سلطنة عُمان ولبنان.. علاقات متجذرة ومرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية
العُمانية: تحرص سلطنة عُمان والجمهورية اللبنانية على تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، بما يمهد لبناء مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين الشقيقين.
وتكتسب الزيارة الرسمية التي يقوم بها فخامة الرئيس العماد جوزيف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية، إلى سلطنة عُمان بعد غدٍ الثلاثاء ولقاؤه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أهمية خاصة للتأكيد على أن البلدين الشقيقين يعملان معًا من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال سعادة الدكتور أحمد بن محمد السعيدي، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى الجمهورية اللبنانية الشقيقة: إن العلاقات بين سلطنة عُمان والجمهورية اللبنانية الشقيقة تتميز منذ افتتاح أول سفارة لسلطنة عُمان في بيروت سنة 1972 بصلابتها وقوتها المتجذرة في الروابط العربية والتاريخية.
وأضاف سعادته: إن البلدين يوليان اهتمامًا كبيرًا بتعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية مع الدول الشقيقة، من ناحية التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي، كما توضح "رؤية عُمان 2040" التي تركز على تعزيز الشراكات مع الدول العربية. وأشار أيضًا إلى ما جاء في خطاب القسم للرئيس اللبناني الذي أكد على ترسيخ العلاقات الاستراتيجية، ومن منطلق هذا التقارب المنهجي من المؤمل أن تسهم هذه الزيارة في زيادة تفعيل الشراكة بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية والزراعية والتربوية.
وهناك مذكرات تفاهم قيد البحث سيتم التوقيع عليها أثناء انعقاد اللجنة العُمانية – اللبنانية المشتركة في النصف الأول من السنة القادمة.
وفي الشأن الفلسطيني، أكد سعادته أن سلطنة عُمان تلعب دورًا مهمًا في ظل المتغيرات والصراعات التي تشهدها المنطقة، وأرسَت نهجًا راسخًا يقوم على الحياد الإيجابي والحوار واحترام ميثاق الأمم المتحدة، واعتماد الوسائل السلمية لتسوية النزاعات دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مشيرًا إلى أن سلطنة عُمان حازت على احترام العالم وأصبحت تحظى بثقة تعزز من استقرارها السياسي والاقتصادي.
ولفت إلى أن هذه الزيارة تأتي تجسيدًا وتعزيزًا للعلاقات المتينة بين البلدين الشقيقين؛ فكلاهما يتميز بمقومات اقتصادية وموقع استراتيجي جاذب للاستثمار.
وفي الشأن السياسي، أكد سعادته على موقف سلطنة عُمان الثابت والراسخ في دعم سيادة لبنان الشقيق ووحدته الوطنية، ورفضها التام لأي انتهاكات لسيادته وأراضيه. كما ستواصل سلطنة عُمان دعم جهود الدبلوماسية والسياسة التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي بما يخدم لبنان وشعبه الشقيق.
وبيّن أن سفارة سلطنة عُمان لدى لبنان تمثل حلقة وصل بين الجهات الحكومية في البلدين بما يخدم المصالح المشتركة، إذ تعمل على تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية من خلال تشجيع الاستثمارات وتسهيل التواصل بين الجانبين، والزيارات بين الوفود الاقتصادية، ودعم مشاركة الشركات في المعارض والفعاليات المشتركة. كما تقوم السفارة بالتعريف بالفرص الاستثمارية في سلطنة عُمان، وعقد مباحثات مع الهيئات الاقتصادية والمستثمرين اللبنانيين، واستكشاف سبل تعزيز العلاقات الثنائية في هذا المجال.
وشهدت العلاقات الثنائية بين البلدين حركة واعدة لبحث أفق الشراكة في الأشهر الأخيرة، شملت لقاءً جمع بين معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في سلطنة عُمان ووزير الاقتصاد والتجارة اللبناني في المنتدى العُماني – اللبناني لبحث أفق الاستثمار في سبتمبر الماضي، ولقاءً جمع بين معالي وزيرة التربية والتعليم في سلطنة عُمان ووزيرة التربية والتعليم العالي في لبنان خلال نوفمبر الماضي.
