ولاية مرباط .. متحف تراثي حي يزخر بمعالم أثرية فريدة
تقع ولاية مرباط على الشريط الساحلي الشرقي لمحافظة ظفار وتبعد عن ولاية صلالة حوالي ٧٤ كم، يحدها من الشمال ولاية شليم وجزر الحلانيات ومن الشرق ولاية سدح ومن الغرب ولاية طاقة وتضم نيابة طوي اعتير على مسافة ٦٢ كم في الشمال الغربي لمرتفعات جبل سمحان وتعتبر ولاية مرباط من الولايات التي تزخر بمعالم أثرية فريدة من خلال الحقب التاريخية العديدة التي مرت بها وكان لها دور كبير في تلك الفترات والآثار التاريخية تدل على ذلك. وإن مدينة مرباط بحد ذاتها متحف تراثي حي بمنازلها التاريخية ومعالمها الأثرية ، ولقد قامت بعض الفرق المتخصصة في الآثار بالمسح في شواطئ وسهول ولاية مرباط وعثرت على بعض الأدوات الفخارية وتحديد بعض آثار المستوطنات البشرية القديمة مما يدل على الاستيطان السكاني القديم في المناطق البحرية شرق مدينة مرباط .
حصن مرباط
حصن مرباط التاريخي تم تشييده في فترة زمنية قديمة وجدد في القرن التاسع عشر الميلادي ويطل على الميناء القديم والسوق ، ويتكون من دورين وبرجين ، وكان مقر للولاة ومركز لإدارة المدينة حتى ١٩٨٨م ، وقد لعب حصن مرباط دوراً تاريخياً مميزاً في تاريخ ولاية مرباط .
سوق مرباط
ويعتبر سوق مرباط من أقدم الأسواق التاريخية العمانية تم تجديده في منتصف القرن العشرين الميلادي ، ويضم مبني الجمرك المقام سنة ١٩١٩م ، وكان تباع في سوق مرباط البضائع المستوردة من الهند وأفريقيا ومواني عدن وصور وصحار والبصرة مثل التمور والأقمشة والحبوب والتوابل والمنتجات المحلية كاللبان والسمن والذرة والجلود وغيرها.
جامع مرباط
تم بناؤه سنة ٥٥١هـ في القرن الثاني عشر الميلادي ، وكان من المراكز العلمية المشهورة ، وقد تم ترميمه سنة ١٩٩٩م على نفقة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه .
مسجد النور : يعود بناؤه إلى القرن الرابع الهجري عام ٣١٦هـ حسب حجر يحمل هذا التاريخ عثر عليه أثناء ترميم المسجد سنة ١٩٨٤م محفوظ حالياً بحصن مرباط .
ضريح زهير
ويقع جنوب مدينة مرباط كان مبنيا من الحجارة والطين ثم أعيد ترميمه ، وتعتبر من أهم المزارات الدينية بمدينة مرباط ، وتشير بعض المصادر أنه زهير بن قرضم الوافد على الرسول صلى الله عليه وسلم .
ضريح محمد بن علي صاحب مرباط
ضريح محمد بن علي صاحب مرباط معلم ومزار ديني مشهور يقع عند مدخل المدينة بمقبرتها ، وهو عبارة عن بناء أثري من الطين والحجارة والنورة البيضاء مزين بالقبب ويضم قبر الولي المشهور ويؤمه الزوار في المناسبات الدينية والسياحية وهناك أيضا ضريح القلعي ويقع في الطرف الشمالي للمقبرة وكان قديماً يحاط بجدار وسقفه من الأخشاب وأعيد بناؤه في تسعينات القرن العشرين .
بيت سيدوف
نسبة إلى الشيخ حسن بن جمعان سيدوف العمري من أعلام التجارة في ظفار ويعرف كذلك ببيت نزوى تيمناً بقلعة نزوى ، وهو من أشهر المعالم التاريخية في مدينة مرباط ويعود تاريخه إلى نحو قرنين من الزمان ، ويجسد العمارة العربية التقليدية ويتكون من أربع طبقات ومخازن وأسوار وروشان ومجصص بالنورة الحمراء ، وبني بأيد عاملة من مدينة مرباط ومهندسين تم جلبهم من اليمن ، واستمر البناء مدة عامين تقريباً .
