عمان الثقافي

نصان قصصيان

30 أغسطس 2023
30 أغسطس 2023

1- اضغط لايك

بعين واحدة في الظلام رأيتهم يمزقون الدعايات الانتخابية ويضرمون النيران فيها، لم يغطوا وجوههم، لم يعد هناك خوف.

قصف روسي عنيف، انفجارات مدوية وأوكرانيا تدخل في حُلوكة، مشهد مجتزأ من أفلام مارفل.

عجوز إيطالية محدودبة الظهر تفرد عجينة باستا بعصا طويلة غليظة. لديها وقت إضافي في الدنيا لتفعل كل شيء بتمهل. طوبى لها سعة البال.

قطط صغيرة تموء خلف المرضعة.. تبولة.. كنافة كيتو.. رجل ملتح يؤكد أن لدى المرأة غدة طبيعية تمنعها من قيادة السيارات!

كافكا وديستوفسكي ونيتشه تحولوا إلى اقتباسات وشذرات. مراهقة مليئة بالثقوب تزيد الثقب العاشر في منخارها وتضع به قرطاً، ريف النمسا الساحر.. سمك مشوي... شاب يعرض مهاراته الإلكترونية وكأنه اخترع «تشات جي بي تي» أو طوره.. فخذ عجل ممدد على طاولة مطبخ.. الرئيس الأمريكي يخطب... كيف تحل مشكلة مرحاض فائض.. بقايا قهوة تتساقط ببطء من ماكينة الاسبريسو.. موسيقى حالمة.. علاج طنين الأذن.. خواطر أمل السهلاوي عن الوحدة والعزلة والانكماش الذاتي.. شاب وسيم يستعرض سيارة بانتلي فاخرة في دبي.. مستثمر خليجي ابنته ترتدي بيجاما يحث على التجارة الإلكترونية ويبسط مشاكل العالم الاقتصادية.. أحذية وحقائب جلدية تسر الناظرين من على اكسبريس.. رجال حول الشاورما والكباب.. مجموعة من أنصار البيئة ينامون على الطرقات ويغلقونها.. رئيس عربي ميت.. دجاج بالكيوي في الفرن.. رئيس عربي على قيد الحياة.. مطربة غير معروفة تغني في حفل غير معروف.. حادثة سطو على بنك تشبه حوادث قديمة لم تقبض فيها الشرطة على اللصوص رغم تصويرهم!

مرشدة في الوعي والتشافي وفتح الشاكرات تمارس طقوسها البلهاء.. وجهها طويل.. ماجدة في ملابس السباحة ترقص على البحر، لا أحد معها، الهاتف يصورها، ربما عادت هي وأحمد للعراك.. ورق عنب وأم علي .. رسالة متأخرة من ابني: لم أرد عليك، أنا مريض، لدي إسهال.

فناجين قهوة وكابوتشينو بجوارها كتب وأيدي فتيات ناعمات.. شاورما أسياخ.. تبولة.. خبز إيراني بالحبة السوداء.. سراويل مطاطية غير قابلة للتمزق.. اليوم العالمي للغة الأم.. إيمان تخشى الإقصاء من وظيفتها بالذكاء الاصطناعي. ادع الله أن يكون كبقية الاختراعات، دخلت العالم العربي بعد أن صارت قديمة في عالمها

اضغط داون لود..

زوجي ينقلب على ركنه في الفراش، يتوقف عن الشخير مؤقتا.. يسألني نائما

كم الساعة؟

أجيب بهمس: الخامسة فجرا

كأن عليه الإجابة يقول: مازال الوقت باكرا

أغلق الجوال، أضعه جانبا.. أغلق عيني كذلك.. مازال الوقت باكرا.. عيني الثانية على أي حال كانت مغلقة، ما زالت قابضة على حلم البارحة.

لم يكن حلما مثيرا، كان عاديا، كأننا في عام 1970 ونحن ما زلنا أطفالا وليس لنا من أشياء غريبة سوى هاتف أرضي وتلفزيون. أمي تدق شيئا في هاون النحاس وجدتي تطير وأنا وأخوتي طيلة الحلم ندخل من سماعة الهاتف ونخرج من التلفزيون، والجيران يحملون إلينا صحنا من الطعام

تنهدت.. آه ليت ذلك الزمن يعود

لكن الذي عاد هو شخير زوجي.

اليوم جمعة

في بعض الأماكن سيكون إجازة وبعضها لا.