وفي الجانب الاقتصادي، تتمتع سلطنة عُمان والجمهورية اللبنانية الشقيقة بعلاقات تجارية متينة منذ القدم؛ إذ أسهمت هذه الروابط في تعزيز التبادل الثقافي والمعرفي والتاريخي بين الشعبين، ما أوجد بيئة من التعاون والتواصل عبر الأزمان.
وتسعى حكومتا البلدين إلى تقديم التسهيلات والحوافز التي تمكّن القطاع الخاص من الإسهام في تحقيق الازدهار والنمو المستدام. وشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من عام 2025 نموًّا بنسبة 29.4% ليبلغ نحو 8.5 مليون ريال عُماني (22.2 مليون دولار أمريكي)، مقارنةً بـ 6.6 مليون ريال عُماني (17.1 مليون دولار أمريكي) خلال الفترة نفسها من عام 2024، وفقًا لإحصاءات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
وأظهرت الإحصاءات أن الصادرات العُمانية إلى الجمهورية اللبنانية سجلت خلال النصف الأول من العام الجاري نموًّا بنسبة 30.7% لتبلغ قيمتها نحو 2.8 مليون ريال عُماني، بينما بلغت قيمة الواردات اللبنانية إلى سلطنة عُمان 5.7 مليون ريال عُماني بنسبة نمو قدرها 28.8% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.
في حين بلغ عدد الشركات اللبنانية المسجلة في سلطنة عُمان أكثر من 1035 شركة حتى سبتمبر 2025، بإجمالي رأسمال مستثمر يُقدّر بـ 191.5 مليون ريال عُماني، تشكّل المساهمة اللبنانية نحو 80% بالمائة بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وتتركز أغلب الاستثمارات في قطاعات التجارة والتجزئة والتشييد والصناعة التحويلية والنقل والخدمات الغذائية.
وقد نظم الجانبان في أكتوبر 2025 بمسقط المنتدى الاقتصادي العُماني اللبناني بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع مجالات التعاون التجاري والصناعي والاستثماري، شمل جلسات نقاشية حول فرص الاستثمار والشراكة، ومعرضًا مصاحبًا تضمن منتجات وخدمات لأكثر من 100 شركة ومؤسسة من البلدين في قطاعات متنوعة مثل الصناعة والغذاء والسياحة والخدمات اللوجستية، إضافة إلى لقاءات ثنائية بين أصحاب الأعمال العُمانيين واللبنانيين.
وأكد سعادة فيصل بن عبد الله الرواس، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين سلطنة عُمان والجمهورية اللبنانية تجسد نموذجًا متقدمًا للتعاون العربي المبني على الاحترام المتبادل والرغبة الصادقة في تعزيز الشراكات التنموية، مشيرًا إلى أن هذه العلاقات التي تمتد لعقود طويلة شهدت نموًّا متصاعدًا في حجم التبادل التجاري والاستثمار المشترك بما يعكس الثقة الراسخة بين الجانبين.
وأوضح أن ما يجمع البلدين من روابط تاريخية وثقافية وطيدة أسهم في ترسيخ جسور التواصل بين مجتمعي الأعمال، ما انعكس في توسع التعاون في مجالات التجارة والخدمات والتعليم والسياحة، كما تمثل الجاليتان العُمانية واللبنانية ركيزة مهمة في دعم هذه العلاقات وتعزيز حضورها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف: إن المرحلة الحالية تفتح آفاقًا واسعة لتطوير التعاون الاقتصادي، خاصة في ظل ما تتمتع به سلطنة عُمان من بيئة أعمال جاذبة، وبنية لوجستية متطورة، وتشريعات محفزة للاستثمار، إلى جانب خبرات لبنان النوعية في قطاعات الخدمات والتقنية والصناعات الغذائية والإبداعية، ما يجعل من البلدين شريكين في مشاريع ذات قيمة مضافة.
