روضة الصائم

مروان الحبسي: كل إنسان في هذا الكوكب قادر على حفظ القرآن الكريم

26 أبريل 2022
حوار مع أهل القرآن
26 أبريل 2022

في أول أسبوع من الصف الثاني عشر أنهيت الحفظ كاملا

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في حصولهم على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، كيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذللها الله لهم لاجتيازهم هذا الدرب؟ وقصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها، كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «مروان بن محمد الحبسي».

يخبرنا مروان الحبسي عن بداية رحلته مع حفظ كتاب الله وكيف أنه مر بمرحلتين فيقول: «حفظي للقرآن الكريم مر بمرحلتين الأولى كانت لما قبل دخولي مركز الشيخ حمود الصوافي وهذه المرحلة كانت فيها الكثير من الأخطاء لعدم وجود موجه، فلم يكن عندي معلم أو ناصح، وكما أنه لم تكن لدي الطريقة المناسبة للحفظ، وكان أهلي يشجعوني على حفظ القرآن وتلاوته.

والمرحلة الثانية تتمثل في دخولي إلى مركز الشيخ حمود الصوافي ـ حفظه الله ـ فقد كان يحثنا كثيرا على حفظ القرآن الكريم، وكان يسمع لنا يوميا في حلقة الفجر، وهذا ما شجعني على مواصلة الحفظ، ثم بعد ذلك ارتبطت مع أحد الأساتذة في المركز وهو الأستاذ زاهر بن ناصر الإسماعيلي، واتفقت معه على أن أحفظ القرآن كاملا على يديه، وكان يسمع لي يوميا، ووضع لي جدولا محددا للحفظ، فكنت آتيه مساء فيسمع لي مقرر الحفظ، وبعدها يأمرني بحفظ المقرر الجديد، وأكرره كثيرا، وكان يركز كثيرا على مسألة التكرار، وكنت أكرر السورة الواحدة أكثر من 10 مرات بعد حفظها، ثم انتقل إلى السورة التي بعدها، وهكذا إلى أن أتممت الحفظ كاملا.

أما عن بدايته الحقيقية فيقول: «بدأت حفظ القرآن الكريم كبداية حقيقية في الصف الحادي عشر، وكان الأستاذ زاهر هو المتابع لي وكان الشيخ حمود يسمّع لي ويشجعني كثيرا على المواصلة، واستمر هذا الأمر حتى أنهيت الصف الحادي عشر، وفي أول أسبوع من الصف الثاني عشر أنهيت بفضل الله تعالى حفظ القرآن الكريم كاملا، وهنا لمحة أن الإنسان عندما يبدأ بعمل يجب عليه أن يخطط له أولا، فتلك السنوات التي قضيتها قبل دخولي المركز فيما يقارب 4 سنوات، لم أحفظ فيها إلا 5 أجزاء، ولكن بعد دخولي المركز كانت هنالك رؤية واضحة، وبوجود أستاذ موجه، هي التي جعلتني أحفظ القرآن الكريم خلال سنة ونصف تقريبا».

وحول تنظيم الوقت بين حفظ لكتاب الله والتحصيل الدراسي أوضح الحبسي أنه «من خلال التجربة بأن من استغرق وقته في حفظ القرآن الكريم فإن التحصيل الدراسي سيرتفع معه بعون الله تعالى، وذلك إنني كنت أحفظ القرآن الكريم حتى في أيام الاختبارات، ولا أتوقف عن حفظه، وقد حصلت بفضل الله تعالى على نسبة 94% في الصف الثاني عشر، بالإضافة إلى حفظي القرآن الكريم كاملا.

وأضاف: «الإنسان إذا نظم وقته، وجعل لكل عمل مهم نصيبه من الوقت، فإنه لن يضيع شيئا بإذن الله، وأفضل ما يرتب جدول الإنسان هو حفظ القرآن الكريم، فأنا الآن أتمنى أن ترجع تلك الأيام التي كنت استغرق فيها الوقت في حفظ القرآن الكريم لأن جدولي كان منضبطا جدا، لأنني أعرف أن هذا الوقت مخصص لحفظ القرآن الكريم، والوقت الآخر لمراجعة الدروس المدرسية، فكنت استغل حتى وقت ذهابي من المركز إلى الحافلة في مراجعة القرآن، واستغل وقت ركوبي إلى الحافلة في المراجعة، فإذا وصلت إلى المدرسة ووجدت أحد الطلاب أطلب منه أن يسمع لي، وفي الفسحة أتناول الوجبة ثم أطلب من أحدهم أن يسمع لي».

أما بالنسبة للصعوبات فأخبرنا أنها «كانت منحصرة في المرحلة التي كانت قبل دخولي المركز، فلم يكن عندي موجه وشيخ محفظ، ولم يكن هناك جدول محدد أتّبعه، وبسبب هذه الأشياء لم استطع التوفيق بين الحفظ وبين التحصيل الدراسي، ولكن هذه الأشياء اختفت بعد دخولي المركز».

وبيّن أن البركة تحل على حفاظ القرآن الكريم في كل مجال من مجالات حياته، فمن أنواع البركة المتمثلة في الجانب الروحي، وذلك أن الحافظ لكتاب الله يستشعر السعادة التي تغمره لحفظه، وجلوسه ليتلو آيات الله أثناء الليل وأطراف النهار، وكذلك السعادة تغمره عندما يقوم بين يدي الله تعالى في الليل يتلو آيات ربه، ويطيل قراءته ويستشعر الأوامر والنواهي التي يطلب الله منه في كتابه العزيز أن يفعلها أو يجتنبها، فالمكثر من تلاوة القرآن تجده دائما في سعادة وانشراح في الصدر.

