عمان الثقافي

هل فشلت الديمقراطية وما هي الوصفة الناجحة؟

25 يونيو 2023
25 يونيو 2023

لعله من الصعوبة بمكان على أغلب من يوصفون بالليبراليين أو حتى اليساريين أن يستسيغوا عنوانا لكتاب يبدو أنه يقدم «نقدا» أو انتقادا للديمقراطية. وأظن أن الأمر ينسحب على الثقافة العربية أيضا، ولكن أغلب الظن أن ذلك ليس، ولن يكون، حبا في الديمقراطية، لأنها ثقافة مفتقدة عربيا، بقدر ما قد يكون ذلك كراهية في الديكتاتورية أو الأفكار الأحادية.

وأزعم أيضا أن عنوانا مثل «الديمقراطية ..الإله الذي فشل»، سيبدو للكثير ممن يعتقدون أن الديمقراطية أفضل نظام سياسي، أشبه بالهرطقة السياسية.

لكن السؤال المهم بالنسبة لي هو لماذا يتم نقد الديمقراطية في مجتمعات توصف بأنها بلغت منتهى الرفاهية والتقدم في كافة المجالات بفضل هذه الديمقراطية؟ هذا هو السؤال الذي شغلني قبل قراءة هذا الكتاب.

الكتاب من تأليف هانز هيرمان هوبا، وهو أكاديمي أمريكي ألماني المولد ينتمي للمدرسة الاقتصادية النمساوية، وفيلسوف لليبرالية القديمة واللاسلطوية الرأسمالية، وأستاذ الاقتصاد في جامعة نيفادا في لاس فيغاس. وينتمي إلى مفكري المدرسة النمساوية والفكر الليبرالي (التحرري) والأناركي (اللاسلطوي) في الاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية.

الكتاب الصادر عن منشورات تكوين (الكويت)، من ترجمة الدكتورة إيمان معروف، وراجعه وقدم له الأكاديمي والمفكر البحريني نادر كاظم.

وفي تقديم الكتاب يقول د. نادر كاظم: «هل يستطيع المرء أن يتجاهل هذا العمل؟ قد نختلف مع هذا الكتاب أو نتفق، كثيرًا أو قليلًا، إلا أن كل هذه الاعتبارات لا تقلل من قيمته وفرادته وجدته وأصالة تحليله وقوته التفسيرية اللافتة. هذا كتاب إشكالي على نحو مستفز وصادم أحيانًا، كما أنه يتطلب درجة عالية من القدرة على التخيل بما يسمح برؤية الأشياء من منظورات جديدة ومغايرة وربما لم تدر في البال قط. ولسوف يكتشف القارئ أن هانز هيرمان هوبا -أستاذ الاقتصاد وتلميذ المفكر الألماني الكبير يورغن هابرماس قبل أن يصبح ليبرتاريا عنيدًا، منظِّر مثير للجدل، ولا تنقصه الحجة لا الاقتصادية ولا الأخلاقية، فهو يبتدئ بمقدمات مقنعة لينتهي إلى استنتاجات صادمة وغير مألوفة من مثل: (الديمقراطية فكرة شريرة وفاشلة وخطيرة، والتحول الديمقراطي تدهور حضاري مؤكد، والهجرة تمثل غزوًا ودمجًا قسريًّا، والمساواة الديمقراطية سرقة لأنها تتطلب نقلًا للملكيات ممن يملكون إلى من لا يملكون، والجمهوريات الديمقراطية ستنهار في أوروبا كما انهارت الملكيات، وأن انهيارها مسألة وقت فقط، وبرامج الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ضرب من ضروب السرقة ستقود حتمًا إلى آثار اجتماعية كارثية، والمساواة بين الناس انحطاط، والنظام الطبيعي يقود على الاعتراف بعدد من النبلاء والنخب الطبيعية المعترف بشجاعتها وذكائها وتفوقها، مع إقصاء الكثرة الكاثرة من المتبطلين والمتسكعين والعاجزين والمرضى والمتطفلين الذين يعيشون على حساب المتفوقين الذين منحتهم الطبيعة مواهب وامتيازات خاصة... إلخ). إن هذه الطريقة في التفكير والاستنتاج ستذكر كثيرين بأفكار الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه. وعلى الرغم من أن الكتاب يخلو من أي إشارة إلى نيتشه، إلا أن أفكار هذا الأخير وروحه الوثابة والمقتحمة والضاربة كصاعقة تأخذ بتلابيب هذا الكتاب من البداية إلى النهاية».

