1970397
1970397
عمان الثقافي

الحرب في الأدب الروسي

27 أبريل 2022
27 أبريل 2022

نشأت الدولة الروسية عبر سلسلة طويلة جدًّا من الحروب، على هذه الرقعة الضخمة التي تُعرَف الآن بروسيا، وتقاتلت مجموعات ضخمة من القبائل القادمة من أماكن عديدة تُعرَف اليوم بالصين ومنغوليا والسويد وفنلندا وألمانيا وتركيا وبولندا ومناطق أخرى كثيرة. كما ارتبطت بداية الأدب الروسي باعتناق حاكم إمارة كييف المسيحية في عام 988، وصارت هي الديانة الرسمية للإمارة، وأخذ السلاف الشرقيون أبجدية صممها وابتكرها مبشران يونانيان قدما إلى المنطقة الروسية للتبشير بالمسيحية، وارتبطت الأعمال الأدبية الروسية الأولى بتسجيل سير القديسين وتمجيد البطولات التي تُعبِّر عن ثبات وصمود الأمراء الروس الذين يُعذَّبون ويُقتَلون من أجل الدفاع عن روسيا ضد الغزوات التترية والأجنبية بصورة عامة. لأسباب عديدة ومختلفة وصل الأدب الروسي في القرن التاسع عشر إلى قمة هائلة من النضج الفني والإنساني على السواء، في هذا القرن خاضت روسيا حربًا ضد هجوم نابليون، كما خاضت حربًا أخرى في القرم ضد الدولة العثمانية بمساندة بريطانيا وفرنسا، وتناولت بعض الأعمال الأدبية بالطبع هاتين الحربين، وعلى رأسها أعمال ليف تولستوي: «الحرب والسلام» و«قصص سيفاستوبول».

ازدادت وتيرة الحرب بصورة درامية في القرن العشرين، حيث بدأ القرن بحرب بين روسيا واليابان، ثم انتفاضة 1905 التي مهدت الطريق للثورة البلشفية، واندلعت الثورة البلشفية في 1917 في أثناء اشتراك روسيا في الحرب العالمية الأولى، وباندلاعها بدأت الحرب الأهلية التي شملت رقعة هائلة من الأراضي الروسية، كما خاضت روسيا في هذا الوقت أيضًا حربًا ضد بولندا بين أعوام 1919 - 1921. لم يمر عقدان حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها روسيا أيضًا، وفقدت ملايين عديدة من أبنائها، سواء من المقاتلين أو المدنيين، وتعرضت فيها لحصار رهيب قتل عددًا هائلًا من البشر بسبب الجوع والمرض. لم تمر بضعة عقود أخرى على نهاية الحرب العالمية حتى اشتركت روسيا في حروب عديدة مع جيرانها، في الشيشان وجورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

تُمثِّل الحروب بصفة عامة أهمية استثنائية للأدباء والفنانين، ويعود ذلك إلى مدى تطرف واستثنائية المشاعر والأفكار والأحداث في أثناء الحروب، إذا كان الفنان يسعى إلى استكشاف دهاليز النفس البشرية، وإنارة تلك المناطق المعتمة والعفنة أحيانًا، وفهم الدوافع والبواعث البشرية، ونظرة الإنسان إلى القضايا الكبرى كالحب والحياة والموت، فمن المؤكد أنه لن يجد ظرفًا يبرز كل هذه العوامل بصورة قوية ولافتة كالحرب، في الحرب تتجاور الحياة والموت، وينقسم الإخوة، وتُخرَّب البيوت، ويعادي الأصدقاء بعضهم، وتبرز قوة الإيمان وفتنة الأيديولوجيا، كما تظهر مستويات غير مسبوقة من العنف تفاجئ أصحابها أنفسهم بما يستطيعون القيام به حقيقة.

تناولت أعمال أدبية روسية كثيرة موضوع الحرب بوصفه موضوعًا رئيسًا، سواء في روايات أو مجموعات قصصية أو مسرحيات أو أشعار، صحيح أن بعض هذه الأعمال نُشرت في القرن التاسع عشر، ومنها العمل الخالد «الحرب والسلام»، لكن موضوع الحرب لم يتطور ويزداد رصدًا وكثافة إلا في القرن العشرين مع كثرة الحروب الفظيعة التي خاضتها روسيا.

