عمان الثقافي

حمى أفلام نهاية العالم وكورونا

23 فبراير 2022
23 فبراير 2022

«العيش من خلال موت المرء، وأكثر موت المدن، وتدمير البشرية لنفسها».

سوزان سونتاغ 1965

سنشهد في الفترة القادمة تزايدا في تقديم أفلام عن تأثيرات أمراض الفيروسات بشكل خاص على حياتنا، إلا أنه يرجح أن تغلب على هذه الأعمال معالجة موضوعات: العزلة، العلاقات الأسرية المعقدة

يحتاج الناس في هذه المرحلة أن يشعروا بأنهم منفصلون عما يحدث بالفعل في حياتهم جراء تأثرهم بالجائحة، مما سيخلف بعد التعافي من الجائحة نهما للاقتراب أكثر من القصص الإنسانية التي خلفتها

منذ بداية تفشي وباء كورونا قدمت وسائل الإعلام المختلفة سرديات مروعة عن نهاية العالم مستقاة من الكتب والأفلام، إذ شكلت هذه التمثيلات الفنية وسيلة لمواجهة ما يحدث لنا وإمكانية أن نشارك فيه، كما تقول أستاذة الفلسفة بجامعة شيكاغو أجيس كالارد: إننا بذلك نستخدم قبضتنا الخيالية على الشر لا لأننا نريد الهرب بل نريد أن نكون هنا الآن حتى لو كان ذلك مؤلمًا.

يطلق على الأعمال التي تعتمد ثيمتها على انتشار الكوارث والأوبئة ونهاية العالم أفلام Apocalypse هذه الكلمة قادمة من سِفر الرؤيا، إذ ينتهي الإنجيل بتقديم صور مختلفة عن نهاية العالم (أهوال القيامة)، إلا أنها فقدت دلالتها الدينية مع القرن العشرين، فباتت تعبر عن سيناريوهات نهاية العالم المختلفة، و«أبوكاليبس» مشتقة من الكلمة اليونانية apokaluptein التي تعني «كشف» أو «إظهار»، أو «الرؤيا» حسب الترجمة العربية للكلمة في عنوان سفر الإنجيل، وتشير لانحدار العالم وقيامته من جديد وفي ثقافة وأفلام الأبوكاليبس التي نعيش فيها يشير هذا المفهوم إلى: الخوف من الموت، والأمل بميلاد جديد. وكان أول استخدام رسمي لها في فيلم «فرسان الأبوكاليبس الأربعة» Four Horsemen of the Apocalypse الذي أنتج في 1921

يترجم الكاتب السعودي طارق الخواجي وهو كاتب سينمائي مفردة «الأبوكاليبس» للأخروية ويستند على تفسير أنها التسلسل المتتابع للدمار الكوني ويمكن القول: إنها تعني «كسر جوهري لطبيعة الأشياء».

يقول الخواجي لـ(ملحق جريدة عمان الثقافي): إن لأفلام «الأخروية» أي أفلام نهاية العالم سطوة كبيرة بالفعل، ونما مؤخرًا اهتمام متزايد بتجسيد حالة من العنف الممارس على شخصيات سينمائية عديدة كما في فيلم (A Quiet Place) الذي عرض عام 2018 يصدر فيها الشر من إنسان آخر، إلا أننا سنشهد في الفترة القادمة تزايدًا في تقديم أفلام عن تأثيرات أمراض الفيروسات بشكل خاص على حياتنا، إلا أنه يرجح أن تغلب على هذه الأعمال معالجة موضوعات: العزلة، والعلاقات الأسرية المعقدة، والكآبة وغيرها من الظواهر الاجتماعية التي لازمت فترة معايشتنا للجائحة. ينوه الخواجي في حديثه معنا أثناء إجراء هذا الاستطلاع لفصل كتبه في كتابه «قلعة الأنمي» بعنوان: (بانتظار نهاية العالم «الأخروية») وبالعودة لهذا الفصل نقرأ كيف أن المفهوم الأخروي ليس حكرا على الأنمي، بل يعد ثيمة أساسية في أي إنتاج ثقافي فاعل في العالم اليوم، وبحكم اهتمامه الخاص بـ«الأنمي» فليس هنالك موضوع يشكل هاجسًا مسيطرًا على الرسوم المتحركة اليابانية غير نهاية العالم أو انتظارها. وعن الكم الضخم من الرؤى الأخروية التي تجتاح السينما والأدب يمكن أن ننظر لوضع العالم، الماموث اجتماعيا، والذي تنتشر فيه المعارك السياسية المتعددة وسرعة التغييرات التكنولوجية، حيث يرى البعض في الغاية القصوى لمنتجات العصر الحديث وبالذات في مجال الرفاهية الإنسانية، دلائل على نهاية السعي الحثيث لكل ما يمكن أن يتفتق عنه العقل البشري.

