عمان الثقافي

أدباء عرب يتخيَّلون فلسطين في رواية

27 مارس 2024
27 مارس 2024

عمر طاهر: بطل روايتي مؤلف مسرحي يذهب إلى القدس قبل أن تصلها العصابات ويقع في حب فلسطينية -

منى السليمية: أبدأ روايتي من لحظة تحرير فلسطين.. وسيكون الفلسطيني بطلا لأحداث الحياة العادية -

ليلى عبد الله: عملي يدور حول بعض أبناء جيلي ممن لا يتعاملون مع فلسطين باعتبارها أولوية -

صبحي موسى: روايتي عن ثلاثة أصناف.. قتلى في غزة.. ومدجنين في الضفة.. ومنزوعي الأرواح في بقية العالم -

سليمان المعمري: روايتي المشتركة مع عبدالعزيز الفارسي «شهادة وفاة كلب» عمل ساخر عن فلسطين -

محمود الرحبي: روايتي عن أطفال أبرياء قضوا نحبهم على يد أبشع جيش في التاريخ -

عبد الهادي سعدون: روايتي تنتهي بنظرة متحدية من البطل في وجه جندي صهيوني رغم موته الوشيك -

لا تغيب فلسطينُ عن بال الكتَّاب العرب، يتابعونها في كل لحظة، ويتأثرون بما يجري لها ولأهلها، حتى أن كثيرين منهم يدخلون نوبات اكتئاب حادة، وفي كل مناسبة سعيدة يشعرون بالخجل لمجرد التفكير في أنهم يعيشون حياة عادية مقارنة بإخوانهم الفلسطينيين. في هذا التحقيق يتخيل مجموعة من الأدباء العرب كيف سيكتبون فلسطين في رواية؟

الكاتب المصري عمر طاهر يؤكد أنه لو كتب رواية عن فلسطين فلن تدور أحداثها في الزمن الحالي، وإنما في الزمن القديم، قبل الاحتلال وقبل أن تصل العصابات إليها، أيام أن كان القطار المصري يمر بها.

أبطال الرواية أعضاء فرقة مسرحية يسافرون إلى القدس لعرضها على مسرح المدينة، ومن ضمن المسافرين مؤلف المسرحية، وهو كاتب شاب يعيش حياة مليئة بالنجاح والفلوس والعلاقات والكوكايين والخمور، يعيش حياته بالطول والعرض، لكن هذه المرة يسافر مع الفرقة في حالة اكتئاب شديدة بعد أن ماتت الفتاة التي يحبها، ولا تكون لديه رغبة في الكلام أو في مواصلة الحياة على النحو الذي اعتاده، أو حتى الكتابة، لقد سافر بالرغم عنه تحت ضغط إلحاح نجم الفرقة.

يصل أعضاء الفرقة إلى القدس ويعرضون المسرحية. ثم يستيقظ الكاتب في أحد الصباحات ويقرر أن يسير في الشوارع بلا هدف، يدخل مزرعة ما ويصاب بضربة شمس. يقع وحينما يفيق يجد نفسه في بيت مزارع فلسطيني صاحب أرض وزوجته وبنته، يصرون بكرم على أن يقيم معهم حتى تتحسَّن حالته، يقضي معهم عدة أيام. يستريح للأجواء ويحب ابنة المزارع ومشاعره تكبر ناحيتها، ويبدأ في مصاحبة أبيها في جولاته اليومية إلى المزرعة ليشاركه العمل في الفلاحة.

تستيقظ الكتابة في أعماقه فيبحث عن قلم وأوراق. تبحث عنه الفرقة المسرحية في كل مكان وبعد أسبوع أو اثنين يذهب إليهم ويخبرهم بأنه لن يعود معهم وأنه سيمضي هنا بعض الوقت، ولا يتراجع في قراره، بل إنه يشعر بالاستقرار في القدس، وبالراحة لقربه من الأرض والمكان والطبيعة والحبيبة والناس البسيطة والحياة في بلد لم نرها أبداً وهي آية في الجمال والرقي والهدوء والسكينة قبل أن تصلها العصابات. يعلق عمر طاهر أخيراً: «أظن أن هذا هو ما يجب أن يُوثق ويُكتَب حتى يرى الناس فلسطين الجميلة قبل أن تضيع».

