عمان اليوم

بلدة الحيلي.. قرية منسية تنتظر من يكتشف كنوزها الأثرية المخبأة

14 يناير 2022
يعود تاريخها لأكثر من 700 عام وتضم مصاهر قديمة للحديد والنحاس
14 يناير 2022

كتب - خليفة بن سعيد الحجري:

قرية الحيلي بولاية بدية تقع شمال بلدة الظاهر بولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية بلدة جبلية منسية ضاربة في قدم التاريخ تضم شواهد إنسانية وتراثية فريدة، كما تتميز بموقعها الفريد على مستوى الولاية كونها إحدى البلدات الجبلية المختلفة عن بقية واحات بدية ذات الرمال الذهبية الناعمة وتبعد قرية الحيلي عن مركز الولاية بحوالي (30 كم) ويعود تاريخها إلى أكثر من 700 عام كما يذكر الأهالي في القرى المجاورة.

في رحلة استقصائية للمكان قمنا بها لنستكشف عن قرب ملامح عمانية من الماضي العريق، وسبر جانب مهم من مخزونها الأثري المتنوع الذي يحكي قصة كفاح إنسان هذه الأرض عبر قرون مضت، تمكنت «عمان» من مرافقة أول مواطن يعود إلى هذه القرية المنسية، بعد أن حصل على إثبات ملكية لمزرعته التي تقدر بخمسة آلاف متر حصل عليها لأول مرة، وتعبيرا عن فرحته بالمناسبة اصطحب معه عددا من أصدقائه في جولة تعريفية سرد من خلالها جانبا من ذكريات آبائه وأجداده الذين تركوا البلدة قبل 160 عاما حين داهمها المحل الشديد وجف فلجها الذي يروي بساتينها.

يقول السبعيني سعيد بن سالم بن عامر الحجري: حدثني والدي عن والده بأن هذه البلدة كانت عامرة ومزدهرة بالزراعة وتنعم بالرخاء والخضرة والجمال، تزرع القمح والشعير والقَت وتجود بزراعة العنب والفواكه كالبطيخ والجح وغيرها من الحبوب الزراعية الأخرى، وهي كانت جنة الله في أرضه نظرا لخصوبة الأرض وغزارة المياه حتى مر عليها المحل الشديد قبل ما يقارب 160 سنة مضت، وتسبب ذلك في موت المزروعات، فتركها أهلها دون رجعة واليوم كما ترون لا توجد فيها سوى هذه الأطلال والمعالم التي تحتاج إلى من يكتشفها عن قرب لمعرفة أنشطة السكان في تلك الفترة وما خلفوه من آثار لا تزال باقية إلى اليوم.

يضيف سعيد الحجري: لقد حكى لي والدي عن المكان وبعض معالمه، وهو يشير إلى بقايا جذع شجرة سدر جافة لا تزال في موقعها السابق منذ 150 عاما وهي صامدة لتحكي قصة حياة من كانوا هنا في هذه البلدة وذكرياتهم الجميلة.

والبلدة رغم قدمها وترك الأهالي لها بسبب الجفاف نتطلع إلى إعادة تعميرها من جديد عن طريق مساعدتنا من قبل الجهات المختصة لإعادة صيانة الفلج أو السماح لنا بحفر آبار لسقي مزارعنا وإحيائها خاصة أن البلدة صالحة للزراعة والاستصلاح.

شواهد متنوعة

والزائر لقرية «الحيلي» يشاهد البيوت الطينية والحجرية ذات الطابع المعماري الخاص والنادر على مستوى الولاية والولايات المجاورة، الأصالة وجمالية المكان وذاكرة الإنسان الذي رسم هندسة مكانية تعبر عن ذاكرة مكانية للأجيال القادمة. وتضم الحيلي أقدم الشواهد والأطلال في بدية التي لم يتم اكتشافها وبعضها لا يزال مدفونا ومطمورا تحت الأرض على عمق عدة أمتار على سفوح التلال الجبلية المحاطة بسور متين من الحصى وتتكون أرضها الخصبة من تنوع متجانس يضم الطين والرمل والحصى، كما تضم المواقع الأثرية بها عظاما حيوانية وأدوات زراعية وسكاكين وأزاميل وبقايا قدور فخارية من حقب مختلفة لم يتم تحديد عمرها بعد من قبل الباحثين لمعرفة الفترة الزمنية التي عاش فيها سكان تلك المنطقة ممن عاشوا فيها عبر حقب متتالية. وتنفرد بيوت هذه القرية بوجود نوعين من البناء إذ تم البناء بالطين والحصى المخلوط بالتبن وهي دلالة على استخدام خامات البيئة الزراعية التي تشتهر بها الحيلي، ومعظم المنازل الطينية صغيرة جدا وذات غرفة أو غرفتين تتكون من طابق واحد وبنظرة فاحصة للمكان من خلال التجوال على أطلال هذه البلدة فإن السكان يحسنون زرع الأرض بمزروعات شتى وطحن الحبوب وتخزينها في أماكن مبنية بالحصى، كما تتوزع الأحجار المصقولة وغير المصقولة التي تتناثر على ضفتي السلسلة الجبلية الغربية والشمالية للبلدة.

صهر الحديد

وتتجلى معالم أنشطة السكان القديمة في وجود مصانع صهر الحديد التي تشتهر بها بلدة الحيلي حيث توجد حوالي 9 مواقع عبارة عن أفران لصهر الحديد من الجبل المتاخم للبلدة في الجهة الغربية وهذه المصاهر واضحة للعيان إلى يومنا هذه وتتناثر كميات من بقايا مخلفات صهر الحديد والنحاس من الصخور الجبلية وحفرياتها المكشوفة إلى يومنا هذا، ويظهر جليا من خلال عدة أحجار كبيرة الحجم مغروزة في الأرض فيما تم ترتيب وضعها بطريقة صف طرفها بشكل مربع أو على شكل دائرة تستخدم كمدافن ومصانع وبيوت للسكن.

كما تحوي البلدة برجا دائري الشكل محاطا بسور مبني بالأحجار الكبيرة التي تم صفها بشكل هندسي جميل بعرض نصف متر تقريبا بحي البلدة القديمة من جراء تراكم مياه الأمطار المتدفقة من قمة الجبل حيث لا يزال جزء منه سالما إلى يومنا هذا رغم السنين ومن معالم القرية القديمة وجود برج دائري مبني من الطين وغرف مربعة وعدة أبراج بعضها تهدم واندثر ولم يبق منها الآن سوى الأنقاض وبقايا الأطلال المتناثرة هنا أو هناك.

دعوة للاستكشاف

ومن أجل إعادة الحياة والاستفادة من مقومات هذه المستوطنة القديمة، وجب على جهات الاختصاص مساعدة الأهالي على العودة إلى هذه البلدة الجميلة التي تضم إرثا زاخرا من الأطلال والشواهد والمعالم المتنوعة فهي بحق درة ثمينة يمكن الاستفادة منها سياحيا من خلال تركيب لوحات تعريفية للسياح لتشجيع الزيارات السياحية الداخلية أو السياح الأجانب، وكذلك تشجيع الباحثين والمهتمين بعلوم الآثار على اكتشاف مخزونات هذه الدرة ومعرفة تاريخها ونشاط سكانها القدامى وفحص ما تضمه من مخزون تحت أنقاضها، خاصة أن ما يظهر على السطح من قطع متناثرة من فخاريات وبقايا عظام وأدوات حديدية ينبئ بوجود تاريخ طويل وكنور ثمينة.