يمكننا بنظرة سريعة إلى هذه الأعمال أن نُقسِّمها إلى نوعين: الأول اتخذ من الحرب فرصة لمناقشة القضايا الوجودية الأساسية التي تشغل الجنس البشري برمته، والثاني اكتفى بمرحلة الرصد، وفي الغالب ظهرت أعمال النوع الثاني في أثناء الحروب أو بعدها بأعوام قليلة، بحيث لم تكن هناك فرصة جيدة للأديب للتأمل في مسارات الحرب الخفية وما فعلته بالنفس، أما أعمال النوع الأول فقد ظهرت في أغلب الأحيان بعد مرور أعوام طويلة على الحرب، وكتب ليف تولستوي مثلًا «الحرب والسلام» بعد أعوام طويلة من تاريخ هذه الحرب، صحيح أنه اهتم بشدة بالتصوير الدقيق لتفاصيل المعارك الحربية والأحداث التاريخية، إلا أن ملحمته قدَّمت في الأساس أسئلة كبرى. الكُتَّاب في مثل هذه الأعمال لا يصورون الحروب نفسها فحسب، بل يصورون أيضًا النضال الأبدي بين الخير والشر، والذي يكتسب أشكالًا مختلفة تخترق العقل البشري وتُحرِّف التصنيفات الأخلاقية وتنتهك مجرى الحياة، ولم تتناول هذه الأعمال العظيمة الحرب أيضًا بوصفها صراعًا أيديولوجيًّا بين الأطراف المتحاربة بقدر ما تعاملت مع الحرب بوصفها صراعًا في الروح البشرية، ولم يقتصر تناول الحرب فيها على الأحداث التاريخية، بل شمل أولًا وقبل كل شيء الوعي البشري.

من واقع الدراسات النفسية الكثيرة اتضح أن الصراع الناجم عن الحرب يستمر في العيش في الإنسان لفترة طويلة بعد نهاية الحرب، ويكون أحد العوامل القوية في تحديد أطر حياته المستقبلية، تُحوِّل الحرب الكثير من البشر إلى سفاحين، وتُحوِّل القليل منهم إلى قديسين، بينما تحطم الكثيرين، لا تفارق الكوابيس بعضهم، كما أنها تُغيِّر من مفاهيمهم الأخلاقية، وفي رواية ليف تولستوي القصيرة «السند المزيف» يرصد المؤلف تغير المفاهيم الأخلاقية للجندي الذي تحول إلى قاتل فيما بعد، مُجرِّدًا الحروب من أي أيديولوجية: «في الحقيقة لم يشعر ستيبان بأيِّ شيءٍ قد يخيف فيما فعله، كان قد تحتَّم عليه قتل جنديٍّ من قبل في أثناء خدمته العسكرية، وكان الأمر مماثلًا تمامًا لما فعله مع إيفان ميرونوف، لم يرَ في الأمر ما يخيف، ما القتيل سوى مجرد قتيل، اليوم قُتل هذا الرجل، وربما أنا في الغد» (1). لا تتلاشى مشكلة الحرب بمرور الوقت، بل على العكس من ذلك، تصير ملموسة أكثر فأكثر، وتتحول المشكلة تدريجيًّا إلى شعور جماعي بالذنب تجاه أهالي من لم يعودوا من الحرب، يعود الأدب باستمرار إلى موضوع الحرب بسبب تعددية أبعاد هذه القضية بما تشتمله من مأساة الحرب الأهلية، والسلوك البشري في ساحة المعركة، والبطولة، والخيانة، وكل مشقات الحياة في الأراضي المحتلة وفي مؤخرة المعسكرات، ومصير أسرى الحرب والمدانين، والأهم من ذلك عواقب الحرب في عقل وروح الإنسان.

