No Image
عمان الثقافي

افتتاحية

30 مارس 2022
30 مارس 2022

رغم أن أقوى وأشهر دلالة «للكرسي» إذا ما تجاوزنا دوره الوظيفي وهو «الجلوس»، تحيلنا مباشرة إلى السلطة والقوة والنفوذ، إلا أن لهذا الكرسي دلالات كثيرة يكشف عنها ذلك الثراء الكبير في حضوره في الثقافات العالمية ورمزياته الكبيرة التي اكتسبها عبر التاريخ الطويل. وتمتد تلك الدلالات والرموز منذ الكرسي الهزاز للطفولة إلى كرسي «العرش» في آية الكرسي الذي يذهب أكثر المفسرين إلى تفسيره «بعلم الله»، وربما من هذه الدلالة جاءت تسمية «الكراسي العلمية» التي تزخر بها الجامعات الكبرى في العالم وكذلك «مقاعد/ كراسي الدراسة» التي تستخدم في الكثير من الثقافات.

وفي هذا العدد من «ملحق جريدة عمان الثقافي» نفتح ملفا حول الكراسي: الصور والدلالات، في محاولة للاقتراب أكثر من «الكراسي» بعيدا عن دورها الوظيفي، رغم أهميته. فيترجم بدر الجهوري مقتطفا من كتاب «الآن أنا أجلس: من كراسي الإغريق الخشبية إلى الكراسي البلاستيكية.. تاريخ طويل» لأستاذ الهندسة المعمارية ويتولد ريبجنسكي والذي يحاول أن يقدم فيه تاريخا مختصرا للكراسي وما يمكن أن تحمله من رمزية ثقافية ترتبط بشكل الكرسي وتطوره وأيضا مكان ظهوره وزمانه.

وإذا كان أقدم كرسي في التاريخ، حسب ما وصل إلينا، يعود لـ «إله الشمس» الجالس على كرسيه وهو يملي قوانينه وتشريعاته على الملك حمورابي فإن للعرب الذين لم يمارسوا الجلوس على الكراسي إلا متأخرا (كانت العرب قبل الإسلام تسمي أيضا المتاع أو الحصير الذي يجلس عليه كرسيا وهذا ما نفهمه من قول قيس بن رفاعة الأوسي مفضلا الحارث الغساني على النعمان اللخمي: وكيف أفضله عليك ـ أبيت اللعن ـ فوالله لقفاك أحسن من وجهه...، ولكرسيك أرفع من سريره) دلالاتهم القديمة «للكرسي» بعيدا عن الدلالة الوظيفية والتي نستطيع فهم بعضها عبر تفسيرات رؤية الكرسي في المنام وفق ما تشكلت في الدلالة الخيالية والرمزية لديهم. ويسلط الضوء عليها الشاعر سماء عيسى عبر استقراء ما كتبه مجموعة السالكين والعارفين والمفسرين، فنجد الدلالة تتراوح بين الرفعة إلى مقام السلطان أو إلى حضرته وبين الحظوة عند المرأة وبين الظفر بالآخرة. ومن الدلالات المتولدة للكرسي عبر رؤى العارفين والسالكين إلى الدلالات الدبلوماسية والمعرفية يتتبع مبارك الحمداني المشروع الثقافي لكراسي السلطان قابوس العلمية الموجودة في كبريات الجامعات في العالم والدور الذي تقوم به في السياق العلمي والسياسي وكذلك في تحويلها إلى جسر ثقافي بين مختلف الحضارات. ويكتب الدكتور حسين العبري مقالا يحاول فيه الإجابة على سؤال حول إذا ما كانت لعبة الكراسي التي يمارسها الصغار الدرس الأول في الأنانية؟ ليصل إلى إجابة بعد تحليل نفسي عميق أنها ليست الدرس الأول في الأنانية لأن الأطفال يعرفون الأنانية قبل هذا الدرس بكثير معتبرا أن الأنانية تبدأ عند الطفل منذ الصرخة الأولى التي يطلقها وهو يعبر إلى هذه الحياة. وفي الملف نفسه يترجم السعودي غسان الخنيزي أنطولوجيا شعرية تدور جميعها في فلك الكراسي أو تنطلق منها في بناء صور ودلالات شعرية.

ويفتح العدد الكثير من النقاشات الفكرية والثقافية كما يقدم مراجعة لبعض الإصدارات العربية والأجنبية. فتطرح هدى حمد سؤالا على مجموعة من المثقفين العرب: هل نحمي أنفسنا بالقراءة أم نذهب معها للشقاء بأرجلنا؟ وتتباين الإجابات على هذا السؤال بحسب التجارب التي يخوضها القارئ. وتكتب عائشة الدرمكي عن الحداد والفقد في مرثية مهداة إلى روح والدها الراحل. ويترجم محمود حسنين عن الألمانية قصتين قصيرتين للأديب يوهان بيتر هيبل، كما ينشر يونس الأخزمي فصلا من روايته «رأس مدركة»، وتراجع أزهار أحمد رواية «سر الموريسكي» للروائي محمد العجمي، ويراجع إبراهيم فرغلي كتاب «نهاية العالم كما نألفه» لإبراهيم المصري، ويكتب يحيى سلام المنذري شهادة حول تجربته السردية بعنوان «بناء الحديثة.. نثر الياسمين». ويترجم أحمد شافعي مقالا عن استخدام «قضية اللغة» في الصراع الروسي الأوكراني. وفي باب الحوارات يحاور حسن عبد الموجود الروائية السعودية أمل الفاران. وفي باب النصوص الشعرية نقرأ مجموعة نصوص للشاعر فيصل الحضرمي، والشاعر علي بن سعيد العامري.