No Image
عمان الثقافي

النخلة

26 أبريل 2023
26 أبريل 2023

في إحدى المدن الكبيرة كان هناك حديقة نباتية، وفي هذه الحديقة دفيئة ضخمة صنعت من الحديد والزجاج. كانت جميلة جدا: أعمدة رفيعة ملتوية تدعم المبنى بأكمله، استقرت عليها أقواس خفيفة مزخرفة، تندمج بعضها ببعض عبر شبكة كاملة من الأطر الحديدية التي رُصّ فيها الزجاج. وكان جمال الدفيئة يتبدى أكثر عند مغيب الشمس وتوهجها بالأشعة الحمراء. ساعتها تشتعل الدفيئة بأكملها، وتتلاعب فيها الانعكاسات الحمراء المتلألئة، تماما كما لو أنها حجر كريم ضخم قد صقل بدقة متناهية.

من خلال الزجاج السميك الشفاف يمكن رؤية المزروعات الحبيسة. وبالرغم من ضخامة الدفيئة، إلا أن النبات كان مكتظا داخله، فجذوره متشابكة وهو في صراع فيما بينه من أجل الرطوبة والغذاء. وكانت أغصان الشجر تنحشر بالأوراق الضخمة للنخيل، فتثنيها وتكسرها، كما أنها هي نفسها تنثني وتتكسر على الأطر الحديدية للدفيئة. وقد عكف البستانيون على قصّ الأغصان وربط الأوراق بالأسلاك حتى لا تنموا حيثما تريد، غير أن هذا لم يجد نفعا كبيرا. كانت المزروعات بحاجة إلى مساحة كبيرة وحرية تشبه بيئتها الأصلية. إنها من نباتات الأراضي الحارة، مخلوقات رقيقة وبهية؛ تتذكر موطنها وتحن إليه. فمهما بلغت الشفافية بالسقف الزجاجي إلا أنه ليس سماءً صافية. أحيانا تتغطى النوافذ في الشتاء بالصقيع، حينئذ يكون الظلام حالكا في الدفيئة. تعوي الريح وتضرب أطر النوافذ فترتعش المزروعات. يتغطى السقف بالثلج فتجد النباتات وهي واقفة تنصت إلى صفير الريح وتتذكر ريحا أخرى مختلفة، دافئة ورطبة، تمنحها الحياة والصحة. تتوق إلى أنفاس تلك الريح الغائبة، وتتمنى لو تهزّ أغصانها وتلعب بأوراقها. ولكن الهواء في الدفيئة يكون ساكنا آنذاك، سوى في بعض الأحيان عندما تحطم عاصفةٌ ثلجية الزجاج، وبصورة فجة، ينبجس من تحت السقف تيارٌ بارد مليء بالصقيع، فأينما مرّ ذلك التيار، شحبت الأوراق وتغضنت وذبلت.

ولكنه يُعاد تركيب الزجاج بسرعة قصوى. وقد كان يُدير الحديقة النباتية عالم ودكتور دؤوب، وكان بالرغم من عمله الذي يأخذ معظم وقته، حيث يُجري أبحاثه المجهرية في كبينة زجاجية خاصة داخل الدفيئة، إلا أنه لا يتساهل مع أية فوضى.

كان من بين المزروعات نخلة واحدة هي الأجمل والأطول من الجميع. أطلق عليها الدكتور القابع في الكبينة الاسم اللاتيني: «أتاليا» وأن هذا الاسم لم يكن اسمها الأصلي فقد ابتكره علماء النبات. وحين لم يتعرف اختصاصيو النبات على اسم الشجرة الحقيقي فإنه لم يُكتب بالسخّام على اللوحة المسمّرة في جذع الشجرة.

في اليوم الذي ارتاد فيه المزرعة زائرٌ من ذلك البلد الحار حيث نمت الشجرة، ولمّا ذكرته بوطنه، فقد ابتسم لرؤيتها.

- آ – قال الرجل – إني أعرف هذه الشجرة. – وذكر اسمها الأصلي.

- المعذرة – صاح به الدكتور من كبينته وكان ساعتها يقطع بعناية نوعا من السيقان بشفرة حلاقة – أنت مخطئ. الشجرة التي ذكرتها لا وجود لها، أما هذه فاسمها اتاليا برينسيبس وأصلها من البرازيل.

