عمان اليوم

المجازفة بعبور الأودية.. ظاهرة تؤرق المجتمع ورقابة مشددة على المستهترين

15 أغسطس 2022
مشاهد مأسَوية تتكرر مع كل حالة جوية
15 أغسطس 2022

السجن 3 أشهر والغرامـة 500 ريـال لمن تعمّد عبور الأودية

فئة قليلة تتعمّد عبور الأودية بدافع الغرور والتفاخر والتصوير أمام الآخرين

ضرورة رفع الوعي المجتمعي للحد من فقدان الأرواح والممتلكات

شركات التأمين لا تعوض غرق المركبات في الأودية جراء الفعل المتعمد

الغرق في الأماكن الوعرة يشكل تحديًا كبيرًا لفرق الإنقاذ المائي

تشكل المجازفة بعبور الأودية ظاهرة تؤرق المجتمع على الرغم من الجهود الكبيرة التي تقوم بها الجهات المختصة ممثلة في الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف وشرطة عمان السلطانية وهيئة الطيران المدني في تقديم النصح والإرشاد حول خطورة المجازفة وعبور الأودية وتوخي الحذر الدائم مع كل حالة جوية، إلا أن تلك المشاهد غير المسؤولة تتكرر مع كل حالة جوية تتعرض لها سلطنة عمان مع تهور بعض الشباب والأفراد بالمجازفة في عبور الأودية وعدم المبالاة والاستهتار بقوة جريانها والسباحة في المواقع المنخفضة، مسببين مآسي مجتمعية بفقدان أرواح وممتلكات، وبذل جهد وتكاليف مضاعفة من قبل الجهات المعنية في عملية البحث والانتشال وما قد يسببه ذلك من تعريض فرق الإنقاذ للمخاطر.

وتواصل مختلـف تشكيلات شـرطة عمـان السـلطانية جهودها الحثيثـة في مراقبة ومتابعة المستهترين وتطبيـق المـادة القانونية بهذا الخصـوص.

«عمان» ألقت الضوء على هذه الظاهرة لمعرفة الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه السلوكيات والإجراءات المتخذة ضد من يجازف بعبور الأودية، وما يترتب على هذا الفعل من خطورة وخسائر!

سلطان بن ثاني الحسني عبّر عن رأيه قائلا: من الغرائب التي نراها تتكرر مشاهد عبور الأودية من قبل بعض الشباب، وفي هذه المواقف مخاطر دنيوية وأخروية، فإن نجا من الوادي فلن ينجو من المساءلة القانونية وإن مات فهو عرّض نفسه ومن معه للانتحار وهذا أمر حرّمه الشرع، لذا نرجو رفع الوعي لدى الشباب بخطورة ذلك والمحافظة على ممتلكاتهم الخاصة وأرواحهم وأرواح من معهم والمنقذين من بعدهم، مشيرًا إلى أن المجازفة بعبور الأودية مسألة خطرة وليست للمرح والتحدي، حيث إن جميع الأجسام يقل وزنها في الماء وتتلاشى السيطرة عليها، فمهما كانت قوة المحرك يبقى قائد المركبة عاجزا عن السيطرة والتحكم بهيكل السيارة، وقبل المجازفة على الشاب أن يجيب عن عدة أسئلة، لو عبرت الوادي ما الجائزة؟ سجن وغرامة مالية وأضرار في المركبة! وكم من الوقت الذي تستهلكه فرق الإنقاذ والأهالي، وكم من الإمكانيات المادية والمالية التي تهدر للبحث عنك.