الحدث السعيد

الكاتبة العمانية منى حبراس السليمية تقول: «خطر في بالي أن روايتي تبدأ من هذه اللحظة: نشرات الأخبار في العالم كله توقف بث برامجها ولا يظهر إلا الخط الإخباري العاجل عن تحرُّر فلسطين، سأتخيل بعد ذلك كل ما سيحدث فيها، سأتخيل أن الناس في كل العالم العربي يذهبون إليها في أفواج، وكأن الحج تحوَّل من مكة إلى القدس، يذهبون بالسيارات أو الطائرات وحتى عبر البحر، الكل يهرول فرحا إليها ليشارك في هذا الحدث السعيد، ويسهم في الإعمار، ومن أجل أن يكون شاهدا على هذه اللحظة التي نتمناها على مدى أعمارنا كلها».

وتضيف: «فكرة روايتي هي أن تتحول فلسطين إلى قِبلة للجميع، وأن تكون ملكا للجميع. أفكر في الحياة العادية التي يمكن أن يعيشها الفلسطيني، أن يفكر في مشاكلها الصغيرة التافهة، كالتأخر عن العمل، نسيان التوقيع في البصمة، أن يقع خلال الدوام في مشكلة مع مديره. أن يكون الفلسطيني بطلا للحكايات الصغيرة التي سئمناها في رواياتنا».

الأمل العربي

من جهتها تقول الكاتبة العمانية ليلى عبد الله: «ارتبطت فلسطين دائما في خيالي الطفولي بالخوف. كما مثلت أشد كوابيسي أيضا؛ كنت أظل مُلاحَقة من جنود صهاينة يحاولون قتلي وأهلي. كما رأيتهم يقتلون أطفالا فلسطينيين ويبيدون عائلاتهم في نشرة الأخبار الرئيسية، التي تظل تبث يوميا في بيتنا من التلفزيون. في تلك الطفولة الغضَّة كان الأمل العربي المنشود هو أن تتحرر فلسطين. وأن يستعيد شعبها أرضهم. وكانت إسرائيل هي عدوتنا الأولى والأخيرة».

وتضيف: «أنا من جيل الثمانينيات الطيب. فُطِمنا على تلك المبادئ الراسخة. هذا ما لا يعيه الجيل الحالي. حيث فلسطين لم تعد أولوية لكثير منهم. وإسرائيل من الممكن أن تصبح صديقة، فالتحالفات السياسية والاقتصادية أهم بكثير من التحالفات الإنسانية. هؤلاء الذين ينتمون لجيل التقنيات يمكن أن أغفر لهم تجاوزاتهم لكن لا يمكن أن أصفح عن تجاوزات من يمثلون جيلي».

الرواية التي ستكتبها ليلى عبد الله عن فلسطين ستكون عن الذين خرجوا عن الإجماع من جيلها، عن أولئك الذين زحزحوا فلسطين عن أولوياتهم كقضية تمثل كل العرب. إلى الذين لا يدركون حتى هذه اللحظة أن الضياع الفلسطيني هو ضياعنا كلنا. وخسارتهم هي خسارتنا. ستكون رواية عن المثقف الذي يبيع آراءه للناس بتعبير المسرحي الألماني بريخت، وعن غسيل الأدمغة، وعن خيانتهم لمبادئهم الراسخة. ستمثل الزمن الآني وهو في طريق انحداره إلى تهشيم القيم الإنسانية.

أرواح مُعذَّبة

الكاتب المصري صبحي موسى يؤكد أن فلسطين واحدة من المآسي الإنسانية العظمى، هي جرح غائر لا يريد أن يندمل، هي ندبة في جبين التاريخ الإنساني، مثلها مثل الموريسكيين والهنود الحمر، وما يجري لها الآن هو أمر مماثل لما جرى لهم قديما، يقول: «كانت فلسطين حاضرة في روايتي «الموريسكي الأخير»، وما يجري فيها الآن كان جزءا من الرواية، إذ تسعى الصهيونية العالمية إلى نقل الفلسطينيين لسيناء، وهي حالة تهجير مماثلة لما جرى مع الموريسكيبن».