- أي نعم، - قال البرازيلي – إني أوافقك تماما في أن المختصين يسمونها اتاليا، ومع ذلك فلها اسمها الأصلي والحقيقي.

- الاسم الأصلي هو الذي يمنحه العِلم، - قال عالم النبات بجفاء وأغلق خلفه باب الكبينة حتى لا يزعجه الناس؛ الناس الذين لا يدركون أن رجل العلم حين يقول شيئا فعلى الجميع أن ينصتوا وينصاعوا.

أما البرازيلي فأطال وقفته وهو ينظر إلى الشجرة بينما الحزن يغدق عليه. تذكر وطنه بشمسه وسمائه، بغاباته الرائعة ذات الحيوانات والطيور الفاتنة، بصحاريه ولياليه الجنوبية الساحرة. كما تذكر أنه لم يكن سعيدا في أي مكان، هو الذي طوى العالم كله، إلا في موطنه الأصلي. لمس شجرة النخيل بيده كما لو أنه يودعها وغادر الحديقة، وفي اليوم التالي استقل الباخرة بالفعل وعاد إلى بلده.

ولكن النخلة بقيت. أصبح وضعها أكثر صعوبة، وإن كانت حالتها قبل هذه الحادثة كانت صعبة كفاية. كانت وحيدة جدا. لقد شقّت خمس قامات فوق سائر النباتات؛ وهذه الأخيرة لم يحببنها أبدا، فحسدنها واعتبرنها متكبرة.

لم ينلها من هذا الطول غير الشقاء وحده، وليس غير الوحدة فقط، بينما البقية مجتمعون؛ إنها أفضل من يتذكر سماءها الأولى وأكثر من يفتقدها، ذلك لأنها أقرب الجميع إلى الشيء الذي استبدلته بهم، إلى السقف الزجاجي البغيض. أحيانا كان يظهر لها من خلاله شيئا أزرق: إنها سماء، وبالرغم من كونها غريبة وشاحبة، ولكنها تظل سماء حقيقية زرقاء. وبينما كانت النباتات تتحادث فيما بينها، كان الصمت يطبق على آتاليا والشوق يشدها وهي تفكر في أن البقاء تحت سماء مفتوحة، وإن كانت متجهمة كهذه، لا بد وأن يكون محببا.

- قل لي من فضلك، هل سيسقوننا قريبا؟ - سألت نخلة الساغو المغرمة بالرطوبة. أعتقد أنني سأجفّ اليوم حقا.

- إني لأتعجب من كلامك يا جارة، -قال الصبّار المُكرّش- ألا تكفيك كمية الماء الكبيرة التي تُسكب عليك كل يوم؟ انظري إليّ، إنهم يمنحونني نزرا يسيرا من البلل، مع ذلك فأنا نضر وطري.

- نحن لم نعتد على أن نكون مقتصدين أكثر من اللازم – أجابت نخلة الساغو. – لا يمكننا أن ننمو في تربة جافة وفاسدة مثل بعض أنواع الصبّار. لسنا معتادين على العيش كيفما اتفق. وخلافا لكل هذا أحب أن أخبرك أن أحدا لم يطلب رأيك.

تبرمت نخلة الساغو وركنت للصمت.

- فيما يتعلق بي فأنا راضية عن حالي إلى حد ما – تدخلت شجرة القرفة. – صحيح أن الحياة مملة هنا، لكني، وبأقل تقدير، متأكدة أن أحدا لن يقوم بتقشيري.

- ولكن التقشير لا ينطبق علينا جميعا -قال السرخس- بالطبع قد يبدو هذا السجن جنة للكثيرين وذلك بعد الوجود البائس الذي نُذروا له في الخارج.

هنا بدأت القرفة بالمحاججة، متناسية أنها كانت تُسلخ وتهان. بعض النباتات وقفت معها وبعضها الآخر مع السرخس حتى نشبت بينهم مُشادة حامية، فلو كان بوسعها أن تتحرك لتقاتلت بكل تأكيد.