وكذلك يتميز عمرانها ببيت الحبشي: نسبة إلى عبدالله الحبشي العمري من تجار مرباط وأعيانها ، تم بناؤه في بدايات القرن العشرين ويتكون من ثلاثة طوابق واستخدم في بنائه الجص والنورة ، وكان مقراً للوالي مدة سبع سنوات أثناء ترميم حصن مرباط فترة الخمسينات
آثار شعبون
يقع وادي شعبون شمال غرب مدينة مرباط بحوالي ٧ كم ويوجد في موقع غيضت في مرتفعاته أشجار الصبار - التمر الهندي - ويضم آثارا قديمة ومبنى قديما بارتفاع ٢,٦٠ متر بالإضافة إلى سور بارتفاع متر ونصف وعرض ٩٥سم من أحجار الجرانيت ، كما يضم مبنى آخر لم يبق منه إلا أساساته وأكوام مردومة ، ويرى بعض الباحثين أن هذه المباني كانت تستخدم كنقاط حراسة وترجعها الروايات الشعبية إلى فترة المنجويين في القرن الثاني عشر الميلادي ، والجدير بالذكر أن طريق قوافل اللبان كانت تتخذ من هذا الموقع محطة استراحة قبل وصولها إلى مدينة مرباط.
دينار مرباط
إن دينار مرباط عبارة عن عملة ذهبية ترجع إلى الدولة الأيوبية في القرن الثاني عشر الميلادي تم العثور عليه في مدينة مرباط من قبل أحد المواطنين وتم تسليمه إلى الجهات المسؤولة في تلك الفترة ويحمل نقش شمس الدين توران شاه وضرب سنة ٥٧٤هـ بعدن ، ويستدل منه على ازدهار الحركة التجارية في سوق مرباط والأسواق المحلية والخارجية في تلك الفترة .
حفرة الإذابة - أعتير
معلم سياحي طبيعي قامت البعثة السلوفانية باكتشافها عام ١٩٩٣م وتقع على مسافة قريبة شمال المركز الإداري بنيابة طوي أعتير بولاية مرباط وتعد من أكبر حفر الإذابة في العالم حيث يبلغ عمقها حوالي ١١٢مترا ويتراوح قطرها ما بين ١٣٠-١٥٠مترا أما حجمها يبلغ حوالي ٩٧٥ ألف متر مكعب ، وكانت الاعتقاد السائد عند الأهالي إن الحفرة تكونت نتيجة سقوط نيزك كبير إلا أن البعثة توصلت إلى كونها ظاهرة كلسية تعرف بحفرة إذابة ، وقد تم فتح طريق معبد إلى الموقع مع مواقف سيارات وشرفات تمكن الزوار من المشاهدة عن قرب .
كهف طيق
يقع في هضبة جبل سمحان على بعد ١٠ كم شمال شرقي نيابة طوي أعتير بولاية مرباط ويوجد طريق معبد إلى الكهف ومواقف ومطعم ، ويصنف كحفرة إذابة ذات مدخل مستطيل طولها حوالي ٣٠ مترا وارتفاع ١٠ أمتار وهو من أكبر حفر الإذابة في العالم حيث يبلغ حجمها ٣٠٠ مليون متر مكعب ويتراوح عمقها ما بين ٢٢٥-٢٥٠مترا وتوجد على ارتفاع ١٠٠٠متر فوق سطح البحر ، ويتصل كهف طيق بحفرة أعتير عبر عدد من الأنفاق والقنوات الجوفية وتنساب مياه الأمطار بواسطتها إلى منابع مائية في السهل ، وكان الأهالي يستخدمونها لجلب المياه ورعي المواشي ، وموقع كهف طيق فرصة جيدة لهواة المغامرة وتسلق الجبال والرحلات الاستكشافية.