ويلفت صبحي الانتباه إلى أنه لو قُدِّر له أن يقدم عملا روائيا عن فلسطين، فلا بد أن يكون عن معاناة الفلسطينيين الآن، هذه المعاناة التي لا يحتملها بشر، ويعلق: «دعك من مأساة غزة لأنها واضحة وصريحة، وهي إبادة جماعية وتطهير عرقي يباركه العالم المتحضر كله، وينظر إليه العالم العربي بحزن المغلوب على أمره، لكن لك أن تفكر في المقيمين في الضفة الغربية، مَن نتصور أنهم آمنون، يعيشون حياة مطمئنة، لكن واقعيا يعيشون حالة من الذل والتعاسة اليومية، يعيشون وسط يهود يقيمون في الأماكن المرتفعة بينما هم في الأماكن المنخفضة، يسيرون في طرق محددة لا يمكنهم الخروج عنها، يضطرون للعمل في إسرائيل، ويتمنون ألا تفكر إسرائيل في استيراد قوى عاملة من الهند بديلة عنهم، يقضون ربع حياتهم على الأقل واقفين على الحدود والمعابر ورؤية الأسلاك الشائكة، ربما منهم من يحسد عرب ٤٨ على ما يتمتعون به من مواطنة إسرائيلية، رغم أنهم مواطنون من الدرجة الرابعة، ليس لهم حقوق فعلية في دولة يهودية».

ويضيف: «هذه الحالة أكثر مأساوية من حالة غزة الأبية، القتل في غزة علني وصريح، لكنه لم يمس الروح من الداخل، أما في القطاع فأصحابه يعيشون بأرواح منسحقة طيلة الوقت، والمهاجرون الفلسطينيون يشبهون الكائنات منزوعة الأرواح، يأكلون ويشربون ويضحكون ويتشاجرون دون مشاعر حقيقية، فما زالت أرواحهم حبيسة في أروقة القدس العريقة».

بهذا المعنى ستكون رواية صبحي موسى عن هؤلاء الذين يعيشون موزعين في ثلاثة أصناف، قتلى في غزة، ومدجنين في الضفة، ومنزوعي الأرواح في بقية العالم، أسراب من البشر تجوب الأرض حاملة على أكتافها لعنة أنزلها عليهم أنبياء بني إسرائيل. يعلق: «أعتقد أن أقل ما يمكن أن يقدم للنضال الفلسطيني الآن هو تخليد مأساته، على نحو ما حدث مع الموريسكيين، وأن نقف كحجر عثرة في وجه الصهيونية العالمية ومخططاتها للتطهير العرقي والإبادة الجماعية من جانب، وكسر شوكة الفلسطينيين وقتل أرواحهم على المعابر والحدود».

ويقول أخيرا: «لن أكون بالطبع مشغولا بالنهاية، لكنني أتمنى أن أنتهي بحصول الفلسطينيين على وطن قومي لهم بحدود عام ١٩٦٧ على الأقل، وأن يعود كل المهاجرين للإقامة بين جنباته، وأن يشعر الفلسطيني أنه صاحب حق وليس مجرد ضيف تطارده لعنة الانكسار والتهجير».

رواية مشتركة

الكاتب العماني سليمان المعمري يقول: «لا أدري إن كنت سأكتب رواية مستقلة عن فلسطين، غير أن روايتي المشتركة مع الصديق الراحل عبدالعزيز الفارسي -رحمه الله- والمعنونة «شهادة وفاة كلب» هي رواية عن فلسطين».

تدور أحداث الرواية في بلد عربي مُتخيل اسمه (فرقد) خلال عام 2008، وهو العام الذي شهد مرور ستين عاما على نكبة فلسطين، ومن هذه الأجواء تنطلق الرواية في قالب ساخر أو ما يُمكن تسميته «الكوميديا السوداء» متناولة الواقع العربي المأزوم، ومصورةً الحنين الجارف للأرض الذي يحمله الفلسطيني في منفاه، وما يتعرض له من ظلم ذوي القربى جنبا إلى جنب مع ظلم المحتل. ينطلق السرد من عضة كلب أصابت مؤخرة بطل الرواية العدَّاء الذي يحلم بميدالية الأولمبياد، ليسقط في غيبوبة مدتها ساعتان هما زمن الرواية.

