منوعات

الكاتب العُماني أسامة زايد :ما لا يقال في الحياة يقال في المسرح

25 يناير 2024
25 يناير 2024

«العُمانية»: المسرح الفكرة التي أوجدت له المساحة لأن يكون له نصيب من الإبداع في حياته، هذا ما أشار إليه الكاتب والمخرج والممثل المسرحي أسامة بن زايد الشقصي.

فهو مسكون بهاجس الكتابة المسرحية، وله قصة مع مسرح العبث والخوض في تجارب كتابية، وإلى جانب كونه رئيس فرقة البن للفنون المسرحية والأدائية، فهو مشتغل على واقع المسرح أيضا، وأخرج عدة مسرحيات من بينها «السفينة تغرق»، و«اللوحة» و«صهيل في منتصف الهزيمة»، و«ورد»، وكتب مسرحيات «أبي دعني أطير»، و«لست روميو ليست جولييت»، و«أصحاب السبت»، و«نبوءة آيزنهار»، و«نتوء والخيط الأبيض الرفيع»، و«شحطة»، وغيرها من المسرحيات، وشاركت أعماله في مهرجانات محلية ودولية في تونس ومصر والمغرب، وحصل على أكثر من جائزة من خارج سلطنة عُمان في شأن المسرح.

حول تلك التفاصيل يتحدث أسامة بن زايد ليكون أكثر قربًا من المتابع له ويقول: الكتابة بالنسبة لي بمثابة الملاذ الذي أستطيع من خلاله أن أخلو بنفسي بعيدًا عن ضجيج الحياة، هناك أفكار وقناعات ومسودات تسكن ذهني وعقلي، ولا أستطيع التخلص منها إلا بالكتابة، ولأني عاشق للمسرح، وللمسرح خصوصيته التي أستطيع من خلاله أن أضخ كل تلك الأفكار، وأنا أقول إن أي شيء لا تستطيع قوله في الحياة؛ تستطيع قوله في المسرح.

وقد سكنني هذا المسرح وأصبحت مهووسًا به، وعندما أكتب لأجل المسرح فقط، أحصل عندها على نص قوي ومتين يشارك في المهرجات، ويحصل على الجوائز، وهذا ما يحفزني عندما أحضر عرضًا مسرحيًّا من تأليفي، وأرى الممثلين يقومون بسرد حواراتي للجمهور، أشعر عندها بنشوة عظيمة تجعلني أعود مجدّدًا إلى أوراقي، وأكتب نصًّا جديدًا سيقدم مرة أخرى، لأحصل على ذات النشوة.

وفي شأن الجوائز الدولية ومحفزات الكتابة يرى ابن زايد أن الجوائز تعزّز شغف الكاتب، حيث أعتبر أن الجوائز هي المحفز الرئيس للكتابة، فمثلا: لو أُعلن عن مسابقة للتأليف المسرحي، ستجد أن هناك نصوصًا كثيرةً ستقدم للمسابقة، سيفوز بعضها، بينما يبقى البعض منها مثريا للساحة الفنية والمسرحية، بحيث يتم تقديمه مثل عروض مسرحية مع احتمالية أن تفوز في مهرجانات العروض. والجوائز ليست سبيلًا للنجاح؛ لأن المسرح يعتمد على ما يتم طرحه، وهناك عروض لم تفز، لكنها تظل حاضرة في الأذهان عرضًا وإخراجًا ونصًّا، وهذا هو الهدف من المسرح.

وعلى المستوى الشخصي، فإن الجوائز أعطتني دافعًا قويًّا آخر للاستمرارية والكتابة، لكن شعور التوقف بعد نشوة الفوز كان هو العائق، لكني ولله الحمد أتخلص منه على الدوام، لأني لا أجعل الجوائز هدفًا رئيسًا للكتابة عندي، وهذا ما يجعلني لا أمكث في تلك البقعة، بل أستمر في الكتابة، وهذا ما يفسر أني أقوم بكتابة العديد من النصوص المسرحية، وأشارك في بعض المهرجانات، حضورًا أو مشاركة.

ولأن فرقة البن للفنون المسرحية والأدائية طريق لوجود مهرجان البن لمسرح الغرفة لأكثر من دورة، يشير بن زايد إلى ما تم رصده من إضافات في العملية المسرحية من هذا الإطار ويضيف: فرقة البُن للفنون المسرحية والأدائية جاءت لتتوافق أفكارها مع مسارها، فنحن في الفرقة نسعى إلى الاشتغال على إنتاج عروض جديدة غير مقلدة، تتسم بالمنهجية والاشتغال على المدارس المسرحية وتطبيقها، مع إضافة لمسة فكرية خاصة بنا، وقد تحتاج الفرقة إلى بعض الوقت كي يرحب بها الناس والجمهور؛ لأن أي جديد بالنسبة للجمهور يبقى غريبًا، حتى يعتاد الناس عليه ويتقبله.