قبل وأثناء جائحة كورونا

هنالك أدبيات عديدة تتناول أهمية السينما التي تصور نهاية العالم بالنسبة لنا، وتمتد هذه الدراسات لتعبر العلوم الإنسانية وصولا للقراءات السياسية التي ربطت بين هذا النوع من الإنتاج السينمائي وتعميق الهوية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، من جانب نفسي قدمت جامعة شيكاغو دراسة علمية نشرت في مجلة SPSP استطلعت فيها 310 من المبحوثين حول تفضيلاتهم السينمائية وقياس علاقة ذلك بمستويات القلق والاكتئاب التي مروا بها في فترة هذا الوباء، إذ بدا أن عشاق أفلام الرعب أقل حزنا من تداعيات الأزمة التي سببها الوباء فيما صنف محبو أفلام الأبوكالبيس على أنهم أكثر مرونةً واستعدادًا للتعامل مع تمثلات انهيار المجتمع. إذ يُعتقد أن هذه الأفلام تمنح المشاهدين طريقة آمنة لتجنب فوضى الانهيار الاجتماعي.

من جانبه، يتوقع الكاتب والسيناريست المصري محمود عزت الذي تأهل فيلمه «سعاد» العام الماضي لمهرجان كان أن تكون هنالك موجة عنيفة من أفلام «الأخروية» أو «ما بعد الأخروية»، إلا أن ذلك سيحدث بعد مدة زمنية كافية، حيث يحتاج الناس في هذه المرحلة إلى أن يشعروا أنهم منفصلون عما يحدث بالفعل في حياتهم جراء تأثرهم بالجائحة، مما سيخلف بعد التعافي من الجائحة نهما للاقتراب أكثر من القصص الإنسانية التي خلفتها. وهنالك بالفعل سينمائيون حضروا مشاريع بهذا الاتجاه، إلا أنهم ينتظرون الوقت الذي يصبح فيه لهذا النوع من الإنتاج قابلية أكبر لدى الجمهور.

إلا أننا بالفعل شاهدنا أفلاما حديثة تعتمد ثيمة الأخروية، وبإنتاج ضخم، مع إثارة واسعة للجدل كما في فيلم «Don’t Look Up» من بطولة جينيفر لورنس وليوناردو دي كابريو وآخرين حول هيمنة الخطاب الترفيهي على المجال العام، لكن العالم الذي تحدث فيه كارثة وشيكة لا نرى ردة فعل الناس على هذه الكارثة أو إذا ما كان ذلك أمرًا يستحق أن يقلقوا بشأنه، وبالتالي يمثل التجاهل ميزة مفيدة في هذه الحالة وتصبح هذه هي الحبكة الأساسية للفيلم لا كما اعتدنا عليه في مشاهداتنا لأفلام نهاية العالم السابقة، والتي يتوقف فيها الناس عن التصدي للكارثة أو يقعون على الفور ضحايا عدم معرفتهم بها.