- ما بالكم تتخاصمون؟ - قالت اتاليا. – أوتظنون أن الخصام سيساعدكم في شيء؟ إنكم بالغضب والتبرم تزيدون من تعاستكم وحسب، ومن الأجدر بكم أن تتركوا خلافاتكم جانبا وتشمروا عن ساعد الجد. فانصتوا إليّ إذا: عليكم أن تنموا أكثر، طولا وعرضا، انشروا أغصانكم واحشدوها على الأطر والزجاج، سوف تتحطم دفيئتنا إلى قطع صغيرة وسنتحرر. إنه إذا اصطدم غصن واحد بالزجاج فسيقطع بالطبع، ولكن ما الذي سيتم فعله بمائة جذع قوي وشجاع؟ علينا فقط أن نعمل معا والنصر من نصيبنا.

في البداية لم يعترض أحد على خطاب النخلة، فالجميع كان صامتا، لا يعرف ما يقول. أخيرا اتخذت نخلة الساغو قرارها وانبرت للكلام:

- كل هذا كلام فارغ.

- كلام فارغ، كلام فارغ! – رددت الأشجار وفي الحال راحت تبرهن لاتاليا أن اقتراحها لغو شنيع وصرخت: إنه حلم مستحيل، مجرد هراء. سخافة. الأطر متينة ولن نستطيع كسرها أبدا، حتى لو استطعنا فماذا ستكون النتيجة؟ سيهب الناس بالسكاكين والفؤوس وسيقطعون الأغصان ثم سيصلحون الأطر ويعود كل شيء إلى أصله؛ فقط ستكون هناك أجزاء بأكملها قد بترت منّا...

- حسنا، لكم ما تريدون – ردت اتاليا. – ولكني أعرف الآن ما يتوجب عليَّ فعله. سأترككم وشأنكم: عيشوا كما تحبون: تصايحوا على بعض وتخاصموا على حصص الماء وابقوا إلى الأبد تحت هذه الجبة الزجاجية. سوف أجد طريقي بنفسي. إني أرغب في رؤية السماء والشمس ولكن ليس عبر هذه الشبابيك والزجاج، وسوف أراهما.

وبزهو نظرت النخلة بقامتها الخضراء إلى غابة الرفاق المنتشرة تحتها. لم يجرؤ أحد على قول

شيء خلا نخلة الساغو التي همست لجارتها السيكاد:

- حسنا، حسنا، فلنرى كيف سيقطعون رأسك الكبير لتكفي عن غروركِ وزهوكِ.

أما البقية، وبالرغم من التزامهم الصمت، فقد كانوا ممتعضين من اتاليا ومن كلامها الصلف. عشبة واحدة فقط لم تتذمر من النخلة ولم تنزعج من خطابها. كانت أكثر نباتات الدفيئة بؤسا وهوانا: هشة، شاحبة، زاحفة، وبأوراق سمينة خاملة. لم يكن فيها ما تمتاز به، وكانت فائدتها الوحيدة في الدفيئة أنها تغطي أرضها العارية. ألقت بنفسها عند قدمي النخلة الكبيرة وأنصت إليها فبدا لها أن اتاليا على حقٍ. لم تكن تعرف طبيعة بلدان الجنوب، ولكنها أيضا تحب الهواء والحرية، وكما النخلة، تمثّل لها الدفيئة سجنا. «إن كنت أنا العشبة الخاملة أتعذب من دون سمائي الرمادية وشمسي الباهتة والمطر البارد، فكيف الحال مع هذه الشجرة الرائعة والقوية وهي في الأسر! – هكذا فكرت ولفّت نفسها بحنان حول النخلة وداعبتها. – لماذا لست شجرة كبيرة؟ لو أني كذلك لأخذت بمشورتها. لنمونا معا ومعا خرجنا إلى الحرية. عندها سيشهد الجميع أن اتاليا على حق».

ولكنها لم تكن شجرة كبيرة بل مجرد عشبة صغيرة خاملة. لم يكن بمقدورها سوى أن تلتفّ بحنان أكبر حول جذع اتاليا وتبث لها حبها وتمنياتها بالتوفيق في مسعاها.

