8798798
8798798
عمان الثقافي

حياتي مع كورونا وباحثيها «1»

26 يناير 2022
26 يناير 2022

الترجمة عن الألمانية: محمود حسنين -

في مقدور المرء أن يكتب بجائحة أو بدون جائحة. منذ عام يجلس باحثو الجوائح معي على مائدة الفطور. في الحقيقة، هم من يجلسون على مائدة الفطور، بدوني، ويجب عليّ بعدها أن أكنس ما يخلفونه من فتات. نفد الحليب والبيض والخبز. أتى باحثو الجوائح على كل مخزوني، ولا يفكرون قط في التبضع.

على باحثي الجوائح أن يتقدموا في أبحاثهم، خصوصًا في زمن الجائحة. أتفهّم ذلك تمامًا. أغادر الشقة، فيهتف باحثو الجوائح خلفي: ارتدي الكمامة! في بداية الجائحة كنت أظن أن الكمامة حيلة من حيل باحثي الجوائح: يريدون أن أتركهم وشأنهم في مطبخي، كي يواصلوا بحوثهم. أي كلمة منّي – رغم أنني نادرًا ما أبدي اعتراضًا – تنتزعهم من تركيزهم في أبحاثهم.

يقيم معي اثنان من باحثي الجوائح: امرأة ورجل، زوجان باحثان من باحثي الجوائح! خصصت مدينة ڤيينا باحثًا لكل مواطن. حصل البعض على عالم فيروسات والبعض الآخر على باحث في حساب الاحتمالات. واحدة من أعز صديقاتي كانت سيئة الحظ جدًّا. انتقل للسكن لديها باحث في المستقبليّات. كان هذا الباحث يعرف قبل الجائحة كيف سيتغير مجتمعنا بعد الجائحة. ومنذ ذلك الحين صار لا يُطاق، فهو لا يسمح في الوقت الحاضر بأي انحراف عن توقعاته (السابقة).

اشتكت لي صديقتي قائلة حقيقة أننا – كما توقع هو نفسه قبل عام في مقال مُفَصَّل عن مستقبل مجتمع ما بعد الجائحة – سنتعلم من الجائحة الكثير عن أنفسنا كبشر، لا تنطبق عليه بوصفه باحثًا في المستقبليّات. في ظروف أخرى، غير ظروف جائحة عالمية، كُنّا، صديقتي وأنا، سنتواعد على فنجان قهوة في مقهى يلِنيكْ، ونفضفض عن أنفسنا.

يهتف باحثا الجوائح من مطبخي: تولولين من أجل أمور تافهة! أما نحن فمشغولان بجائحة عالمية لن تتركنا السنوات والعقود القادمة. أردّ عليهما قائلة: وأنتما أيضًا تولولان كثيرًا. إلا أنهما ينكبان مرة أخرى على أبحاثهم غير عابئين بي.

باحثة الجوائح، التي لم تذهب إلى الكوافير منذ ما يزيد على العام، تغرز أصابعها في شعرها شديد الطول وتستغرق في التفكير. ويجهد باحث الجوائح عقله في التفكير وهو يعض في قلمي. أتساءل إن كان هذا السلوك سليمًا من منظور نقل الفيروسات، وأكبت قشعريرة خفيفة. أعد قهوة في المطبخ بهدوء، وأسألهما بصوت هامس إن كانا يريدان فنجانًا. يومئ باحثا الجوائح بالإيجاب، وكأنه أمر بديهي.

أهمس: حسنًا، فهما يؤديان عملًا جليلًا. يومئ باحثا الجوائح مرة أخرى، ويصبان فنجان قهوة، ثم فنجان ثانٍ وثالث. أغمغم بنبرة عدونية دفاعية: خذا بالَكُما مني ولو قليلًا!

يرفع باحثا الجوائح أعينهما عن رسومهما البيانية ويسددان إليّ هذه النظرة التي أعرفها جيدًا. نظرة عدوانيّة أيضًا ولكن هجوميّة، تطرح سؤالًا صامتًا: هل أنت ممن يعملون في وظائف حيوية للنظام؟

طفّشا صديقي بهذه النظرة. كان قد شرح لهما، وكله أمل وتفاؤل، أهميته للنظام زائد مرونته ناقص قابليّته للإصابة، فاكتفى باحثا الجائحة بهزِّ رأسيهما، وأطلقا لسانيهما بكلمات مدمرة مثل كلمة «رذاذ».

لم أعِ أننا البشر مثل قذائف فيروسات إلا منذ انتقل باحثا الجوائح للإقامة معي، وأخذا يواجهاني بهذه الحقيقة يوميًّا. لم يغادرا البيت – كي يحميا نفسيهما ويحمياني – منذ أكثر من عام. عندما سألتهما عمّا يُسمى بـ «الصلة الوثيقة بالعالم»، التي يُطالب الأدب الروائي بالحفاظ عليها، قالا إن نتائج أبحاثهما تستند إلى الميكرسكوب في النطاقات الصغيرة، والاستقراء في النطاقات الكبيرة.

ثم أضافت باحثة الجوائح بنبرة لائمة: على ذكر الاستقراء، عندما أتأمل الحياة الداخلية لثلاجتك، أعرف أن المواد الغذائية في هذا البيت ستنفد بعد غد بحد أقصى. فيقول باحث الجوائح مصححًا ومحذرًا، وهو يتناول آخر قطعة كعك: بل غدًا بحد أقصى.

أخشى أن يعودا للاختلاف، وأتساءل بآخر ما أملكه من شجاعة، قبل أن أغادر الشقة هاربة في اتجاه السوبرماركت، إلى متى سيقيمان لدي. يقولان في نفس واحد: يتوقف الأمر على الأسبوعين القادمين، فهما أسبوعا الحسم.

تريزا پرياور من مواليد 1979 في مدينة لينتس بالنمسا. تعيش حاليًا في ڤيينا وتمتهن الكتابة والفن التشكيلي. درست آداب اللغة الألمانية وعلومها وفن الرسم في برلين وزلتسبورج وڤيينا. صدر لها عدة أعمال أدبية، منها «إلى سيد ما وراء البحار» 2012 (تُرجمت إلى العربية وصدرت في عام 2015 عن كلمة أبوظبي)، و «جوني وجون» في عام 2014، و «السعادة حبة فاصوليا» في عام 2021. وحازت عدة جوائز، منها جائزة أسْبِكْتَه لأفضل عمل نثري أول لكاتبه في عام 2012، وجائزة إيريش فريد في عام 2017.

مترجم عن جريدة فالتر النمساوية