No Image
عُمان الاقتصادي

افتتاحية: المال وذاته الجديدة

12 نوفمبر 2025
12 نوفمبر 2025

منذ أن سك الإنسان أول قطعة معدنية أو صدفة بحرية في الأسواق القديمة، والمال يحكي تحولاته وحاجاته، وروح عصره وطبيعة علاقاته الاجتماعية والاقتصادية؛ فالنقود الحجرية في جزر ياب قديمًا أظهرت أن الثقة أهم من الوزن، كما كشفت الأسواق الأولى في بلاد الرافدين أن الحساب والكتابة كانا ابتكارين ماليين قبل أن يكونا أدوات للمعرفة، ومع كل حقبة تتبدل أشكال النقود لكن جوهرها يبقى واحدًا يتمثل في اعتبارها «وسيلة لتنظيم الثقة وتيسير التبادل».

واليوم يعيد العالم اكتشاف هذه الفكرة القديمة بثوب جديد، إذ تدخل الأنظمة المالية مرحلة يتحوّل فيها المال من رموز مادية إلى رموز رقمية، ومن وسيط للتبادل إلى منظومة ذكية تُدار بالبيانات والخوارزميات. ومع تصاعد موجات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتمويل الأخضر، يبدو أننا لا نشهد فقط تحديثًا في أدوات الاقتصاد، بل نقلة فكرية تعيد تعريف معنى المال نفسه من مجرد أداة تداول إلى أداة لبناء الثقة والاستدامة.

وتجمع التقارير الدولية الحديثة على فكرة أن النظام المالي لم يعد في طور التحديث فحسب، بل في طور إعادة اكتشاف ذاته، فالترميز الرقمي للأصول، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار، والتمويل الأخضر الموجّه نحو الطاقة النظيفة، كلها تحولات تُعيد تعريف معنى التمويل، حيث لم يعد الأمر مرتبطا بسرعة المعاملة أو حجم السيولة، بل بقدرة المنظومة المالية على خلق قيمة مستدامة، تتوازن فيها الكفاءة مع العدالة، والابتكار مع الانضباط، والربح مع الأثر البيئي والاجتماعي.

ويفتح ملحق جريدة «عُمان الاقتصادي» في عدده العاشر صفحاته لقراءة معمقة في التمويل الذكي والمستدام، واستشراف مستقبل السندات الخضراء بوصفها إحدى أهم أدوات تمويل التحول نحو الاقتصاد منخفض الكربون. كما يتناول العدد التحديات التي تواجه الأسواق المالية في زمن الأدوات الذكية والفقاعات الرقمية، وما تثيره من تساؤلات حول حدود التكنولوجيا وقدرتها على تحقيق التوازن بين الكفاءة والمخاطرة، وغيرها من المواضيع ذات الصلة.

رحمة الكلبانية محررة الملحق