زوجي لا يتنازل عن عادته لغداء الجمعة «رز وعصبان» حتى في أوروبا نقل تقليد الجمعة هنا إلى الأحد هناك.

سأقنعه بزيارة أمه وتناول الغداء معها.. أساسا هو لا يراها إلا مرة في الأسبوع.. ليس لائقا أن يزورها أشقاؤه وهو لا.. حرام امرأة مسنة قد تموت في أي لحظة.. ربما يقولون بأنني أمنعه عنها، يجب إغلاق الفتحات التي يدخل منها الشيطان.

سيقضي الأولاد يوما عائليا رائعا مع جدتهم وأبناء أعمامهم.. سنصور الغداء واجتماعنا العائلي الجميل، سنصور سيلفي لنكون جميعاً في الصورة.

اضغط لايك حين ترانا مجموعين من فضلك.

جمعة مباركة.

2- المتلصص

دخلت المكتبة صباحا ومكثت بها ساعتين. اتصلت بالسباك ما أن غادرت، لديها تسريب في الحمام.. أعطت درسا لأحد الأجانب ليلا ثم خلدت للنوم ولم تقترب من الهاتف إلى اليوم التالي.

صباح اليوم التالي قلبت الهاتف ما أن صحت من النوم، الهاتف كماشة مع كثرة التطبيقات الذكية، ما لم يحرر الإنسان نفسه منه سوف لا يتركه الهاتف حتى لو توقفت الحياة في بطاريته.

ذهبت للسوبر ماركت وتبضعت، كالعادة أعرف توجهها في الأكل، لا سكر، لا دقيق، لا مواد مهدرجة. دفعت الحساب عن طريق أبل باي.. مشت في الحر نصف ساعة، احترق رأسي تحت الشمس وهي تقرأ مقالة عن «علي الوردي»، لم تدخلني معها للحمام عند الاستحمام.

نشرت بعض المواد على الانستجرام، كانت تقضم تفاحة، الميكروفون دقيق في تحديد الأصوات، لا مجال للتفكه. ما أن التقطتُ كلمة أحذية وملابس من إحدى مهاتفاتها حتى سارعت بوضع ما في جعبتي أمامها كلما طرفت بعينيها وجدت محلا للأحذية، والأحذية استدرجت الحقائب كذلك والحقائب استدرجت المكياج والعطور ومواد الزينة والأواني ودواليب المطبخ وشراشف النوم وأقراط الأميرة ديانا ومتجر إيكيا وسيارات تيسلا..

ليس للأمر نهاية، صحيح أنني في إلحاحي أكون أسوأ من بائعات المحلات الإيطالية اللائي يطاردن الزبائن وكأنهن شرطة، لكنها التجارة السائلة وهكذا تستخرج النقود من مخابئها بالإلحاح.

سمعت صوت ارتطام في المطبخ، للوهلة الأولى ظننته صوت صنج عسكرية تمر من الشارع ثم تبينت أنه غطاء حلة من طاقم طهي صناعة تركية، استطيع تمييز رنته وصداه. يباع في بعض المتاجر الإلكترونية في الشرق الأوسط وحاصل على تقييم جيد. التقييمات مخادعة في العالم الافتراضي، غالباً ما يصنعها أصحاب المنتج نفسه إذا كانت مرتفعة، أما إذا كانت منخفضة فغالبا هي من صنع المنافسين والخصوم، أستطيع اكتشاف ما إذا كانت تقييمات الحلة مفبركة أم لا بتتبع حسابات المقيمين وتحديد مواقعهم في الشرق الأوسط والخليج.

سألها ابنها من الحجرة المجاورة: ماذا طبختِ؟ فقالت: فاصوليا بلحم الخروف، هوووبا سرعان ما وضعت موادَّ دعائية تتعلق بالفاصوليا واللحم والحلة والمطاعم والغناء والمسلسلات والسياسة والانتخابات التركية حتى جلبت لها كل ما هو تركي ثم توسعت وعرضت أطعمة أفغانية بمناسبة متابعتها لتقرير عن سياسة طالبان مع النساء في أفغانستان ودنو المواضيع من بعضها بعضا.

أخرجت لها منتجات تتعلق بالثياب بعد أن بحثت عن محل أقمشة وخياط قريبا من بيتها، كانت تستعد لمناسبة سأميز ما هي من حديثها للخياط إذا أخذتني معها وهي لا محالة ستأخذني.

جلست في مقهى باباروتي، شربت قهوة ولم ترتشفها ارتشافا، هي ليست مثقفة وفقا لمعايير ارتشاف القهوة في السوشال ميديا. شربتها دفعة واحدة ووضعت الفنجان على الطاولة، واستغرقت في القراءة.

