No Image
عمان الثقافي

هكذا أصبحت مجلة أدبية صغيرة منطلقا لكتابة أيرلندية عظيمة

26 أبريل 2023
26 أبريل 2023

قبل أن تصبح سالي روني مؤلفة لعدد من الكتب الأكثر رواجا، وقبل وقت طويل من تحول بعض كتبها هذه إلى المسلسلات التليفزيونية الصاخبة، كانت سالي رومني طالبة جامعية في كلية ترينيتي في دابلن، ولديها كومة متنامية من القصائد غير المنشورة، وليست لديها أي صلات في عالم الكتابة. صدر كتابها الأول في عام 2010، حينما وافقت مجلة «الذبابة اللاذعة» [أو ذي ستينجينج فلاي The Stinging Fly] وهي مجلة أدبية أيرلندية صغيرة، على نشر أعمال لها.

أما بالنسبة لكولين باريت، فقد جاءت هذه الانعطافة في حياته المهنية في عام 2009، بنشر قصته القصيرة «هيا نقتل أنفسنا» في (الذبابة اللاذعة). وبعد أربع سنوات من ذلك، صدرت مجموعته القصصية الأولى «جلود شابة» عن مطبعة المجلة فقوبلت باستحسان على المستوى الدولي. ومضى كولين باريت ففاز عنها بجازة فرانك أوكونور الدولية للقصة القصيرة وجائزة روني للأدب الأيرلندي.

تمثل (الذبابة اللاذعة) ما يشبه الكشف في الأدب الأيرلندي. تأسست في عام 1997 على يد ديكلان ميد وأويفي كفاناج لتكون بمثابة الوعاء لـ«كل الكتابة العظيمة الطافية هنا وهناك» حسبما قال ديكلان ميد، وحظيت بدعم حكومي وبلغت عامها الخامس والعشرين وقد أصبحت منصة انطلاق لبعض من الأصوات المبشرة، وبمرور الزمن، لبعض من أشهر الأصوات في البلد من شعراء وروائيين. وبوضعها ذلك، أصبحت أيضا موضع الصيد الرئيسي الذي يقصده المحررون في بلاد أخرى ممن يبحثون عن المواهب الأيرلندية بحث من يريدون أن يرووا ظمأهم.

في رسالة إلكترونية قالت سالي رومني إن «الكثير من أبرز الكتاب الأيرلنديين الصاعدين خلال السنوات العشرين الماضية نشروا في المجلة في مطلع تكوينهم، في ما أعتقد». ولم تزل سالي رومني على علاقة نشطة بمؤسسة (الذبابة اللاذعة)، حيث أنها رئيسة مجلس إدارتها، فضلا عن عملها محررة للمجلة نفسها في ما بين عامي 2017 و2018. (ولا علاقة لسالي روني بدان روني المدير التنفيذي الذي يحمل الاسم نفسه ويدير جائزة روني).

وبعيدا عن إتاحة المجلة فرصة النشر، قال كولين باريت إن (الذبابة اللاذعة) قدمت أيضا للكتاب الجدد شبكة من الأنداد، فكان في هذا شكل آخر من أشكال الدعم. «فالمجلة هي التي قدمتني فعليا للمجتمع الأدبي. ولم يكن قد سبق لي مطلقا أن قابلت كاتبا حتى ذلك الحين. كان ذلك أمرا بعيد المنال، لم يحققه بصفة أساسية غير الموتى» كما قال كولين باريت.

ولقد كان ذلك الوسط الأدبي شيئا تحتم على ديكلان ميد نفسه أن يبحث عنه. هو خامس من ولد من ثمانية أشقاء في أسرة مزارعين في بلدة (أردي) التي يبلغ عدد سكانها آلافا قليلا في مقاطعة (لاوث)، وكان ديكلان ميد أول من يحصل في أسرته على شهادة جامعية، فقد حصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة أولستر في (كوليراين). لكن بفضل كتاب من أمثال جون شتاينبك وأليس مونرو، عرف ديكلان ميد أنه يريد أن يعيش للأدب. ولما لم يكن له هو نفسه من دراية بعالم الأدب، فقد رحل عن أيرلندا ليعمل في متجر مستقل لبيع الكتب في أطلنطا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد قضائه سنة في ذلك، رجع ديكلان ميد إلى أيرلندا ليحصل على وظيفة في مركز جيمس جويس في دابلن، وانضم إلى قليل من الجماعات الأدبية. وحدث في ذلك الوقت أن التقى بعدد لا يصح أن يوصف بالقليل من الكتاب المتميزين الذين كانوا يعانون من نقص الفرص المتاحة للمبتدئين. ومن الحوارات التي دارت بينهم ولدت مجلة (الذبابة اللاذعة). (وقد ساعدت أويفي كفاناج في تحرير العددين الأول والثاني ثم تركتهم من أجل التفرغ لعملها في التدريس).

قال ديكلان ميد بتواضع يعد من سماته «يخيل لي أن ما كنا نقوم به كان ثوريا بعض الشيء أو فريدا. لم يحدث إلا حينما بدأت القيام بذلك أن نظرت حولي أكثر قليلا فرأيت أن المجلات الأدبية لها شأنها».

