No Image
عمان الثقافي

عن التوازن

28 ديسمبر 2022
28 ديسمبر 2022

في اللحظة التي نعتقد فيها أن الراقص الصوفي قد بدأ يفقد توازنه وهو يدور حول نفسه يكون، في الحقيقة، قد وصل إلى مرحلة التوازن بين جسده والمحيط الذي يدور فيه، واتحد في ذات الله بالعلم والرؤية والوصال. إن ذلك المشهد يشبه دوران الكواكب السرمدي حول الشمس في اتزان دقيق لا مثيل له أبدا. إن الراقص الصوفي الذي يدور حول نفسه حتى بلوغ مرحلة التوازن يعتقد في داخله أن هذه الحياة مختلة التوازن، وهو يبحث عبر ذلك الدوران إلى إعادته أو إلى صناعته عبر فكرة الدوران. وفكرة البحث عن التوازن فكرة فلسفية قديمة قدم الإنسان الذي بحث عنها عبر الكثير من الأنظمة، فشكل العائلة ثم شكل القبيلة ثم المجتمع ثم الدولة وفي كل هذه الأنظمة كان يبحث عن التوازن الجمعي الذي يمكن أن يحقق التوازن الفردي. وبحث الإنسان عن التوازن لم يبقَ في سياق الأنظمة الاجتماعية أو السياسية بل بحث عنه في الأيديولوجيات، في الدين وفي الفكر وفي الخطابات التي تفرزها المراحل الإنسانية المختلفة.

لكنّ فكرة تحقيق التوازن المطلق تبدو بعيدة المنال، فرغم أن الإنسان استطاع أن يبني المجتمعات والدول والكيانات السياسية الكبرى إلا أن ذلك عاد وحرك في داخله صراع «الهُويات» القابعة في دواخلنا لأسباب كثيرة نفسية ربما أو اجتماعية، ومع الوقت تحول الصراع الواحد إلى صراعات متعددة ومن منطلقات كثيرة.

في هذا العدد من «ملحق جريدة عمان الثقافي» نفتح ملفا حول «التوازن» في الكثير من مجالات الحياة، فيكتب الدكتور سعيد توفيق مقالا حول «الانسجام والتوازن الجمالي» متأملا فكرة التوازن كما عبرّ عنها القدماء في فكرهم عن الكون الذي شغلوا به منذ عهد طاليس أول الفلاسفة لدى قدماء اليونان. كما تأمل التوازن وفق نظريات فيثاغورث الذي رأى التوازن في الكون من خلال حركته المنتظمة رياضيا وفقا لحركة الأفلاك ودوران الأيام والشهور والسنين. ويكتب الدكتور حسين العبري مقالا حول «التوازن النفسي» مناقشا فكرة التوازن النفسي منذ نظرية المزاجات التي تسيّدت الطب القديم والتي ترى أن البدن يتكون من أربعة سوائل هي: البلغم والدم والسوداء والصفراء، وأن توازن الجسم لا يتحقق إلا بتوازن هذه العناصر ووئامها. ويكتب الدكتور عبدالإله بلقزيز مقالا بعنوان «من أجل التوازن في العلاقات الدولية»، متتبعا انهيارات التوازن العالمي خلال القرنين الماضي والحالي مقترحا بعض الحلول من أجل أن يعود التوازن السياسي للعالم المتصارع. ويترجم أحمد شافعي مقالا للكاتب أوليان كرايوتويس بعنوان «الاعتلال.. أشق الفضائل وأجزاها» معتبرا أن الاعتلال «عدم التوازن» يشكل تراثا فكريا متماسكا ومتنوعا بل هو عقيدة قتالية ناجحة تترك المجال مفتوحا للحوار مع الملتزمين بالحفاظ على القيم الأساسية في «مجتمعنا الديمقراطي».

وتكتب بسمة شيخو عن «التوازن في الفن التشكيلي: سير على حبل دقيق». ويكتب الدكتور الهواري غزالي عن «التوازن وكيمياء التراكيب بالعدل».

وفي العدد الكثير من المقالات الثقافية والفكرية والحوارات والنصوص الشعرية والإبداعية.