- صحيح أن بلادنا ليست دافئة وسماءنا ليست صافية والمطر ليس ممتعا كما هو في بلادكِ، مع ذلك فلدينا أيضا سماء وشمس وهواء. لا يوجد عندنا نباتات ضخمة مثلك ومثل رفيقاتك، تمتلك أوراقا كبيرة مثل أوراقك، وزهورا رائعة تشبه ما لديهن، إلا أن لدينا كذلك أشجارا لطيفة جدا كالصنوبر والتنوب والبلوط. إني عشبة صغيرة ولن يتسنى لي أبدا أن أبلغ الحرية، أما أنت فضخمة وقوية. جذعك متين ولم يتبق لك سوى القليل حتى تبلغي السقف الزجاجي. سوف تدفعينه وتخرجي إلى مملكة الضوء. عندها ستخبريني هل كل شيء هناك رائع كما هو في السابق. سأكون راضية حتى بهذا.

- ولماذا أيتها العشبة الصغيرة لا تريدين الخروج معي؟ إن جذعي متين وقوي، اصعدي عليه وتسلقي إليّ. إن وزنك لا يعني لي شيئا.

- وأين أنا من هذا! أنظري إليّ وتفقدي كم أنا خاملة وضعيفة. إني لست بوارد أن أحمل حتى فرعا صغيرا منك. كلا، أنا لست صاحبتك في هذا. أمنيتي أن تكبري أكثر وتعيشي بسعادة. جلُّ ما أطلبه منك عندما تتحري أن تتذكري بين الحين والآخر صديقتك الصغيرة.

عندئذ أخذت النخلة في النمو. لقد كان زوار الدفيئة يتعجبون من حجمها الكبير، مع ذلك راحت تنمو في كل شهر أكثر وأكثر. وقد عزا مدير الحديقة النباتية هذا النمو السريع إلى الرعاية الجيدة، وقد كان فخورا بالمعرفة العظيمة التي أسس بها الدفيئة وأدار أعماله بها.

- أي نعم؛ لتنظروا إلى اتاليا برينسيبس – قال المدير – هذه الفصيلة الطويلة نادرة في البرازيل. لقد طبقنا كل ما لدينا من معارف حتى تنمو النباتات في الدفيئة بحريّة تامة وكأنها في البرية، وأعتقد أننا أحرزنا بعض النجاح.

قال وراح يضرب بعصاه الجذع الصلب ونفسه راضية، وكان وقع ضرباته يدوي في الدفيئة. ارتعدت أوراق النخلة من هذه الضربات. وآه لو كان بوسعها أن تعترض، إذًا فيا لها من صرخة غضب سيسمعها المدير!.

«إنه يتخيل أنني أنمو من أجل إرضائه – فكرت اتاليا – دعه يتخيل!..»

وراحت تنمو، منفقة كلّ عصارتها في سبيل أن تتمدد فقط، حارمة منها جذعها وأوراقها. أحيانا يخيّل لها أن المسافة إلى الحريّة لا تتقلص. عندها كانت تستنفر قواها. اقتربت الأطر أكثر وأكثر؛ أخيرا لامست ورقة طرية منها، الزجاج والحديد البارد.

- انظروا، انظروا إلى أين وصلت – هتفت النباتات – فهل ستفعلها؟

- لقد نمت بشكل رهيب – قال السرخس.

- حسنا، ما هو الشيء الذي نما؟ لقد رأينا مثل هذا! إنها لم تفعل ما يجعلها سمينة مثلي – قال السيكاد السمين، بساقه الذي يشبه البرميل – ثم لماذا تمتدّ؟ لن تفعل شيئا رغم كل شيء. إن الشبكات قوية والزجاج سميك.

مرّ شهر آخر وارتفعت اتاليا أكثر. في الأخير ضغطت بقوة على الإطار. لا مجال لأن تكبر بعدُ. عندها بدأ الجذع ينحني. انكمشت قمتها المورقة، وانحفرت القضبان الباردة في الوريقات الجديدة البضّة، وقطّعتها وشوهتها، ولكن الشجرة كانت عنيدة. لم تشفق على أوراقها وراحت تضغط على الإطار غير عابئة بشيء. في الأثناء، وبالرغم من أن المشابك قد صنعت من حديد قوي، إلا أنها استجابت للضغط.

كانت العشبة الصغيرة تراقب ذلك النضال وهي متصلبة من القلق.

- أخبريني، ألا يؤلمك هذا؟ أليس الأفضل لك أن تتراجعي ما دامت الأطر قوية هكذا؟ - سألت العشبةُ النخلة.

- يؤلمني؟ وماذا يعني لي الألم إن كنت أريد الحريّة؟ ألم تشجعيني بنفسك؟ - ردّت النخلة.