وبغض النظر عن مسألة البراعة، من المؤكد أن النتيجة النهائية كانت خيرا على لأدب الأيرلندي. فبرغم أن المشتركين في (الذبابة اللاذعة) لا يتجاوزون الألف، وبرغم أن إجمالي توزيعها يقارب الألفي نسخة، فقد أثبتت أنها منصة انطلاق ممتازة للكتاب الناشئين.

قالت ليزا مكينيري التي تولت منصب محررة المجلة في العام الماضي «إننا نريد أن نكون تمثيلا لما يجري حقا في الكتابة الأيرلندية، ونريد أن ننشر في كل مرة تشكيلة متنوعة قدر الإمكان». كان ديكلان ميد قد تنحى عن مهام التحرير في عام 2017 ليركز على العمليات التجارية، فدارت عجلة المجلة من خلال بضعة رؤساء تحرير لفترات قصيرة من ذلك الحين كانت من بينهم سالي روني.

وبالطريقة نفسها، أصبحت (الذبابة اللاذعة) مقصدا للمحررين الباحثين عن مواهب جديدة. قالت كاتي ريسيان كبيرة المحررين في دار جروف أطلنطيك الأمريكية التي عملت أخيرا على «الحنين إلى الوطن»، وهي المجموعة القصصية الثانية لكولين باريت «لقد قصدتهم فعلا من أجل البحث عن أصوات أيرلندية جديدة مثيرة للاهتمام. وحينما يعثر المرء على كاتب من كتاب (الذبابة اللاذعة) فإنه يحصل على شيء مثيرا فعليا للاهتمام، سواء على مستوى الخط الدرامي، أو على مستوى القصة إجمالا، والشخصية، وهذا واضح».

تيسر عمل المجلة من خلال دعم مضمون من الحكومة. فقد كان ولم يزل (مجلس الفنون)، وهو هيئة حكومية أيرلندية، داعما لهذا المنبر منذ عام 1998. إذ خصص المجلس لـ(الذبابة اللاذعة) مئتي ألف دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة على ما يقدر بمئة وثمانين ألف دولار أمريكي منحها للمجلة في عام 2022. كما أن المجلة تتلقى دعما من مؤسسة تي إس إليوت الخيرية منذ عام 2021.

أشادت أودري كين، المديرة الأدبية في (مجلس الفنون) بـ(الذبابة اللاذعة) لجهودها في معالجة مسائل مكافآت الكتاب وأوضاعهم. ففي عالم المجلات الأدبية البخيلة في الغالب من الحالات، تقدم المجلة مكافآت سخية قد تصل في حالة الأعمال الخيالية وغير الخيالية إلى 1300 دولار أمريكي للنص الواحد.

ما من إجابة بسيطة للسؤال عما تبحث عنه (الذبابة اللاذعة)، وديكلان ميد بصفة خاصة، في القصيدة أو القصة. تمهَّل ديكلان ميد طويلا ثم أجاب عن هذا السؤال بقوله إن «الشيء الأساسي الذي أبحث عنه هو الإثارة، هو الإحساس بأنني أمام شيء لم أقرأ له مثيلا من قبل، شيء يعكس تناولا فريدا للعالم».

ثمة تفسير أفضل لبراعة ديكلان ميد، لكنه لا يأتي منه شخصيا، وإنما من أولئك الذين لامس كلماتهم. قال كيفين باري وهو من كتاب (الذبابة اللاذعة) المخضرمين في رسالة إلكترونية إن «ديكلان ميد محرر شديد البراعة للخط الدرامي، وقارئ شديد الدقة، لكني أعتقد أن ملكته الجوهرية بوصفه محررا هي الذائقة».

في عام 2004، قال كيفين باري إنه تقدم إلى ديكلان ميد بنصف دزينة من القصص القصيرة، فرأى ديكلان ميد أنه بزيادة عدد قليل يمكن أن يكون بين يديه الهيكل العظمي لمجموعة قصصية. وبعد ثلاث سنوات صدرت هذه المجموعة وعنوانها «ثمة ممالك صغيرة» عن (مطبعة الذبابة اللاذعة) وفاز كيفين باري عنها بجائزة روني برايز، ويقول ديكلان ميد إنها لم تزل أكثر الكتب رواجا من كل ما أصدرته المطبعة.

قال كيفين باري «إنه [أي ميد] يدرك اللحظة التي يبدأ فيها كاتب في المضي قدما في ثقة، فيحاول أن يساعد بما يقدمه من دفع».

يتحاشى ديكلان ميد ذكر غريزته الثقافية الجيدة، أو مكانه من المشهد الأدبي الأيرلندي. غير أنه لا يجد غضاضة في ذكره أن بعض خياراته المهنية قد أصابت بعض أصدقاء له بالحيرة.

قال «ثمة رد فعل شائع أتلقاه من بعض الناس وهو أنهم يندهشون. فيقولون تنويعات على «ألا تزال تقوم بهذا؟»» ويقهقه مضيفا «أجد في هذا كأنهم يقولون «أليس أمرا عظيما أنك تقوم بهذا، وفي الوقت نفسه، أليس جنونا صرفا أنك تقوم بهذا؟»».

أحمد شافعي شاعر ومترجم مصري