افتتاحية

يحضر شعور الحنين للوطن في مختلف آداب العالم، فيكشف عن الحالة الإنسانية التي يعيشها المهاجر بكل تعقيداتها وبكل عذاباتها ومرارتها، ويكشف هذا النوع من الأدب قصة السعي للاندماج في الأرض الجديدة ومحاولة اعتبارها وطنا بديلا يعيش فيه الكاتب والأديب تجربته الإبداعية، إلا أن هذه المحاولة لا تمر دون صراعات وعصابات داخلية يعيشها الأديب، فمحاولة الخروج من الوطن شعوريا ووجدانيا لا يمكن أن تشبه الخروج الحقيقي عبر خروج الجسم.

لا يستطيع أغلب الأدباء التخلص من تجاربهم/ حياتهم في الوطن الحقيقي، فيكون أدبهم رغم ما به من مرارة مرآة عاكسة للفترة الزمنية التي قضوها في أوطانهم أو أنهم يجدون من أجل إعادة بناء الوطن وفق معاييرهم الفنية والإبداعية.. وخلال كل ذلك يوقظون فينا نحن القراء الكثير من التعاطف. على أن هناك الكثير من الأعمال الروائية التي جسدت حياة المهاجرين عن أوطانهم.

ومع الوقت تحضر فكرة الاندماج في المهاجر رغم ما يواجهها من تحديات خاصة في الجوانب الثقافية والأيديولوجية وتظهر الكثير من النزعات العرقية رغم حديث العالم عن فكرة المواطنة العالمية.

وفي العالم العربي ظهر منذ وقت مبكر أدباء وأدب المهجر وعبر بشكل جلي عن الكثير من التجارب التي عاشها المهاجرون العرب إلى خارج أوطانهم.

ورغم مرارة الهجرة إلا أن البعض اعتبرها منبعا من منابع الإلهام للإبداع ومغذيا فعالا للتألق الفني الذي شكل تراثنا الثقافي عبر التاريخ.

يسخر المبدعون تجارب المهاجرين لإعطاء صوت للروح البشرية، ورصد الانتصارات والنضالات والأحلام التي تنشأ من الرحلات عبر الحدود. إن التعبيرات الإبداعية التي تظهر من تجربة الهجرة تتحدانا لاحتضان التنوع وتعزيز التعاطف وإعادة تصور هويتنا الجماعية.

في هذا الملف من ملحق جريدة عمان الثقافي نستقرئ تأثير الهجرة والاغتراب عن الإبداع الكتابي لدى مجموعة من الأدباء العرب الذين عاشوا خارج أوطانهم، التي غادروها في الغالب لأسباب سياسية أو بحثا عن حياة أفضل سواء كانت حياة مادية أو تعليمية.

تكتب رشا عمران مقالا بعنوان «كيف تحول المنفى إلي فكرة» تسرد فيه بعضا من قصة نفسها إلى خارج الوطن، كما يكتب عبدالإله الصالحي مقالا بعنوان «عن الهجرة والكتابة»، وجاكلين سلام تكتب تتساءل في مقالها: «هل قتل تولستوي آنا كاريوكا؟» وتكتب إنعام كجه جي عن «حق تحويل الطغاة إلى مهرجين»، ويكتب محمد الشحري عن «الهجرة والعزلة.. استعادة الأوطان بالحنين». وفي تحقيق العدد يتحدث عدد آخر من الكتاب العرب عن أوطانهم تحت عنوان «الأدباء العرب بعيدا عن أوطانهم».

كما يضم العدد حوارا مع الكاتبة منى السليمية ومقالا مطولا عن الذكاء الاصطناعي، وفصلا من رواية للروائية المصرية ميرال الطحاوي ومراجعات لكتب حديثة.