الملكيات والديمقراطيات

هذه المقدمة لا بد أن تلفت انتباهنا إلى العنوان الفرعي للكتاب وهو: «الاقتصاد والسياسة بين الملكية والديمقراطية والنظام الطبيعي». وأهمية هذا العنوان الفرعي أنه يلفت الانتباه أنه لا ينتقد الديمقراطية لكي يشيد مثلا بالملكيات، إطلاقا، بل العكس، فهو ينتقد الملكيات أيضا. وقبل أن نعود لشرح ذلك، أقتطف فيما يلي فقرة يوضح فيها هوبا ما يصفه بأنه النتائج «الشريرة» للديمقراطية. كيف؟

«بعد أكثر من قرن من الديمقراطية القسرية، أصبحت النتائج المتوقعة جليّة أمام أعيننا. ارتفع الدين الحكومي إلى مستويات مذهلة، واستبدل بالذهب ورقا تصنعه الحكومة كعملة تستمر قيمتها في التضاؤل، وخضعت كل تفاصيل الحياة والممتلكات الخاصة والتجارة والعقود لجبال من القوانين (التشريعات) أكثر من أي وقت مضى، وتحت شعار الأمن الاشتراكي أو العام أو القومي يعمل الأوصياء علينا، «الحكام» على «حمايتنا» من ظاهرة الاحتباس الحراري والتبريد وانقراض الحيوانات والنباتات، من الأزواج والزوجات والآباء وأصحاب العمل، ومن الفقر، ومن المرض، والكوارث والجهل والتعصب والعنصرية والتحيز الجنسي ورهاب المثلية (..) وعلى ما يبدو كلما ارتفعت نفقات الأمن الاشتراكي والعام والقومي زاد تدهور حقوق ملكيتنا الخاصة وزادت مصادرة ممتلكاتنا والاستيلاء عليها وتدميرها وتراجع قيمتها وزاد حرماننا من أساس كل شكل من أشكال الحماية ومن الاستقلال الشخصي والقوة الاقتصادية والثروة الخاصة، وكلما صدر المزيد من القوانين الورقية تفاقم شعور عدم لايقين القانوني والخطر الأخلاقي أكثر وأكثر واستبدل الفوضى بالقانون والنظام العام».

يقدم هوبا أمثلة عديدة من وقائع حياة المجتمعات الديمقراطية الراهنة، أو شبه الديمقراطية التي تكتفي من الديمقراطية مثلا بعملية الاقتراع أو إجراء الانتخابات ليدلل بها على حصيلة من الوقائع التي يعيشها المجتمع الديمقراطي على وهم أنه بها يحقق «مزايا» مجتمعية يكفل بها حقوق المواطنين، بينما يسقط هوبا ضوءا ساطعا على عدة زوايا ليعيد كشفها بشكل آخر، كيف؟

فرد واحد.. صوت واحد

يقول هوبا: «تخيل حكومة عالمية منتخبة ديمقراطيا وفقا لمبدأ (فرد واحد –صوت واحد) على نطاق عالمي. ما النتيجة المحتملة لمثل هذه الانتخابات؟ سنحصل على الأرجح على حكومة ائتلافية هندية صينية. وما الذي ستقرره هذه الحكومة لإرضاء مؤيديها وضمان إعادة انتخابها؟ ربما ستجد الحكومة وفق هذا المنظور أن ما يسمى العالم الغربي لديه الكثير من الثروات، وبقية العالم خصوصا الصين والهند لا يمتلك سوى القليل منها وبالتالي من الضروري إعادة توزيع الثروة والدخل بشكل منهجي ومنظم.

وفي فقرة أخرى يطلب من القارئ أن يتخيل أنه جرى توسيع حق المشاركة في التصويت في بلده ليشمل قطاع الأطفال في سن السابعة. وعلى الرغم من أن الحكومة لن تضم أطفالا على الأرجح إلا أن سياساتها ستعكس بكل تأكيد «الاهتمامات المشروعة» الخاصة بالأطفال كالعدالة في الحصول المتساوي على البطاطا المقلية المجانية وعصير الليمون ومقاطع الفيديو!

طبعا هو هنا يشير، بشكل غير مباشر، وكما يوضح في أحد الهوامش أن حق الاقتراع كان مقيدا في فترات تاريخية سابقة، بعمر 25 عاما في الغرب، وأقل من 21 عاما في بريطانيا والسويد، وبلغ 30 عاما في بعض الدول مثل الدنمارك وفرنسا. وأن هذا القيد قد عاد ليصل إلى عمر 18 عاما بعد أن وصل متوسط حياة الفرد 70 عاما، في العصر الراهن.