حب المغامرة

من جانبه ذكر حمدون بن خلفان الحنظلي أن الأمطار نعمة قد يطول انتظارها ويلجأ المسلمون لصلاة الاستسقاء طلبًا لهطول المطر، ولكن مما يؤسف له أن تتحول هذه النعم إلى كوارث ومآسٍ، ومن صور هذه المآسي انتشار ظاهرة المجازفة بعبور الأودية، وقد لاحظنا وقرأنا عن حالات كثيرة فيتحول الفرح بنعمة الأمطار إلى أحزان، مضيفًا أنه على الأشخاص أن يدركوا أن المجازفة أمر وقرار شخصي في البداية ولكن سرعان ما يتحول إلى جريمة قد تؤدي بحياة الآخرين، فقد يضطر الحاضرون إلى محاولة الإنقاذ لإحياء النفس البشرية، وقد يكون المنقذ هو الضحية وفي الجانب الآخر يقع الخطر الكبير على رجال الدفاع المدني الذين يواصلون ليلهم بنهارهم للتعامل مع هذه الحالات.

إن هذه الظاهرة تحتاج لوقفة صادقة لإيجاد الحلول الناجعة لها، ورفع الوعي المجتمعي بعدم الإقدام على المجازفة بعبور الأودية للحد من فقدان الأرواح والممتلكات، والتفكير في الخسائر التي قد تتكبدها هذه المجازفات، وكم من شخص أراد أن يكون حديثًا للشارع بعبوره الوادي بسيارته الجميلة وأصبح مفقودًا مرهقًا الآخرين بالبحث عنه، كما يجب على الأسرة ملاحظة أطفالها أثناء ارتياد الأودية للتنزه.

لا تعويضات تأمينية

وفي السياق أوضح بدر بن سالم المرزوقي نائب المدير العام في الشركة الوطنية للتأمين على الحياة والعام أن وثيقة التأمين حددت الاحتياطات اللازمة لضمان الحفاظ على المركبة، بأنه يجب على المؤمن له أن يتخذ جميع الاحتياطات المعقولة للمحافظة على مركبة المؤمن عليها وحمايتها من الفقد أو التلف ولإبقائها في حالة صالحة للاستعمال، ويجوز للمؤمّن في أي وقت إجراء معاينة للمركبة المؤمن عليها أو أي جزء منها.

لذا فإن شركات التأمين لا تعوّض غرق المركبات في الأودية جراء الفعل المتعمد من قبل صاحب المركبة، أو حتى ترك المركبة في مجرى الوادي دون أخذ الاحتياطات اللازمة، مبينًا أنه في حال التأمين الشامل ووجود تغطية الكوارث الطبيعية في تأمين الطرف الثالث فإنه يتم التعويض والتغطية من قبل شركة التأمين مثل وجود المركبة في المنزل ودخول الوادي للمنزل.

جهود كبيرة

من جانب آخر قالت الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف: إنها تقدم كل ما يمكن تقديمه لحماية الأرواح والممتلكات، وفي مثل حالات عبور الأودية من قبل بعض المستهترين فقد نص القانون على عقوبة مثل هذه التصرفات التي تشكل خطورة على حياة الشخص نفسه والآخرين، إلا أن رجال الدفاع المدني في مثل هذه الحالات يقومون بمنع الأشخاص من هذه التصرفات الانتحارية والتعامل مع المحتجزين إذا حدث هذا الأمر.

وبيّنت الهيئة أن أبرز حالات الغرق تتركز في الشواطئ المختلفة والبرك المائية في الأودية والعيون وبرك السباحة، مؤكدة إمكانيات فريق الإنقاذ المائي في عمليات الإنقاذ في مختلف المحافظات حيث إنه مدرب ومؤهل على أقوى المعايير الدولية لعمليات الغوص والإنقاذ من الأودية، ومع ذلك ما زال التعامل مع حالات الغرق في الأماكن الوعرة وصعبة الوصول إليها تشكل تحديًا كبيرًا لفرق الإنقاذ المائي بسبب بعد المسافة، وتتحمل الفرق كل هذه التحديات وتصل لمواقع البلاغات وتتعامل معها سواء لانتشال الجثث أو الإنقاذ وإخراج المحتجزين.