هضبة حشير
تقع شمال غرب مدينة مرباط بحوالي ١٠كم وتوجد فيها عين ماء تتدفق بكميات كبيرة في فترات هطول الأمطار وتنمو حولها أشجار الصبار التمر الهندي والليمون والحناء وأشجار التبلدي وهي من الأشجار العملاقة النادرة وتعرف محلياً بالكيجه ، كما توجد بهضبة حشير منطقة الجاذبية وهي إحدى الظواهر الطبيعية الفريدة وتستقطب الكثير من السياح والهواة .
مرباط القديمة
وعندما يتوجه الزائر أو السائح إلى ولاية مرباط فهو حتماً سيضع في أولويات جدوله زيارة مدينة مرباط القديمة التاريخية ليتمتع بمشاهدة المنازل الأثرية والحارات القديمة والأزقة العتيقة التي تجسد لوحة معمارية تراثية تحكي طراز البناء التقليدي بأصالته وخصوصيته التاريخية ، حيث يوجد في مرباط القديمة ما يربو على الـ ٢٠٠ منزل مبني بالطريقة التقليدية تشكل متحفا حيا لمحبي التراث المحلي ، فعندما يتنقل السائح بين جنباتها يستقبله عبق الحوجري بين أزقتها ويتشمم نسمات الماضي في مشاهدها ، هناك ترى بيت السيدوف المنيف وبيوت مرباط القديمة المعانقة للتاريخ والقدم .
طريقة بناء البيوت التاريخية
لقد قام ببناء تلك البيوت التاريخية حرفيون وعمال مرباطيون وتخصصت أسر معروفة فيها بمهنة البناء وما يلحقها كالحدادة والنجارة وكان كبير العمال يطلق عليه الأستاذ وهو مهندس البناء أيضا ، وتستخدم في البناء أحجار القص التي تستخرج من مواقع معروفة في مدينة مرباط ، وهي أحجار جيرية رسوبية سهلة النحت وتتميز بالعزل الحراري وعزل الرطوبة وتصمد لعوامل التعرية ، ويبلغ حجر القص من ذراع إلى ذراعين وكانت تنقل من المقلع على ظهور الجمال ، كما تستخدم في البناء النورة وتصنع في معامل خاصة تعرف بالميفة بواسطة عملية حرق أحجار الشطا وتحويلها نورة تستخدم في الطلاء وتشكيل الطبقة الخارجية للمنزل وتدعم بأحجار تعرف بالمكوك لتثبيتها ، أما الأخشاب فكانت تجلب من مليبار بالهند أو أفريقيا أو الخشب الجاوي من عدن وبعضها من البيئة المحلية والجبال القريبة ، وكانت تترك أولاً في البحر أو الأخوار المالحة لقتل الآفات والحشرات .
وأثناء عملية البناء كان يلتزم صاحب البيت بتوفير وجبتي الإفطار والغداء للعاملين وتبلغ تكلفة بناء المنزل ما بين ٣٠٠ - ٥٠٠ ريال فرانصة قديماً ويستغرق من ٥ - ٦ أشهر ، ومن المعتقدات السائدة قديما والتي تتعلق بالبناء في مدينة مرباط دق أربعة مسامير في أركانه لدفع العين والحسد .
استخدام الدبس في البناء
ومن مميزات البناء في مدينة مرباط تزيين الجدار الخارجي بالمكوك وهو أحجار صغيرة تستخدم في حشو الجدران الخارجية ، ويتم خلط النورة بالدبس كما هو الحال في بيت سيدوف وذلك لإضفاء القوة واللون عليها .
ومما يجدر الإشارة إليه أن مرباط القديمة قد اختيرت لتمثيل العمارة الإسلامية في سنة ٢٠٠٤م بمتحف الهواء الطلق بهولندا ، ولا تزال تنتظر خطة متكاملة من قبل الجهات المعنية لترميم هذا الإرث التاريخي الأصيل وإنقاذه وتحويله إلى منطقة أثرية تحت إشراف المؤسسات المختصة والمؤسسات العالمية المختصة كاليونسكو ومنظمة المدن العربية .