بعد اندلاع الحرب الأهلية ظهرت مجموعة ضخمة من الأعمال الروسية التي تناولت هذا الموضوع، الكثير منها متوسط المستوى، ولكن بعضها فائق المستوى سواء على المستوى الفني أو من حيث المضمون الإنساني، ومن أهم الأعمال التي تناولت الحرب في هذه الفترة رواية «الحرس الأبيض» لميخائيل بولجاكوف، قدَّم بولجاكوف في روايته هذه لونًا أدبيًّا شديد الجدة على المستوى الفني، الموضوع الرئيس للرواية هو ما فعله الزمن والحرب الأهلية بأسرة آل توربين التي تمثل النظام القديم في أبهى صوره، تعيش الأسرة في كييف، ويصور بولجاكوف بعض أفرادها بحميمية شديدة، ثم تحل فوضى لا يمكن تصورها في المدينة، وترتفع كاميرا المؤلف إلى أعلى نقطة بالمدينة لترصد حالة الفوضى هذه التي تشترك فيها قوات الحرس الأبيض والبلاشفة والألمان وأتباع الزعيم المحلي بتليورا وغيرهم، لتقدم لنا بلغة فنية فريدة انهيار عالم وبداية تأسيس عالم جديد، كل شيء في هذه الرواية يتحدث: الساعة، الطبيعة، الطيور، الجماد، الأبطال، ويجد كل أبطال الرواية مساحة للتعبير عن عالمهم النفسي والمادي على السواء، وتختلط اللمسة الحميمية في رسم هذه الشخصيات بالسخرية البريئة، ثم تصل السخرية إلى مستويات سوداء عميقة، وإذا بالقارئ يجد نفسه فجأة أمام مشاهد بشعة، في أحد المشاهد مثلًا يقتحم بعض اللصوص -بعد مراقبة طويلة- بيت إحدى الشخصيات التي تدخر مبلغًا ماليًّا كبيرًا، يدَّعي اللصوص أنهم جنود يفتشون المنزل، وتحت تهديد السلاح يستولون على كل شيء، يريدون أيضًا الاستيلاء على بعض الثياب اللائقة بدلًا من ثيابهم المهترئة، ويبدأون في تجربة بعض الثياب، وإذا بالمشهد المخيف يتحول على يد بولجاكوف إلى مشهد هزلي حينما يعرض بطريقة ساخرة تجربة اللصوص للثياب الجديدة وخلع الثياب القديمة. تُركِّز الرواية بشدة على كل معالم العالم المادي: الأصوات، الروائح، الألوان، ومن ثَم تمتلئ بوصف حيوي يختلف عن وصف الطبيعة التقليدي.

إلى جانب رواية بولجاكوف هناك أعمال أخرى مهمة جدًّا عن موضوع الحرب في هذه الفترة لبيلنياك وبابل وشولوخوف، يرصد إسحاق بابل مثلًا مشاهد لا تُنسى من وقائع الحرب الروسية البولندية، لكن بابل، بالرغم من كونه مراسلًا صحفيًّا في هذا الوقت، لا يكتفي برصد المشاهد، بل يحاول الغوص عميقًا في النفس الإنسانية من خلال هذا الظرف الاستثنائي الأمر الذي جعل إريش فروم، العالم النفسي الكبير، يستشهد بأحد مقاطع هذه المجموعة المذهلة، بعد أن يدرك جيدًا مدى العمق النفسي الذي وصل إليه بابل. يقول فروم: «الحب إنجاز ليس من السهل الوصول إليه، كيف يحاول الرجل الذي لا يمكنه أن يحب أن يخترق سر جاره؟ ثمة طريقة أخرى؛ طريقة بائسة للوصول إلى معرفه كنه السر، إنها السلطة الكاملة على شخص آخر، السلطة التي تجبره على فعل ما أريده وأن يشعر ويفكر فيما أريده، يتحول إلى شيء خاص بي، شيء أملكه، أقصى درجات هذه المحاولات من أجل المعرفة تكمن في السادية المتطرفة التي تستمتع بجعل الآخر يعاني، وفي تعذيبه وإجباره على خيانة سره في معاناته، أو بتدميره في النهاية ثمة دافع أساسي للقسوة والتدمير الشديدين في الرغبة الشديدة للولوج إلى سر الإنسان». وقد عبَّر الكاتب الروسي إسحاق بابل عن هذه الفكرة بطريقة بليغة، فهو يستشهد بضابط زميل له في الحرب الأهلية الروسية، كان قد وطئ أحد السادة السابقين حتى الموت، كان الضابط يقول: «سيكون الأمر على هذا المنوال، بإطلاق النار يمكنك أن تتخلص فقط من فتى بإطلاق النار لن تصل أبدًا إلى روحه، أين هي وكيف تظهر ذاتها؟ لكني لن أصفح عن نفسي، وقد وطئت عدوًّا أكثر من مرة لمدة تزيد على الساعة. أريد أن أعرف حقيقة الحياة التي نحياها» (2).