التفاخر والتصوير

وقال الرائد أحمد بن يحيى المعولي ضابط مركز عمليات الشرطة بالإدارة العامة للعمليات: «تقـوم شـرطة عمـان السـلطانية بتوجيه سائقي المركبات وإرشادهم فيما يتعلـق بالمجازفـة بعبور الأوديـة وتنصـحهم بعـدم المخاطرة بذلك وتعريض أنفسهم ومـن مـعـهـم للخطـر، إلا أن أولئك الذين يتعمّدون دخول الأوديـة هم فئة قليلة وذلـك لـعـدة أسـباب أهمها الغرور والتفاخر أمام الآخرين بامتلاكهم مركبات ذات الدفع الرباعي بإمكانهـا عـبـور الأوديـة، ولا يعي هـؤلاء الأشخاص أن هـنـاك خطـرا محدقا بمجـرد دخـولهم الأوديـة بسبب فقـدان المركبـة وزنهـا الحقيقـي وانجرافها بـفـعـل الميـاه، ومـن ضمن الأسباب أيضـا حـب التصـوير حيث تجـد بعض الأشخاص يدخلون مجـرى الــوادي لمجرد التقاط صورة».

إجراءات قانونية

وعن العقوبة القانونية المترتبة على من يثبت تعمّده عبور الأودية أشار المعولي إلى أن قانون المرور قد حدد في إحـدى مـواده عقوبـة مـن يتعمد عبور الأوديـة وهـي السجن لمدة تصـل إلى 3 أشهر وغرامـة تصـل إلى 500 ريـال عمـانـي، لذا تطبق هذه المادة عـلـى كـل شـخص تعمـّد دخـول الأوديـة ثـم يـشـكل ضـده مـلـف قضية ثم يحال إلى الادعاء العام تمهيدًا لإحالته إلى المحكمة المختصة.

تتبع وتشديد المراقبة

وأضاف: «إن سلطنة عمـان متنوعـة التضاريس ومعـظـم ولاياتهـا في مختلف المحافظـات تجـري بها أودية كبيرة تقطع الطرق خصوصـًا أثنـاء الأنـواء المناخيـة، وينتشر رجال الشرطة على معابر الأودية لمنع عبور المركبات وضبط المجازفين، إلا أن هناك من الأشخاص من يعبر بعيدا عن دوريات الشرطة ويـظـهـر على وسـائل التواصـل الاجتمـاعـي أثنـاء عـبـوره للأوديـة ويتم توثيـق ذلـك عـن طـريـق الـصـور والفيـديوهات سـواء كـان عـن طـريـق حساباتهم الخاصـة أو عن طـريـق أشخاص آخـريـن في حسابات مختلفـة، فتتم متابعتهم والتحقـق مـن هـويـاتهم وفـق الأنظمـة والقـوانين المعمـول بـهـا في سلطنة عمان واتخاذ المقتضـى القانوني بحقهم بموجب المادة القانونية ذاتها التي نص عليها قانون المرور.

وبما إن احتمالية تشكل حالات جوية واردة في مختلف الأوقات أكد المعولي أنه أثناء الأنواء المناخية هنالك مراقبة ومتابعة حثيثـة مـن قبـل مختلـف تشكيلات شـرطة عمـان السـلطانية، وتطبيـق المـادة القانونية بهذا الخصـوص ومن المهـم توجيه النـصـح والإرشـاد للآخرين وتطبيق اشتراطات السلامة المرورية أثناء جريان الأودية، كما تُعوّل الشرطة على الوعي المجتمعي الذي يُشكل حماية لجميع الأفراد من خلال التزامهم وعدم مجازفتهم بعبور الأودية، وأن الشرطة مستمرة في بذل جهود التوعيـة وحث الجميع على اتباع إرشـاد السلامة العامة أثناء الأمطار ونزول الأودية حفاظا على سلامتهم وسلامة الجميع.