شفتاها ما زالتا من دون عمليات تجميل، من التعامل مع القهوة أستطيع أن أسمع وأرى وأميز. إنه الوقت المناسب لطرح عروض عمليات شد الوجه وتعديل الأنف ونفخ الشفتين..كثرة الطرق ستجعلها تصحو وإن كانت الآن لا تبالي بعمليات التجميل.

تصفحت مجلات أدبية واختارت بودكاست للاستماع إليه خلال المشي، عادة لا أستطيع سماع أصوات خارجية إذا ما كان هناك بودكاست أو موسيقى تعمل في خلفية الهاتف،الكثير من البودكاست، والكثير من المحاضرات الفلسفية على اليوتيوب. شبعت حد التخمة، قطعت حلقة البودكاست لتسجل رسائل صوتية لرجل بعيد تربطها به علاقة خاصة جدا.

اليوم التالي انتظرت قدوم شخص عزيز في المطار، تأخرت طائرته ساعة فجلست تنتظره وتقرأ.. احتضنت الشخص القادم وتبادلا كلمات بالعامية الليبية لم أتوصل لفهمها، الليبيون نبت غريب يتحدثون لهجة لا يفهمها حتى الشياطين العرب.. أنا لست شيطانا ولا عربيا ولم أفهمها!

الساعة الواحدة ظهرا دخلت مطعم الوجبات اللبنانية، اجتمع على طاولتها أدباء وكتاب، معظم الجلسات تقول فيها قولا لينا أو تستمتع للنمائم وتصنفها بـ «مشهد ثقافي عربي» التقت صديقة جزائرية ودودة وذهبت معها لشاطئ الفيرمونت مرتين، الصديقة تسبح بينما تجلس هي عند الشاطئ تتبادل معها الأحاديث وتلتقط صورا وتتصفح الإنترنت. لا تحب السباحة منذ أول «تغطيسة» لها في حوض غسل اليدين في المستشفى عند ولادتها.. جبانة بدلا من أن تكره الإهمال الحكومي كرهت السباحة في الأحواض المغلقة والمفتوحة.

بعد الظهر جمعت أشياءها من الفندق وتركت شعار اتحاد الكتاب الذي أهداه إياها الاتحاد، الشعار وزنه ثقيل جدا ويصعب حمله في المطارات ويكلف الدفع عليه الكثير.. صوت الرجل الذي يشاركها غرفة الفندق يسألها لماذا تتركينه؟

تجيبه: وزنه ثقيل، لو أعطوني بدلا منه جهاز كيندل أو هاتف أو أيباد أحتاجه لعملي ككاتبة كان أجدى لهم ولي.. عصر الشعارات انتهى.

في الطريق لم تكلم أحدا، لم أستطع قراءة أفكارها، لم أستطع اختراقها ومعرفة ما يدور في نفسها. لم تكن نائمة كانت تفكر.

توقفت البطارية لكني لم أتوقف عن عملي، فالشركة صممتني بخواص أستطيع العمل فيها عند انقطاع الكهرباء والإنترنت وتوقفت أنفاس صاحبي. طريقة لا يعيها مستخدمو الهواتف الذكية.

يوم الأحد ركبت الباص وكان كل شيء اعتيادياً لكنها حين نزلت من الباص نزلت ذكرا وهو أمر مريب!!

تخشن صوتها بعد لحظات وقويت قبضتها وتغيرت رائحتها، بل إن اهتماماتها ما عادت هي اهتماماتها!

في المساء بدأت دخول مواقع سيارات السباق الصحراوية والدراجات الهوائية، وصار ديدنها لأيام هو الفرجة على المصارعة وأفلام الرعب وتمضية النهار نائمة. أصابتني البطالة.

أصبح الحديث عن المخدرات والنساء والمواعيد الغرامية على الوتساب!

حاولت استيعاب ما يحدث.. فجأة أصبحت متحولة، دخت قليلا، كلا بل دخت كثيرا، لماذا انقلبت اهتماماتها؟ لماذا تغيرت كلية؟ لماذا ظهرت لي شخصا مختلفا تمام الاختلاف؟

يوم الأحد قبضت الشرطة على الرجل الذي سرق الهاتف وأعادوني إليها.

أوووف.. عدت لعملي الأول، واليوم بدأت جمع وتصحيح البيانات من جديد.

حمدا لله على سلامتي.