وجاءت فكرة مسرح الغرفة لتكون تأكيدًا على مسار الفرقة المختلف، حيث إن مسرح الغرفة يقام في غرف الحياة، وأنا أقول دائما: إن هذا الإنسان هو إنسان الغرفة.

فنحن ننام في غرفة، ونذهب للعمل في الغرفة، ونجتمع في الغرفة، نأكل في الغرفة، نقضي حوائجنا الحياتية والنفسية والغريزية في الغرفة، والغرفة امتداد الإنسان الذي سكن الكهوف، وعاش في الأكواخ، فهي ملاذه من الطبيعة، وهذا ما يفسر احتماءنا من الفترة الزمنية التي تعاقبت مع انتشار فيروس كورونا إذ كنا نحتمي في منازلنا وغرفنا، سيكون مسرح الغرفة انطلاقة متجدّدة كانت مجرد إرهاصات، وسنسعى لتكون مدرسة إنسانية مسرحيةً لها أسسها وتنظيراتها وانتشارها على مستوى العالمي، وأننا لسنا الأوائل في هذه التجربة، فهناك تجارب في مصر والمغرب العربي، وكذلك إسبانيا على وجه الخصوص، وأوروبا وأمريكا على وجه العموم. وستبقى تجربة مسرح الغرفة بالنسبة للفرقة شكلًا مختلفًا تجديديًّا عن المسرح التقليدي ومسرح علبة الصندوق الإيطالية.

وفيما يتعلق بإعداد النصوص المسرحية العالمية، مرورا بمسرح العبث والخوض في تجارب كتابية حقيقية في هذه المدرسة، يقول بن زايد: كانت لي تجارب متواضعة في إعداد النصوص المسرحية، فقد قمت بإعداد مسرحيتين للكاتب الروماني يوجين يونسكو، وهو أحد رواد مسرح العبث، الأولى لمسرحية البيضة، وقمت بإعدادها لتصبح تحت عنوان كيف تصنع بيضة مسلوقة؟! وكان النص الأصلي به شخصيات نسائية فجعلته وحوّلته ليناسب أربع شخصيات رجالية، وقدمت المسرحية في مهرجانات دولية كمهرجان طرابلس الدولي للمسرح بلبنان وحازت على جائزة أفضل سينوغرافيا، ومهرجان صور الدولي للمسرح بلبنان، ومهرجان ليالي مسرح الصحراء الدولية وحازت على جائزة أفضل سينوغرافيا، وترشحت لعدة جوائز أخرى.

ويوضح: أما عن الإعداد، فهو بالنسبة لي صعب جدًا إذ لابد لك أن تعرف ماذا يريد الكاتب من النص، وإلى أي مدى يريد أن يطرح الكاتب النص للجمهور، مع مراعاة أن لا يمس المعد في النص ما لا يزيد على 50 بالمائة من النص الأصلي، وهنا تكمن الخطورة، أما عن مسرح العبث، فلقد وجدت أن مسرح العبث حاضر في زماننا الحالي، إذ أنه ثورة على الواقع كانت أسبابها الحروب، وكانت الحرب العالمية الثانية سببًا رئيسًا في نشأتها، حيث إن القتل والتدمير والتنكيل الذي يصيب الإنسان، تجعله يعيد النظر في سياق حياته، وينظر للعالم بمنظور مختلف، وما زالت الحروب تفتك بالأبرياء، ونحن نعيشها الآن، هذه الحروب التي لم تسلم منها دول الجوار، ويمكنني أن أصنف العبث إلى قسمين، عبث كلاسيكي كما في نصوص ألبير كامو وصاويل بيكيت ويوجين يونسكو. وعبث حديث أسعى أن أكون من رواده مثل الآخرين.

ولأن أعمال بن زايد لا تخرج عن نطاق التجارب الكتابية الحديثة، فمثال ذلك العمل على مسرح ما بعد الحداثة، يفسر أن القلق والتشظي الذي يلازم حياتنا الآن هو إفرازات لمعطيات أخرى، وأرجع لأقول إن المسرح حركة إنسانية تفرز مذاهب مسرحية تبدأ من الفكرة، انتقالا بالفلسفة، ثم النصوص ومن ثم العروض التي تقدم للجمهور، وهذا ما يفسر اختلافها، ولأن كشف الحقيقة مرٌّ كما يقول لويجي برانديللو إلا أنه مريح جدًا، وهذا ما يجعلنا نشك في كل الأشياء ومن ضمنها الحداثة، إن نصوص ما بعد الحداثة تتسم بنبض الحداثة واسترجاع شخصيات تاريخية لتقوم مقامها كما لو أنها تعيش الآن، ومن الممكن استرجاع بعض الحيوانات وعيشها كما لو أنها إنسان.