يُظهِر شولوخوف في ملحمة «الدون الهادئ» بصورة دقيقة تدمير العلاقات الأبوية الراسخة منذ قرون، الأمر الذي يشهد على التغييرات الأساسية في الوعي الشعبي الروسي.

أدت الحرب العالمية الثانية إلى تفاقم مشكلة «الأصدقاء أو الأعداء» في روسيا، وجعلتها تتجاوز حدود المواجهة الأيديولوجية، الأمر الذي يشير إلى عمق التناقضات التي سببتها الحرب بالفعل في فترة ما بعد الحرب، ظهرت بالطبع كمية ضخمة من الأعمال الروسية التي تناولت موضوع الحرب العالمية الثانية (الوطنية العظمى)، وامتلأ سوق النشر بأعمال الواقعية الاشتراكية، ومعظمها بمثابة كبسولات أيديولوجية حزبية، لكن ذلك لم يمنع ظهور أعمال أخرى تناولت موضوع الحرب من منظور إنساني أوسع، ومن أهم وأشهر هذه الأعمال رواية «الحياة والمصير»، لفاسيلي جروسمان. يكتب جروسمان عن الألمان في الحرب بوصفهم بشرًا قبل كل شيء، كما يرصد ردود الفعل الشعبية والدور الذي لعبه الناس فيما آلت إليه البلاد، الحرب في نظر جروسمان بوصفها النكبة الأخلاقية الكبرى ليست مسؤولية الزعماء والقادة وحسب، بل هي نتاج لانخراط أعداد كبيرة من الناس العاديين في دوائر الفساد، والحرب الحقيقية هي الحرب ضد الطغيان، الأمر الذي جعل جروسمان لا يرى اختلافًا جوهريًّا بين الستالينية والنازية.

بعد مرور فترة كافية على الحرب العالمية الثانية، ظهرت أعمال روسية ناضجة ذات مستوى استثنائي، تتناول أيضًا الحرب، ولكن من ناحية تأثيرها النفسي على الأشخاص. أحيانًا لا تُذكَر معركة واحدة في هذه الأعمال، ولكن بالرغم من ذلك تظل الحرب هي البطل الرئيس في العمل، من هذه الأعمال رواية «الهارب»، للعبقري فالنتين راسبوتين، تدور أحداث القصة حول أحد الهاربين من الخدمة العسكرية في أثناء فترة الحرب، وكيف تحاول زوجته إنقاذه من عقوبة الموت، وإخفاءه، على خلفية الحرب يتناول الكاتب دقائق علاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الزوجة بمجتمع القرية، وعلاقة كل شخصية بنفسها، والبنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للقرية.بمرور الأعوام ظهر جيل جديد من الكُتَّاب لم يعرفوا الحرب، ولكن الذاكرة التاريخية للحرب ونتائجها ظلت أحد المصادر المهمة للأسس الروحية والأخلاقية للمجتمع الحديث، أحد أبرز ممثلي هذا الجيل هي جوزيل ياخينا. لا تتناول جوزيل ياخينا الحرب بوصفها موضوعًا مستقلًّا، بل تربطها ربطًا مباشرًا بمشكلات أخرى خطيرة مثل علاقة الإنسان بالسلطة، والجهود الرهيبة التي يبذلها البعض في أوقات الحروب للحفاظ على إنسانيتهم في وجه طوفان الحرب الغامر، كما ترصد الحرب بوصفها إحدى النتائج المباشرة للاستبداد، في رواية «أبنائي» مثلًا يتعرف القارئ على الحرب من منظور بطل القصة ناظر المدرسة ياكوب إيفانوفيتش. هذا الناظر هو واحد من أعجب الأبطال الروائيين في الأدب الروسي المعاصر. برحيل ياكوب وحبيبته إلى بيت منعزل لا يعرف عنه أحد شيئًا، يلمس التغييرات التي تطرأ على القرية بسبب الحرب تدريجيًّا وعلى مدار فترات طويلة، حاول البطل تجنُّب الحرب، بل والعالم كله، لكنها تلاحقه بلا هوادة، يصنع البطل تقويمًا خاصًّا به يرصد من خلاله معنى الحرب بالنسبة له:

1818- عام المنازل المدمرة.

1919- عام الجنون.

1920- عام العجول التي لم تُولَد.

1921- عام الجياع.

1922- عام الأطفال الموتى.

1923- عام الصمت.

1924- عام العائدين.

وهكذا يتعرف القارئ على تفاصيل الحرب من حيث نتائجها وتأثيرها على أبعد البشر عنها، بشر انفصلوا تمامًا عن عالم الحرب والأيديولوجية، وحاولوا تأسيس عالم آخر منفصل، لكنهم يجدون أنفسهم في النهاية في خضم الحرب والعنف رغمًا عنهم. في رواية «ياخينا» ليس هناك اختلاف كبير بين الحرب مع عدو خارجي وأعمال العنف والإبادة التي يمارسها نظام قمعي في روسيا، ومن ثَم يكون النظام المستبد هو المسؤول المباشر عن قتل البطل: «اعتُقِل ياكوب إيفانوفيتش باخ في عام 1938 وحُكِم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا في معسكر العمل الإصلاحي، وفي عام 1939 نُفِيَ إلى مكان قضاء عقوبته في معسكر قراغندي للعمل الإصلاحي بجمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفييتية. في البداية، عمل في بناء وحدة جيزكازغان الصناعية، ثم في استخراج الخام لمصانع تعدين كارلاغ، وفي عام 1946، توفي في انهيار المنجم مع أحد عشر سجينًا» (3).

يتضح إذن أن الأدب الروسي قد ركَّز في أعمال كثيرة على الحرب بمفهوم واسع، واستطاع الغوص في عمق المشكلة إلى درجة إدراكه أن العدو الأجنبي ليس العدو الوحيد ولا الحقيقي، بل أدرك أن العدو الداخلي المتمثل في نظام مستبد يقتل كمية هائلة من البشر ويدفع بهم إلى حرب تلو الأخرى هو العدو الحقيقي، ومن ثَم يُصرِّح جروسمان بوضوح أن الانتصار على النازية لا يعني نهاية الحرب في روسيا. استطاع الأدب الروسي أيضًا أن يقدم استبصارات نفسية عميقة عبر دراسته لسلسلة من أعمال العنف والحروب متواصلة وهائلة النطاق، كما طوَّر أشكالًا فنية مبتكرة ولافتة كما نرى في كتابة بولجاكوف وبابل، كما رصد تأثير الحرب بعد مرور أعوام طويلة على انقضائها، وكيف يظل حضورها مهيمنًا على المجتمع.

هوامش:

1- السند المزيف، ليف تولستوي، ترجمة: يوسف نبيل، سلسلة الجوائز - الهيئة المصرية العامة للكتاب.

2- الوضع البشري المعاصر، إريش فروم، ترجمة: نبيل باسيليوس - يوسف نبيل، دار الحوار، ص: 206 - 207 - الاستشهاد من مجموعة سلاح الفرسان، إسحاق بابل، ترجمة: يوسف نبيل - دار آفاق، ص 103.

3- أبنائي، ترجمة: د. تحسين رزاق عزيز - دار المدى، ص 525.