عمان الثقافي

الكتّاب السود يهزون المشهد الثقافي الأدبي في البرازيل

28 سبتمبر 2022
28 سبتمبر 2022

ترجمة: أزهار أحمد -

لم يكن إيتامار فييرا جونيور الذي كان يعمل موظفًا لدى الحكومة البرازيلية في إصلاح الأراضي الريفية الفقيرة يعرف شيئَا عن النشر حين وضع لمساته الأخيرة على روايته التي كان يكتبها ويعيد كتابتها منذ عقود.

وفي لحظة حلم عابرة في عام ٢٠١٨ أرسل مخطوطة رواية بعنوان «المحراث الملتوي» للمشاركة بها في مسابقة أدبية في البرتغال، متسائلا في قرارة نفسه عن رأي الحكّام في خربشته المعقدة حول أختين من إحدى قرى الشمال البرازيلية، التي ما زالت العبودية إرثا قائما بها. قال فييرا البالغ من العمر ٤٢ عاما: «أردت أن يرى أحد قيمة ما في كتابي، رغم أنني لم آمل في ذلك كثير».

ومن المدهش أن رواية «المحراث الملتوي» فازت بجائزة (لي يا) لعام ٢٠١٨ وهي جائزة أدبية مرموقة باللغة البرتغالية تهدف لاكتشاف الأصوات الأدبية الجديدة. هذا الفوز كان نقلة كبيرة لموهبة فييرا حيث تصدّر اسمه الكتّاب السود الذين هزّوا مؤسسة الأدب البرازيلي في السنوات الأخيرة بالأعمال الخيالية والقوية التي حققت رواجًا تجاريًا كبيرًا ونالت إشادة من النقّاد.

تصدّرت رواية «المحراث الملتوي» قائمة أكثر الكتب مبيعا في عام ٢٠٢١، حيث بيع منها أكثر من ٣٠٠٠٠٠ نسخة. ومثل هذا النجاح تحقق في العام الذي قبله لدجاميلا روبييرو لعملها «كتيب صغير ضد العنصرية» وهو أطروحة موجزة وصريحة عن التمييز العنصري في البرازيل.

فييرا وريبييرو البالغة من العمر ٤١ عاما، من جيل الكتّاب البرازيليين السود الذين أكملوا تعليمهم الجامعي في عائلاتهم، مستفيدين من البرنامج المقدّم من الرئيس لويز اناسيو لولا دا سيلفا الذي حكم البرازيل خلال الفترة من ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٠. يعتبر الكاتبان من أشهر الشخصيّات الأدبية في فترة ازدهار الأدب، من بينهم كتّاب معاصرون ومؤلفون أشيد بهم بعد موتهم ولم يتم الاعتراف بأعمالهم الأولى حين نشروها.

الت فيرناندو رودريجيز دي ميراندا أستاذة الأدب في ساو باولو: «أنتج الكتّاب من المجتمعات المهمشة أعمالا عظيمة لعقود، إلا أن مشكلتهم كانت في الظهور»، ومن أجل أطروحتها للدكتوراة، تمكنت فيرناندو من الحصول على جميع الروايات المنشورة لكاتبات سوداوات خلال الفترة من ١٨٥٩ إلى ٢٠٠٦. وكانت دهشتها كبيرة لروعة تلك الروايات المحفوظة في أدراج لسنوات حتى تراكم فوقها الغبار دون أن تقرأ أو تناقش. وخرجت بنتيجة مفادها أن القليل فقط من الكتّاب حظوا بنجاح وحققوا مكانة أدبية جيدة واستفادوا ماديا إلا أن حراس الأدب البيض ضيقوا عليهم الخناق ببراعة.

وأكبر مثال واضح على ذلك، كارولينا ماريا دي خيسوس التي أحدثت مذكراتها «طفلة الظلام» ضجّة أدبية حين نشرت عام ١٩٦٠. وهي أم عزباء لثلاثة أطفال، قدّمت في مذكراتها سرداً مكثفاً وعميقاً عن أحد الأحياء الفقيرة جدا في ساو باولو التي لا يجد سكانها ما يأكلونه سوى ما يجمعونه من القمامة وينامون في أكواخ مرقعة بقطع من الكرتون. ومكّن نجاح الكتاب خيسوس التي توفيت عام ١٩٧٧ من شراء بيت في منطقة أفضل. ومع ذلك لم يظهر الناشرون اهتمامًا بأعمالها اللاحقة لأنها لم تحقق مبيعات جيدة.

وقالت أيضا: «لدى القراء البيض فضولا عن حياة السود وهم يرغبون دائما في قراءة قصص عن مدى الضعف والهشاشة، بينما الكتّاب يرغبون في الكتابة عن قضايا أخرى غير التي تتحدث عن هوياتهم. فهم كغيرهم يحبون الكتابة عن الحبّ والفكاهة وعن حياة زاخرة لها معنى».

ومع تأسيس المهرجان الأدبي في ريو دي جانيرو عام ٢٠١٢، بزغت فرص عرض المواهب الأدبية الجديدة، وكان المهرجان جزءاً من الجهود المبذولة لبعث الأمان في مجتمعات الأحياء الفقيرة والطبقة العاملة التي تخضع لعصابات تهريب وتجارة المخدرات.

قال خوليو لوديمير أحد مؤسسي المهرجان: «في الوقت الذي فشلت فيه الجهود لفرض الأمان في المكان، ازدهر المهرجان الأدبي واستمرّ حتى اليوم. وهذا دليل على وجود أناس يحبون القراءة في تلك الأحياء وهذا أمر لم يكن معروفا من قبل، كما أنه أظهر أن هناك كتّاب أيضًا».