لعل السؤال الأهم فيما يتعلق بهذا النوع من الإنتاج السينمائي هو القيمة الإبداعية والمنفعة السياسية الحقيقية لكل جزء جديد من «امتياز الرعب الجماعي» المعروض في هذه الأعمال السينمائية؟

الأمل الزائف والرغبة في التجديد دون مخاطر

تعتبر السينما حسب العديد من القراءات دليلًا ممتازًا على الخطأ البشري؛ لأنها تنحاز نحو الأمل، وتبتعد بشكل هزلي في خداع الذات، يمكن ملاحظة ذلك من خلال فيلم (I Am Legend) الذي أنتج عام2007 فنشاهد بوابات مستوطنة محصنة، يديرها غير مصابين (من أين أتوا؟)، يقدمون فرصة جديدة لبناء حياة جديدة. الأمر الذي لا يشبه ما عشناه في بدايات عام 2020 التململ والركود والفتور والخوف الشديد مما هو قادم. في تاريخ السينما المليء بهذا النوع من المعالجة، والذي أصبح في أحسن أحواله يُبحث من زاوية ما يمثله البطل، إذا كان رجلًا، أبيض، أمريكيًا مثلًا، ما الذي يعنيه ذلك؟ الأمر الذي يذكرني على الفور بمقولة لأحد أبطال النسخة الأخيرة من فيلم «سبايدرمان» Spider-Man: No Way Home لابد أن يكون هنالك سبايدرمان أسود في مكان ما، هذا النوع من التساؤلات التي تستبعد فحص دور هذه الأعمال في محاكمة ما جرى بالفعل، أو على أقل تقدير أن لا تساهم في تكريس موقف الاستسلام من القدرة على مقاومة النظام الحالي للعالم.

ربما يعد بيرجمان استثناء بهذا الصدد، ففي فيلمه «العار» (1968) يقدم لنا زوجين محبوسين لا بسبب مرض معدي بل بسبب الحرب، يتأمل الزوجان في أوقات فراغهم المفروضة عليهم: «سأبدأ في تعلم اللغة الإيطالية» تقول الزوجة. يرد زوجها: «كل صباح، بعد أن نطعم الدجاج، يجب أن نعزف الموسيقى». حظا جيدا في ذلك. ينتهي الأمر بهما جائعين في زورق على البحر، والجثث تطفو على مقربة منهما .

في مقدمة كتاب Visions of the Apocalypse : spectacles of destruction in American cinema عن نهاية العالم في السينما، يثير مسألة في غاية الأهمية، فهنالك الأسلحة النووية المنتشرة في جميع أنحاء العالم، مع التأكيد على أنه سيتم استخدام أحد الأجهزة المدمرة عاجلًا أم آجلًا والموارد الطبيعية تنضب، والقطب الشمالي يذوب والسياسة الدولية مشحونة بالتوتر والخداع، وباستثناء بضع مقالات افتتاحية منفصلة في الصحف أو على شاشات التلفزيون، لا أحد يفعل أي شيء حيال ذلك؛ بدلا من ذلك، نود أن نهتم، لكن هذا يتطلب مجهودًا كبيرًا جدًا. هنالك إغراق شديد في العرض في ثقافة التنبيهات والنشرات والتحديثات المستمرة المصممة لإرهابنا، على الجانب الآخر هنالك التغطيات الإخبارية على مدار 24 ساعة وهي ليست أخبارًا بالفعل بل سلسلة من البيانات الصحفية، التي نشعر معها أن مقاومة هذا الشكل الجديد لنظام العالم الذي يحكمنا غير ممكنة، في الواقع وكثقافة بحسب مقدمة هذا الكتاب نحن متعبون من الحياة منذ دخولنا القرن الـ 21 إذ تظهر علامات الإرهاق في كل مكان، الهياكل السردية للأفلام الروائية تتم إعادة تدويرها بلا خجل من فيلم لآخر.

--------------

مراجع

1- لا تخف إنها فقط نهاية العالم – قراءة في ثقافة الأبوكاليبس – عصام زكريا https://www.medinaportal.com/gff2021-3/

2- I feel fine: fans of world-ending films 'coping better with pandemic' https://www.theguardian.com/science/2020/jul/01/end-of-the-world-as-we-know-it-fans-of-apocalyptic-films

3- Our Fever for Plague Movies https://www.newyorker.com/magazine/2020/05/25/our-fever-for-plague-movies

4- المرجع السابق