خلال هذه الغيبوبة تتكشف لنا الأحداث من خلال عدة خيوط سردية تتلاقى أحيانا، وتسير بمفردها أحيانا أخرى. الخيط الأول هو خيط العدَّاء الذي عضه الكلب، وعلاقته بالطبيبة جمانة حيث يقع في غرامها ويسعى إلى الارتباط بها بكل طريقة، محاولًا استثمار موهبته في العدْو للحصول على الميدالية الأولمبية في هذه اللعبة. أما الخيط الثاني فهو خيط المسن الفلسطيني عدنان بولس -والد الطبيبة جمانة- وعلاقته بشقيقه التوأم نجيب بولس، إذْ يسعى الشقيقان للقاء ببعضهما البعض منذ افتراقهما وهما طفلان بخروجهما من فلسطين سنة النكبة 1948، حيث اتجه عدنان إلى البلد العربي «فرقد» وعمل هناك مصورا صحافيا في إحدى صحفه وهي صحيفة «البيت»، فيما توجه نجيب إلى سويسرا ونال جنسيتها، بل وصار عضوا في برلمانها ومن أهم تجَّار الساعات السويسرية فيها، وظل الشقيقان يسعيان للقاء ببعضهما البعض طوال مدة الرواية. أما الخيط الثالث فهو خيط وزيرة الرياضة «فتنة الساكت» التي لا مؤهلات لها لهذا المنصب سوى أن الحكومة أرادت من تعيينها تخفيف الانتقادات الخارجية التي تتهمها بإهمال حقوق المرأة..

يغلب الطابع السياسي الساخر على هذه الرواية من خلال تناولها للقضية الفلسطينية وحلم العودة إلى فلسطين من قبل أبطال الرواية الفلسطينيين، وتبيان ما يعانيه اللاجئ الفلسطيني من معاناة خارج وطنه.

متن إنساني

الكاتب العماني محمود الرحبي يقول إنه إذا قُيِّض له أن يكتب نصا متخيلا عن فلسطين فسيكون منصبَّا حول أطفال أبرياء قضوا نحبهم على يد أبشع جيش في التاريخ. ستنسج تلك الرواية متنا إنسانيا على غرار رواية «الحرب والسلام» ولوحات على غرار لوحات جوبا الدموية. يؤكد الرحبي أن الواقع يُعبِّر عن نفسه في أي متخيل حول فلسطين ولا يحتاج إلى تخيل فهو أكبر من كل ابتكار. إنه غورنيكا دموية طويلة لا حد لتفاصيلها البشعة. يمكن أن يحمل العمل الروائي عنوان «غرنيكا فلسطين» ويكون ضمن شخوصه ملائكة يحملون الأطفال إلى السماء. ملائكة يبكون. يستيقظ بطل الرواية من كابوس عصيب لأنه نام وقتا أكبر من اللازم، كان يسكن قرب بحر غزة، في فندق هناك خُصِّص للصحفيين. كان مرهقا جدا تلك الليلة بسبب مساهمته في إعداد حفل يتعلق بفعالية حول التراث الفلسطيني. الكابوس الذي عصف به كان لا يخلو من جنود صهاينة يقتحمون المساكن والفنادق ويطلقون رشاشات بنادقهم دون تمييز. كان ذلك الكابوس ليلة السابع من أكتوبر. ولكن مع تقدم الأحداث سيغدو الكابوس حقيقة بالنسبة للبطل، بل طويل زمنيا ولا نهائي قياسا بكابوس لم يستغرق سوى ثوان. لم يستطع الصهاينة الدخول برشاشاتهم بسبب المقاومة ولكنهم ترجموا كل تلك الرغبة السادية بواسطة الراجمات والقنابل والدبابات والقاذفات المميتة.

مواجهة زميل النضال

من جهته يقول الروائي والأكاديمي العراقي المقيم في إسبانيا عبدالهادي سعدون إنه انشغل، في فترة من الفترات، بالبحث عن أثر المقاتلين العرب المشاركين مع الجمهوريين بالدفاع عن إسبانيا ضد الفرانكوية، خلال حرب أهلية شنيعة مرت بها إسبانيا منذ 1939 وانتهت بهزيمتهم ووصول الجنرال فرانكو لحكم إسبانيا حتى مماته في عام 1975. في تلك الحرب والأيام السود، شارك من يسار العرب من عراقيين وسوريين وفلسطينيين، من مسيحيين ويهود ومسلمين. الكثير منهم مات واندثرت أخباره، وهناك من نجا وعاد إلى بلده. هناك شخصية فلسطينية مسلمة وأخرى يهودية ممن شاركا بشكل واسع في جبهات إسبانية عديدة حتى الهزيمة الأخيرة ليخرجا مع من استطاع الخلاص بجلده من المحرقة. بعد ذلك تختفي أخبارهما، وكان دائما ما يفكر ترى أين انتهى بهما الأمر؟