كان المهرجان فرصة لبداية مسيرة العديد من الكتّاب مثل جيوفاني مارتينز الذي حضر ورشة في الكتابة خلال المهرجان حين كان يعيش في فيديجال وهو أحد الأحياء الفقيرة التي تقع على سفح جبل مطل على أغلى أحياء ريو دي جانيرو. وبعد نشر مجموعته القصصية الأولى «الشمس فوق رأسي» عام ٢٠١٨ تصدرت قائمة المبيعات وترجمت إلى لغات كثيرة. تتحدث هذه المجموعة عن حياة المراهقين، وقد ضخّ فيها الكثير من الكلمات العامية. تتمحور قصص المجموعة حول المجتمعات الفقيرة التي تسيطر عليها العنصرية والعنف بسبب هيمنة تجارة المخدرات.

وقد أوضحت ريبيرو أنه رغم النجاح الذي حققه مارتينز إلا أن الكتّاب السود وحتى وقت قصير كانوا يواجهون صعوبة في التعاقد مع الناشرين الأساسيين في البرازيل. ولذلك عملت ريبيرو على تغيير طريقة تعامل الكتّاب الشباب مع الناشرين عبر التنسيق لبيع مجموعة مؤلفات للكتّاب السود في عام ٢٠١٧. وحرصت أن تكون تلك الكتب بأسعار مناسبة ولا تزيد قيمتها عن أربعة دولارات، كما رتبت أن تباع في أماكن عامة لكي تجذب أكبر عدد ممكن من الناس. وأن تحتوي أغلفتها على صور المؤلفين وأن يكون أسلوب كتابتها مفهوم للجميع.

وقالت ريبيرو التي درست الفلسفة أنها حين كتبت وسوّقت للكتب كانت تفكر بأمها التي كانت مثل جدتها تعمل خادمة ولم تحظ بتعليم جامعي. «ولأنني أتمنى دائما أن أكتب بالطريقة التي تفهمها أمي، شعرت برغبة في أن أبذل جهدي للكتابة بوفرة وبساطة بنفس الطريقة التي كتب بها المؤلفون الكرماء قبلي. لأننا إن لم نفعل ذلك، يعني السماح بمجالات سيطرة أكثر لأصحاب القوى».

نجحت هذه الفكرة بشكل جيد جدا، حيث اتصل أحد الناشرين بالكاتبة ريبيرو في عام ٢٠١٨ وطلب منها كتابة كتاب عن حركة النساء السود حقق نجاحا هائلا عند نشره. وعلقت قائلة «كان يهمنا إشاعة القراءة وحققنا نجاحا كبيرا في ذلك، خاصة وأن بعض سكان تلك المناطق يريدون كتبا تعبر عنهم»، أما فييرا الجيولوجي استطاع الاستفادة من وظيفته كباحث ميداني في وكالة استصلاح الأراضي البرازيلية التي يعمل بها منذ عام ٢٠٠٦ في دراسة العوامل الأسياسية التي تشكّل حياة عمال الأرياف بما فيهم أولئك الذين كدحوا في ظروف مطابقة للعبودية الحديثة. وقال إن تلك التجربة ساعدته في تنويع شخصيات روايته وتصوير أصالة مدينتهم المتخيلة «أجوا نيجرا» التي تعني الماء الأسود. وأن الكثير من القراء أخبروه أن تلك القصة تعكس حياتهم وبمعنى آخر أن القصة تصف مجتمعهم الذي يتمنونه، مضيفًا: «أن السبب الرئيسي في نجاح الكتّاب البرازيليين الذين تمكنوا من نشر أعمالهم، هو أن العرق والعنصرية أصبحا موضوعين متاحين للنقاش في البلاد اليوم. حاولت البرازيل لسنوات طويلة أن تجعل جميع السكان من البيض، ولذلك تجنب الناس الحديث عن العرقية في البرازيل. ولكن في العقود الأخيرة تمكنت حركة حقوق السود، والدراسات التي تمّ الاشتغال عليها حول بنية العنصرية ساهمت في توضيح دورنا في المجتمع».

ما يزال العديد من الكتاب السود يكافحون لاكتشاف الطريقة التي يندمجون بها في المجتمع. وقد أثار بيتا بويتا، الذي يبلغ 27 عامًا، وهو رجل أسود متحول جنسيًا من بيلو هوريزونتي، صخبا حين حقق فوزا ساحقا في مهرجان شعري وطني 2018. كان بيتا يطبع أعماله الشعرية بنفسه بما فيها عمله الأخير: «هل ما زلت تريد الصراخ بي؟»، وهو بمثابة تحذير للقراء، ليتخيلوا فقط معنى أن تكون أسود ومتحولًا جنسيًا في البرازيل اليوم». واجهت أعماله صعوبات في السنوات الأخيرة وكان يكتب باسم مستعار، بسبب الاضطرابات السياسية والتقلبات الاجتماعية التي هزت البرازيل منذ انتخاب جاير بولسونارو في عام ٢٠١٨ الرئيس اليميني المعروف لبثه رسائل الفتنة والعنف. وقال: «أن يكون الواحد برازيليًا يعني إما أن يصاب بشلل مستمر بسبب الخوف أو يبكي ويندب حظه بلا توق».

ورغم هذا تتمتع أعمال بيتا بقدرٍ من المرونة، إن لم يكن بالأمل الصريح، كما يتجلى في قصيدته القصيرة: «الإبادة الجماعية»:

أريد أن أموت

ليس رغبة في الموت بذاته

بل هو غياب الحياة

وفقدان الشعور بالوقت الذي سينتهي فيه هذا الألم العميق

وإلى

متى سنحمل ثقل العالم

فوق ظهورنا

أزهار أحمد كاتبة ومترجمة عمانية

المقال مترجم عن «نيويوركر تايمز»