وأكد أن غرفة تجارة وصناعة عُمان ماضية في تعزيز قنوات التواصل بين أصحاب الأعمال في البلدين، من خلال تنظيم لقاءات ثنائية ولجان اقتصادية مشتركة ووفود تجارية، وتوفير المعلومات، وتيسير الوصول إلى فرص استثمارية نوعية.
وأوضح أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من الزخم في التعاون العُماني اللبناني بما يحقق المصالح المشتركة، ويدعم مسيرة الاقتصاد في البلدين الشقيقين، ويعزز دور القطاع الخاص في بناء شراكات مستدامة وإيجاد فرص اقتصادية جديدة.
من جهته، أوضح راشد بن عامر المصلحي، النائب الأول لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد مرحلة متقدمة من التنسيق والشراكة، مدفوعة برؤية واضحة لدى الجانبين لفتح مسارات جديدة للتعاون تتناسب مع متغيرات الاقتصاد الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن لبنان يمتلك العديد من الخبرات في قطاعات الخدمات والقطاع المالي والاتصال الإعلامي والصناعات الثقافية، وهي مجالات تمثل قيمة مضافة يمكن أن تلتقي مع توجهات التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان، في ظل التوسع الجاري في المناطق الحرة والاقتصادية، وتنامي الفرص في مجالات التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتجارة البينية.
وأضاف: إن الفترة الأخيرة شهدت تزايدًا في اهتمام مجتمع الأعمال في البلدين باستكشاف فرص التعاون المشترك من خلال اللقاءات المباشرة والبرامج الترويجية والمشاركات التجارية، مؤكدًا أن هذا التفاعل يعكس ثقة متنامية بإمكانات الاستثمار في سلطنة عُمان وبالعمل المشترك مع الشركات والمؤسسات اللبنانية التي تتمتع بانتشار إقليمي وخبرة متراكمة.
وبيّن أن التطوير المستمر للبنية التنظيمية في سلطنة عُمان، وما تقدمه من حوافز للمستثمرين، يشكل فرصة مهمة لتعزيز حضور المستثمر اللبناني في السوق العُمانية، لا سيما في القطاعات الواعدة مثل السياحة المتخصصة والتعليم العالي والصحة وتكنولوجيا المعلومات، وهي مجالات قادرة على إيجاد شراكات ذات أثر مباشر على تنمية البلدين.
وأكد أن غرفة تجارة وصناعة عُمان تولي اهتمامًا كبيرًا لتعميق التعاون الاقتصادي مع لبنان من خلال تقوية العمل المؤسسي، وتفعيل مجالس الأعمال، وتيسير وصول الشركات إلى المعلومات والفرص، إلى جانب تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الاستفادة من التجارب المتبادلة وبناء روابط تجارية متينة.
من جانبه، قال رجل الأعمال عبدالله جمال إن زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية لسلطنة عُمان ستعمل على تعزيز وتوطيد العلاقات العُمانية اللبنانية، لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري، وفتح فصل جديد من أوجه التعاون والاستثمار بين البلدين الشقيقين، وتشجيع رجال الأعمال للدخول في مشاريع استثمارية مشتركة.
وأضاف: إن هناك فرصًا حقيقية للمستثمرين اللبنانيين للاستثمار في سلطنة عُمان بمختلف القطاعات الصناعية والسياحية والتكنولوجية والطاقة المتجددة والمناطق الاقتصادية الخاصة والحرة، وفي المقابل هناك فرص متاحة أمام الشركات العُمانية للدخول في شراكات مع نظيراتها اللبنانية في مجالات الابتكار وريادة الأعمال والخدمات المتخصصة.
وأكد أن المرحلة المقبلة ستكون واعدة بمزيد من المبادرات المشتركة التي تهدف إلى دعم الاستثمارات وتوسيع حجم التبادل التجاري، بما يسهم في تعزيز حضور القطاع الخاص ورفع مستوى الشراكات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، خاصة مع قيام طيران السلام بإعادة تشغيل رحلاته إلى بيروت.