يجيب: «أغلب أفكاري قادتني إلى أنهما قد عادا إلى هناك، فلسطين، وما جرى بعدها حاولت تخمينه بشيء عن نشاطهما الفكري والسياسي وغيره حتى النكبة 1948، وما تصورته هو التالي: كلاهما عادا لصفوف الحزب الشيوعي، وفي المدن الفلسطينية أُنشئت أوائل الخلايا الشيوعية العربية وضمت بين أعضائها طوائف مختلفة، حتما من بينها الفلسطيني العربي واليهودي الناجيان، وصولا حتى الخلاف والتجافي والعداء، لننتظر في تلك اللحظة الحاسمة التي سينتصر فيها اليهودي لأبناء جلدته متناسيا مواقفه الإنسانية وأفكاره اليسارية، وسيكون مع الجهة التي ستسيطر على فلسطين وتغتصبها. وأتصور النهاية لتلك الرواية المفترضة لو أردت كتابتها كالتالي، صورة البطل (حمزة أبو حليمة) في مواجهة الجندي الصهيوني وهو يشرع بتعذيبه وقتله، بينما أبو حليمة ينظر في عينيه بتحدٍ وكبرياء وانتصار حقيقي رغم موته المؤكد. هذه هي الجملة النهائية لبطلنا الفلسطيني ذاك بمواجهة زميل نضاله اليهودي وجها لوجه، نظرة العتاب الكبرى والتحدي والكبرياء وهو ينظر في عينيه بينما الآخر يرفع بندقيته ويقتله دون أدنى شعور بالذنب».

الهمجية لا الغزو الفضائي

وتؤكد الكاتبة السعودية نجوى العتيبي أن أدب الخيال العلمي درج على تناول أفكار من قبيل مغادرة الأرض والغزو الفضائي وتدمير الإنسان للبيئة بما يملكه من تقنيات ومطامع توسعية. تعلق: «أظن أنها لم تعد مجرد أفكار؛ إذ يرى الإنسان المعاصر حاليا ما هو أدهى بسبب التوحش الصهيوني؛ إذ أُلقيت على غزة ما يقارب قنبلتين نوويتين في آخر ما عثرتُ عليه من المعلومات، فضلا عن تكشف الجثث واستحالة دفن كثير منها، وتحلل الأشياء والتلويث المتعمد لمصادر البيئة؛ فأظن أن الرواية الخيالية المستقبلية يمكن أن تكون تجليات هذا التدمير، فكيف نتوقع مستقبل غزة بعيدا عن ذلك؟ أو هل تظل بلدان البحر المتوسط وما جاورها في مأمن مما يحدث؟».

وتضيف: «أعتقد أن تفعيل الواقع في كتابة خيال علمي أجدر بالتجربة بما يتعلق به من موضوعات تكشفت بعد الجائحة؛ حيث التدمير المتعمد لصحة الإنسان وبيئته، فهي أجدى وأولى من استدعاء آليات نعلم يقينا عدم تحققها». وبحسب نجوى العتيبي، يمكن أن يكون عالم الإنسان الداخلي بعد سقوط الأقنعة عن الهيئات العالمية والحكومات، وبعد انكشاف الإعلام عن الاختراق الصهيوني لمناحيه كلها مثارا لكتابة رواية تحلل تغيُّر الخرائط الشخصية لمختلف الجنسيات، وتعطيها الدور في اقتلاع هذا العالم المنافق، يمكن أن تنطلق أحداثها في الوقت الراهن مما تسفر عنه النتائج المباشرة للهمجية الصهيونية، أو بعد خمسين عاما مثلا بما سيترتب من الآثار المباشرة على الأرض وصلابتها، وتختم كلامها قائلة: «لا أظن أن الأرض ستكون هي الأرض بعد أعوام، وعلينا تحميل الهمجية الصهيونية المسؤولية، لا الغزو الفضائي ولا أي تغيراتٍ أخرى بريئة من التدمير المتعمد للبيئة».