغرافيا كانت ناجحة بالرغم من البساطة».

إخراج حلّق بالنص عاليًا ..

وقدم الدكتور عزيز خيون تعقيبه للتمثيل والإحراج لمسرحية الساعة التاسعة، حيث افتتح حديثه بقوله: «شكرا لمجانين هذا العصر الذي يحاولون قلب الطاولة للجمال في زمن الدمار والتغييب والدمار والرحيل».

وحول العرض قال: هو أغنية للفقدان.. للرحيل للغائبين، البيئة متشحة بالسواد.. ضيقة، الممثلون متشحون بالسواد، والجانب البصري طاغٍ طغيانا واضحا. وقال خيون: إن المخرج بدر الشعيبي اقترح مقترحا جماليا ينهض بالنص كمعطى آخر، وبالطبع الإخراج مخاطرة، لهذا يمكن أن نقول أن النص المكتوب يختلف عن نص العرض، حيث يمكن للنص المكتوب أن يحلق بعيدا عن طريق العرض والصوت والصورة.

وأشار خيون في تعقيبه إلى أن «العمل حزين ولكن فيه بهجة، الحركة واللغة البصرية مبهجة، ولكن هناك خيطا من الحزن واضح جدا». وأضاف: «عمل انتهى دون أن تشعر بثقله رغم أنه ثقيل بالحديث عن الفقدان، فالإخراج لعب دورا على المستوى السمعي والبصري، كما إن الإخراج استطاع التعبير عن الحالات الموجودة في النص، وحركة الإخراج ارتبطت بحركة السينوغرافيا وهذه حالة إيجابية، وهذا مقترح جمالي للتعبير عن الفكرة العامة في النص».

وأسهب الدكتور عزيز في حديثه عن العمل الذي كان واضحا أن تمكن من جذب النقاد والجمهور منذ أول مشهد، حيث قال: من مميزات العرض أنه احتفى بباقة من الممثلين فالكل استطاع أن يلعب بدائرته، والكل كان يعزف على ميلوديات البهجة ولكنها بهجة حزينة، وهذه الدورة المكانية أو الدورة الزمانية هذا حديث كل ليلة.. نفس الفكرة نفس الأغنية نفس المأساة، فهو ما يفعله الشوق بنا». وختم خيون حديثه بقوله: «عرض الساعة التاسعة إضافة لتراث المسرح الكويتي العريق الذي نعرفه جيدا».