عمان الثقافي

نوافذ ملتهبة بالزرقة

23 فبراير 2022
23 فبراير 2022

1 ـ حيرة

ماذا سأقول عنك أيها الموت

اليد اليمنى

التي تزرع أزهارا كثيرة

فوق البحيرات

أم اليد اليسرى

التي تصنع الغموض

شجرة زيتون

في حديقة قرب النهر

أم صحراء جارحة

تزبد بالمخاوف والبعيدات

نرجس

من قمر العشاق

أم نار خلفها الغرباء

يسقطون في الهاوية

فرح الأطفال

وهم يرسمون ألوان الفراشات

أم غربة القبطان

بين أسراب الضباب والجليد

الليل

مأخوذا بالنوافذ الهائمة

أم ضراوة الشمس

في وجوه العائدين من الحرب

أنت الذي وزعت قدرا كبيرا

من الثنائيات في أرواحنا

وها نحن الآن

كذاكرة الطيور

نفكر في نجمة بعيدة

من شدة الحزن

2 ـ النجوم

النجوم

ليست الرخام الأسود

ولا حكايا الغربان

المبعثرة في الشوارع والحدائق

ليست ما يدلنا على الرمال

ولا الأمطار التي تغطي

نوافذ الرماد

ليست موسيقى الثعالب الضريرة

ولا الذين يؤمنون أن الحياة

نبيذ وأغنيات

النجوم

أولئك الذين لم تربكهم

الأساطير والصحاري

وأربكتهم

صيحة طفل وحيد في جبل

كأنهم طيور برية

تدرك الرحيل

وتدرك

كيف ترصد أشرعة الغياب

النجوم

جنود ينظرون إلى أجسادهم

بعد معركة طويلة

و يهمسون

لماذا كل هذا الأفق الأحمر

لماذا أطعنا نمور أرواحنا

و قسونا على الأرض

3 ـ الحنين

مشيت كثيرا إلى قلبها

دون أن تحضنني البيارق والطيور

أطلقت صرختي وحيداً

وتدثرت بالأحلام

رسمت نجمة في سماء

وقوسا في بحيرة

علني أراها ثانية

هائمة كالنهر

تجوب الشوارع

بقلب مسكون بالحنين

ومنفطر بالتوجس

4 ـ غرباء

غرباء

منفيون

لا وطن يظللهم

ولا الأيام ترعاهم

عذاب أينما حلوا وكانوا

يذرفون الوقت منكسرين

كالأشجار في نار العواصف

غائبين عن الشموع

وتائهين عن الحدائق

كيف ندركهم

وكيف نعيدهم للظل

ليس لهم بياض في الجهات

يراودون الغيم

من جرح إلى جرح

ومن جمر إلى جمر

لعل العشب ينبت في خطاهم

أو يدا خضراء تدرك سرهم

غرباء مثل النهر

ينحدرون للمنفى يتامى

تبرق الأحزان في أعماقهم

وتشدهم نحو الظلام

إلى الحياة بثقلها وغموضها

وهديرها الضاري

إلى قصص الذين تبعثروا في الوهم وانتحروا

إلى سرب من الجرحى

وأصحاب الحنين

إلى ملاذ حارق فوق السطوح

إلى رماد الذكريات

إلى غزال شاخص في القفر

لا يدري طريق النبع من هول السراب

إلى جنود

يذرعون الأرض حقدا

يبحثون عن الزنابق والدماء

إلى نوافذ تصطلي بقساوة الماضي

إلى مدن الرمال

إلى قرى مهجورة خلف الجبال

إلى ازرقاق الدمع من فرط الكآبة والنواح

إلى شوارع

تسرح الغربان فيها كالذباب

إلى الذين تبددوا

وتوحدوا بالريح والأفق الغريب

إلى صواري الأبرياء

5 ـ الحلاج

لم يكفر بالسموات

ولم يتشبث

بالقلوب الضيقة والوحول

كان يتوكأ على قصائده

كي يكون إلها آخر

للذين لم يتحرروا من هواجسهم

وظلت الأوهام الشقية

تطاردهم للأبد

أولئك الذين تفجرت أحلامهم

بعيدا عن الأرض

وتغربوا في المرايا

كان يراقبهم ملتهبا كالنورس

حين لا يجد أحدا

يقاسمه عذوبة الرمل

وزرقة المحيطات

كان يتبعهم

يشبه أسرارهم

يشبههم

في التشرد والغياب

والكلمات التي تتحدر خفافا

نحو الوهم

في الأفق المضطرب

والزورق المسافر

إلى نواحي الأبدية

إسحاق الخنجري شاعر عماني