ويضيف: التشظي يجعل من هذا الإنسان خائفًا على الدوام، ويرى أن التطور لا يعدو كونه زائلًا في ظل الحروب، وكما هي الأفكار التي يكون سؤالها الدائم: ثم ماذا بعد هذا؟ ولقد كتبت نصًّا مسرحيًّا باسم لسْتَ روميو ليست جولييت، ونصًّا آخر باسم ليلى والدب قيس، وللمدرسة الدادائية كتبت نصًّا مسرحيًّا باسم أبي دعني أطير، ما بعد الحداثة تعيد النظر في كل شيء يتعلق بالإنسان، الأمان، الحب، الأفكار المتجذرة، الموت، الحياة، إلخ..، هذه الأفكار التي يجب أن يعاد النظر فيها على مستوى المسرح.

وعن مجاراته للمسرح الغربي من خلال الكتابة المسرحية، يقول بن زايد: أنا أكتب نصوصي المسرحية مع مراعاة تنفيذها وملاءمتها لإمكانية تقبلها في أي بقعة من هذا العالم، ومن الممكن أن يكون النص عابرا للقارات، وهذا ما أسعى عليه من خلال مشاركتي في بعض المسابقات المسرحية للتأليف خارج النطاق الإقليمي، ونشر النصوص المسرحية والسعي من أجل ترجمتها ونشرها لمختلف المعاهد والجامعات التي تدرس المسرح، تتسم نصوصي المسرحية بالأصالة للفكرة ذاتها، ونحن اليوم نعيش الموت ذاته في كل العالم، والحياة ذاتها، والنوم ذاته الذي ينامه العربي؛ وينامه الغربي، وأنا أبتعد قليلًا عن الشعبية لأن نطاقها محدود، فالشعبية عند الأوروبي مختلفة عن الشعبية عند العربي، كذلك نراها مختلفة عند العُماني، فهي تميل للواقعية والطبيعية، لكن العبث هو ذاته العبث عند الجميع، فالجميع يحلم، والجميع يولد، والجميع يموت، وهكذا، هذه المجاراة التي أسعى إليها، وقد كتبت نص مسرحية الغريب والنقيب ليكون تعقيبًا على نص الأورجوياني ماريو بنديتي عن نصه مسرحية بيدرو والنقيب، الذي طرح فيه البعد الأنطولوجي للسجين والسجان، وكانت لي وجهة نظر أخرى كتبتها في النص، إن البعد الاجتماعي قد يكون هو السبب في هذه الأنطولوجيا، متمثلة في السوسيولوجيا (علم الاجتماع)، وهناك نصوص أخرى كنص مسرحية كانت الشمس، ومسرحية نتوء والخيط الأبيض الرفيع، ومسرحية في انتظار العائلة.

وقد ظهرت القضايا العُمانية بقوة في نصوصه المسرحية، فيتحدث عن الأقرب إليه لأجل المناقشة، وطرق المعالجة قائلا: لابد للكاتب أن يقترب أكثر من القضايا التي تلامس محيطه، وعلى ضوء ذلك قمت بكتابة عدة مسرحيات، أبرزها: مسرحية شلوني القمر، ومسرحية الإرسالية.

فمسرحية شلوني القمر هي مسرحية كوميدية فكاهية تتحدث عن السلطوية التي تتفشّى في الأوساط الإدارية في المؤسسات التي تعاني من البيروقراطية في إنجاز المهام والملفات التي تخدم الوطن، وهو ما يبطئ الحركة التقدمية للمؤسسات من أجل الدفع بعجلة التطور، هي فقط قرارات فردية لا تمثل الشأن المؤسساتي العام، وقد تكون غير مرحب بها من قبل أصحاب القرار، أما عن مسرحية الإرسالية التي تتحدث عن حقبة قبل النهضة في سلطنة عُمان، فتتحدث عن الدكتور توماس الذي كان له الفضل في علاج المرضى، تحديدًا مرض الجذام والتراخوما، ذلك الطبيب الذي قال في مذكراته لاحقًا إنه كانت له أهداف أخرى وهي السعي إلى التبشير، وهذا نوع من أنواع الغزو الفكري، ولقد لفتت النظر تجاه الموضوع على أن يتحرز العُمانيون من مثل هذه الممارسات مستقبلًا، وعلى الكاتب أن يلتفت لهذه الموضوعات التي تمس شأن العامة، وتوضح وجهة النظر الحقيقية تجاه الموضوع نفسه.

وفي ختام هذا التطواف المسرحي يتحدث بن زايد عن مؤلفاته في الشأن المسرحي وأهم ما أنتج في هذا السياق: نشر لي نص اللعب على حافة الشطرنج ضمن كتاب الفائزون في مسابقة الشارقة للتأليف المسرحي 2022م، ونص في انتحار العائلة ضمن كتاب الفائزون في مسابقة الشارقة للتأليف المسرحي 2023م، من دائرة الثقافة بالشارقة، ونشرت كذلك لي ثلاثة نصوص ديودراما مسرحية من الهيئة العربية للمسرح ودار لبان للنشر تحت عنوان هل أكلت قطًّا من قبل، ونشرت كذلك رواية خلفان، وسينشر لي كتاب آخر قريبا.