"الأفكار" و "الخيال" ... رأس المال الجديد
لطالما ارتبطت التنمية الاقتصادية بالموارد الطبيعية ورأس المال المادي، في حين حُصر الإبداع طويلًا في سياق التصورات الجمالية والذائقة الثقافية، وتجاهل العالم حتى وقت قريب فكرة معاملته كرأسمال جديد يمكن أن يحرك عجلة النمو ويضيف موردًا غير تقليدي إلى منظومة الإنتاج. وبين من يستمرون في النظر إلى الصناعات الإبداعية بوصفها ترفًا استثماريًا أو نشاطًا ثانويًا، وبين من يعتبرونها صناعة متكاملة تقف خلف اقتصادات متقدمة وتجارب دولية رائدة، يتضح اليوم أن "الفكرة" نفسها أصبحت موردًا استراتيجيًا تتنافس عليه الدول، وتبني حوله سياساتها الاقتصادية وخططها المستقبلية.
فالخيال الذي كان يُنظر إليه في السابق كقدرة فردية أو ملكة إنسانية خاصة، بات اليوم صناعة متكاملة تشكّل جزءًا متناميًا من الاقتصاد العالمي، وتؤكد الأرقام الصادرة عن تقارير الأمم المتحدة هذه المكانة المتنامية حيث تساهم الصناعات الإبداعية بما يصل إلى 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتوفّر أكثر من 6% من الوظائف، فيما تجاوزت صادرات الخدمات الإبداعية 1.4 تريليون دولار في عام 2022، أي ما يعادل ضعف صادرات السلع الإبداعية في الفترة نفسها. وهذه المؤشرات تكشف أن القطاع لم يعد هامشيًا، وبات قادرًا على إحداث أثر مباشر في التجارة والوظائف والابتكار.
وللتركيز على هذا الملف المتنامي في أهميته، خصّص ملحق جريدة عُمان الاقتصادي عدده الثامن لمناقشة الإبداع والخيال كرأس مال جديد، مستعرضًا الأبعاد الاقتصادية للصناعات الإبداعية، وأدوارها في دعم التنويع وتعزيز التنافسية وتمكين المواهب الوطنية، إلى جانب التحديات التي ما زالت تعيق حضورها، مثل غياب البيانات الدقيقة، والنظرة الذهنية التي تحصرها في خانة الترف. كما الملحق ملفات اقتصادية هامة أخرى، من بينها أهمية الصناعات التحويلية كرافعة للنمو الاقتصادي العُماني، وبناء جيل جديد من المؤسسات العامة القادرة على استيعاب التحولات، إلى جانب مناقشة تحديات الاقتصاد العالمي وسبل مواجهتها، وغيرها من القضايا الاقتصادية الهامة.
*رحمة الكلبانية محررة الملحق
