8556
8556
عمان الثقافي

افتتاحية

26 يناير 2022
26 يناير 2022

إنها فترة كبيسة، فمنذ أن بدأت الجائحة ونحن نشهد انهيارات غير متوقعة. أُغلقت حدود كانت تُفتح بفعل آليات التواصل والعولمة، وحلّت العزلة ظلاماً يحيطُ بالجميعِ، أفراداً وكيانات ومجتمعات. وغدا الإنسان لا يستطيعُ الخروج إلى عمل أو لقاء أحبته وصحبه، بل منّا من فقد عمله، أو الأدهى من ذلك فقدان الأحبة إلى الأبد، وصرنا نركن إلى الذكريات تملأنا الحسرة والقلق، متسلحين بأمل سرعان ما يتلاشى أنّنا سنعود إلى أيّام خلت.

بل ورافق ذلك، انهيارات في الاقتصادات والمجتمعات والدول، فخرجت كتل بشرية كبيرة من سوق العمل، وسادتْ مشاعر سلبية حول آليات التعاون الإقليمي والدولي مع تسابق الدول على الحصول على قصب السبق في تأمين الموارد الأساسية والأدوية لحفظ الحد الأدنى من سيرورة مجتمعاتها، وانتشرت الشائعات ونظريات المؤامرة التي تجعلنا نتربص ببعضنا البعض كنوع بشري كان التعاون والتشارك هو الدافع الرئيس خلف ازدهاره المشهود في هذا الكوكب.

في خضمّ هذا، كانت هناك بوارق من الأمل، أهمّها أنّ آلة البحث والابتكار العلمييْن صارتْ أمضى من ذي قبل، فلأول مرة في تاريخ البشرية الحديث تمكنّا نحن البشرَ، بفضل التعاون وتشارك البيانات عالمياً، من ابتكار لقاحات متعددة، بآلياتها وصانعيها وفاعليتها، وصارت هذه اللقاحات تُوزّع على البشر في مختلف أصقاع العالم، ممّا أنقذ البشرية من وفيات محققة. بل وسارع بعض أشرس المشككين في آلة العلم وجدواه إلى أخذ اللقاحات لعلها تحرفُ عنهم مصيراً محتوماً.

ورأينا كذلك جهداً محموماً من الناشطين والمفكرين والمبدعين، من مختلف أصقاع العالم، يدفعون عموم الناس إلى الأمل، وإلى أن الظروف التي خبرناها سوف تقدح فينا شرارة الإبداع والتكاتف وضرورة الفعل.

من هنا، كان موقفنا في هذه الجريدة أنه لا بُدَّ من الفعل، لا بُدَّ من العمل. كان هذا الملحق إجابة انبثقت من رحم الوباء، ومن تاريخ الجريدة في العمل الثقافي، في أن نقول إننا قادرون على أن نبثّ روح الأمل، وفي أن نكون للقارئ العربي نافذة على أصوات تقدّم رؤيتها للماضي والمستقبل، وأن تكون جزءا من هذه الصيرورة البشرية التي تعتمل في كل مكان.

كان للجريدة ملحق ثقافي منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وتطوّر لاحقاً إلى ملحق شرفات الثقافي. احتضنت هذه الملاحق أصواتاً عمانية وعربية، بل وساهمت في صياغة الحراك الثقافي وصقل المواهب، عبر توفير منصة وثيرة .

نطمح اليوم، بإطلاق هذا الملحق الشهري، أن يكون منصة للكاتب العماني والعربي، أكان في وطنه أم بعيداً في المهجر، وأن يكون نافذة للأفكار والرؤى الحديثة التي يقدح بها مفكرو العالم وأدباؤه. وندعو الجميع للقراءة والجدل مع ما يُنشر على هذه الصفحات، آملين أن يسهم ذلك في أن تتفتّح زهرة أو بعض الزهور.

واحتفاء بروح البشرية وقدرتها وصلابتها وقدرتها الأزلية على الخلق والإبداع في أحلك اللحظات، اخترنا أن يضمّ عددنا الأول ملفاً خاصاً بعنوان»كورونا: إبداعٌ وخلقٌ وجلدٌ»، به احتفاء بالغناء في «أغنية على السطح، بورتريه موسيقي لآمال مثلوثي»، ومقال عن مصادر الشقاء البشري يذكّرنا مؤلفه الكاتب سعيد ناشيد أنّ الأمل هو أحد مصادر شقاء البشر، ونصٌ مترجمٌ لمحمود حسنين بعنوان «حياتي مع كورونا وباحثيها»، و يستعرض سلطان الشيباني «الطواعين في الذاكرة العمانية»، ونستعرضُ أثر كورونا على مجموعة من الفنانين التشكيليين والضوئيين العمانيين، ويقدّم صالح الفلاحي بروفايلاً مترجماً لأنطوني فاوتشي.

ويضمُّ العدد كذلك حواراً مع جوخة الحارثي حول روايتها الأخيرة «حرير الغزالة» وأجواء المؤلفة الأدبية، ، ويقدّم عبد الهادي الإدريسي ترجمة لإحدى قصائد فيكتور هوجو، وخالد المعمري نصوصاً شعرية، وقراءة للكاتب حمود سعود في كتاب «الدرّاجة الهوائية» لحمود الشكيلي، واستعراض لكتاب «فن التحليق» لسيرخيو بيتول كتبه أحمد الزناتي، وترجمة لأحمد شافعي بعنوان «قراءة الفلسفة في الليل» لتشارلز سيميك، ويتتبّع إبراهيم فرغلي أثر ابن رشد في إحدى روايات جلبرت سينويه،ويطرح الصحفي حسن عبدالموجود سؤالا على مجموعة من النقاد مفاده: هل عجز النقد العربي عن ملاحقة المطابع؟.

عزيزنا القارئ هذا الملحق موجهٌ لك، حاولنا فيه أن نتوجه إلى ذائقات واشتغالات مختلفة، وأن نعيد للملاحق الثقافية وظيفتها ودرورها الحيوي الأصيل، فتكون مقروءة ليس من النخب فقط، وإنما من عموم القراء؛ فالأدب والعلم والشعر والثقافة هي خبز البشرية وغذاء روحها وسبيلها نحو التقدم والارتقاء. نأمل أن يكون هذا العدد تعبيراً صادقاً عن ذلك.