- نعم، شجعتك، ولكني لم أعلم أن الأمر سيكون صعبا هكذا. أشعر بالأسف من أجلك. إنك تعانين كثيرا.

- اصمتي أيتها العشبة الضعيفة ولا تأسفي عليّ. أموت أو أخرج إلى الحرية.

في هذه اللحظة ارتفع صوت دويّ. لقد انفجر الشريط الحديدي السميك. تناثرت شظايا الزجاج وقرقعت. شظية منها أصابت المدير وهو في طريقه للخروج من الدفيئة.

- ما هذا؟ - صاح مرتجفا عندما رأى قطعا من الزجاج تتطاير في الهواء. هرب من الدفيئة ونظر إلى السقف. فوق القبة الزجاجية ارتفع التاج الأخضر للنخلة، سامقا وفخورا.

«أهذا كل شيء؟ - فكرت النخلة – كل ما اجتهدت وعانيت من أجله طويلا؟ هل هذا هو الهدف الأسمى الذي صبوت لتحقيقه؟

كان الخريف في عمقه عندما فردت اتاليا قامتها في الثقب الفاغر. السماء ترسل مطرا خفيفا ممزوجا بالثلج. والريح تطارد مزقا من السحائب الرمادية المنخفضة. خيّل لها أن السحب تريد أن تطوقها. الأشجار كانت قد تعرّت من أوراقها وبدت كشيء ميّت قبيح. وحدها أشجار الصنوبر والدنوب حملت وبرا أخضر داكنا. نظرت الأشجار إلى النخلة بتجهم وكأنما تريد أن تقول لها: «ستتجمدين! إنك لا تستوعبين ما هو الصقيع. لا يمكنك تحمله. فلماذا خرجت من دفيئتك؟».

أدركت اتاليا أنه قد قضي عليها. تجمدت في مكانها. هل ستعود ثانية إلى تحت السقف؟ ولكن ذلك مستحيل الآن. كان عليها أن تقف بمواجهة الريح الباردة، أن تشعر بلسعات وطعنات الثلج الحادة، تنظر إلى السماء الملطخة، والطبيعة المقفرة، وإلى الفناء الخلفي القذر للحديقة النباتية، إلى المدينة الكبيرة المملة وهي تتراءى من خلف الضباب، وأن تنتظر حتى يقرر أناس الدفيئة القابعون في الأسفل ماذا سيفعلون بها.

أمر المدير بقطع الشجرة.

- بوسعنا أن نبني فوقها قبة خاصة – قال المدير – ولكن كم سيدوم ذلك؟ سوف تنمو من جديد وتحطم ما شيدناه. ناهيك عن أن ذلك سيكلف الكثير. اقطعوها!

أوثقوا النخلة بالحبال لئلا تسقط وتحطم جدران الدفيئة، ثم نشروها من الأسفل بالمنشار، تماما عند قاعدة جذعها. لم تشأ العشبة الصغيرة التي احتضنت جذع الشجرة أن تفارق صديقتها فوقعت هي الأخرى تحت المنشار. وعندما سحبوا النخلة من الدفيئة، كانت السيقان والأوراق التي مزقها المنشار ملقاة على الجزء المتبقي من الجذع.

- اجتزّوا هذه القمامة والقوا بها بعيدا – قال المدير – لقد استحالت صفراء بالفعل؛ نعم فقد أفسدها زيادة السقي. تخلصوا منها واغرسوا شيئا جديدا هنا.

وبضربات متقنة، قام أحد البستانيين باجتزاز كومة كاملة من العشب. وضعها في سلة وأخذها إلى الفناء الخلفي، هناك حيث ألقى بها مباشرة فوق نخلة ميتة ملقاة في الوحل وكان الثلج قد غطى نصفها.

*العنوان الأصلي للقصة جاء بالحرف اللاتيني ATTALEA PRINCEPS وهو الاسم العلمي لفصيلة من النخيل.

** سيفولود غارشين كاتب روسي ولد عام 1855 ومات منتحرا وهو في الثالثة والثلاثين من عمره. أما الصورة المرفقة التي يظهر فيها غارشين كملاك جريح فهي بورتريه الكاتب وضعها له صديقه الفنان الروسي الشهير إليليا ريبين (1844 – 1930).

أحمد م الرحبي كاتب ومترجم عماني.