ومن جوانب البركة التي يجدها الحافظ تتجسد في الجانب العلمي، فالمتخصص في الشريعة أو الجوانب العلمية الأخرى، يجد في القرآن الكريم كنوزا تعينه على تخصصه، فأنا متخصص في الشريعة، وأجد بركة القرآن الكريم جلية فيما يتعلق بالفقه والأصول أو التفسير.

ومن جوانب البركة التي أخبرنا بها الحبسي هو أن «حافظ الكتاب الكريم يجد بركة في ماله، فهو بركة في الدنيا وفي الآخرة، فيجد ذلك في حياته اليومية، بالإضافة إلى مشاركته في مسابقات القرآن الكريم وحصوله على الجوائز التي يستعين بها على قضاء حاجاته.

وكذلك بركة في الجانب الأسري من حيث تنشئة الأطفال على حب كتاب الله وحفظه، كما يقيم حلقة قرآنية في البيت، لأنه تعود على أن يكون أغلب وقته في قراءة القرآن فتجد البيت عامرا بتلاوة الذكر الحكيم».

وحول تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله، يقول: كل إنسان في هذا الكوكب قادر على حفظ القرآن الكريم، والدليل على ذلك قوله تعالى: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ»، والواقع أصرح دليل، فترى كثيرا من الناس لا يعرف في العربية شيئا، فلو قلت له «كيف حالك؟» لا يستطيع أن يجيبك، لأنه لا يعرف العربية، ولكن لو قلت له اقرأ سورة كذا لقرأها بدون أي خطأ، وبعضهم يستطيع أن يعرف مواضع الآيات وأرقامها، ولا يعرف في العربية شيئا، وهذا يعطيك دلالة قاطعة أن كل شخص يستطيع أن يحفظ القرآن الكريم، ولكن الفرق بين من حفظ ومن لم يحفظ لأن الأول عنده همة، وصبر في حفظه لكتاب الله، والآخر لم يصبر ولم يسع لذلك الأمر، ولا بد من المجاهدة في هذا الأمر، فالله تعالى يقول: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا».

وأكد الحبسي على أن التكرار هو من أهم الطرق التي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان فقال: أكثر الأشياء التي رأيتها تعين على تثبيت الحفظ هي التكرار، فأرى شيخي الشيخ حمود الصوافي ـ حفظه الله ـ عنده ختمة لحلقة الفجر، وعنده ختمة لصلاة الفجر، وعنده ورد يومي يقرؤه بنفسه من القرآن الكريم، وعنده ورد لقيام الليل، فهذا التعهد للقرآن الكريم وكثرة تكراره يرسخ القرآن ترسيخا، ومن أسرار القرآن أنه يتفلت سريعا، وذلك ليحرص المرء على تلاوته كثيرا وتكراره كي لا يذهب عنه، فالنبي صلى الله عليه وسلـم يقول: «مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت»، فإن أطلق حفظه للقرآن الكريم ولم يعاهده ذهب عنه سريعا.

وأضاف: ومن المهم أيضا أن الإنسان لا يستعجل في الحفظ، فحفظه الأول يجب عليه أن يكون متقنا، فيجب عليه أن يحفظ السورة ويتقنها من دون أخطاء، ثم ينتقل إلى السورة التي بعدها، أما أن يستعجل في حفظه للقرآن الكريم فهذا ما يسبب له النسيان.

وحكى لنا قصة طريفة حصلت له أثناء مسيرة حفظه للقرآن بقوله: «من القصص الطريفة التي حصلت لي أنني كنت مشتغلا بحفظ القرآن الكريم كما ذكرت سابقا، وفي يوم من الأيام، أتيت إلى المدرسة، وكعادتي أراجع القرآن الكريم في الحافلة وفي المدرسة، وعندما دخلت الصف وجدت الطلاب يمسكون كتبهم ويراجعون، فعجبت لأمرهم لأنها ليست عادتهم، فسألتهم فأخبروني أنه يوجد عندنا اختبار في الحصة الثانية، وأنا لم أراجع في الكتاب شيئا، وكان الاختبار في الحصة الثانية، فتوقفت عن مراجعة القرآن وبدأت بمراجعة الكتاب في الحصة الأولى لمدة 40 دقيقة، ودخلت الاختبار، وأجبت عن الأسئلة وانتهيت ووضعت القلم، فسألني الأستاذ هل تريد مني أن أصحح لك الاختبار الآن فقلت له نعم، فبعد أن انتهى من تصحيح ورقتي قال: حصل مروان على الدرجة كاملة، فبعض الطلاب الذين سألتهم في الصباح وكانوا يعلمون أنني لم أراجع بالأمس، عجبوا كيف انتهيت من الاختبار قبلهم وحصلت على الدرجة النهائية، فأنا أذكر هذه القصة من أجل إبراز بركة القرآن الكريم، فهو يفتح العقل، ويوسع المدارك، فتجد الحافظ يستوعب المعلومات بسرعة».

وسألناه عن الآيات التي تتردد في ذهنه ويجد نفسه تتلفظ بها دون أن يشعر قال: هناك مجموعة من الآيات منها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» وقوله تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»، ومن الآيات التي استحضرها الآن في رمضان: «رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ».

وأمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. سألناه عن الطرق والأساليب التي من خلالها يمكن ربط الناشئة بالقرآن الكريم فقال: لا أرى شيئا أفضل من المراكز الصيفية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، فمن قوانين المراكز أنه لا يسمح له باستخدام الهاتف إلا في فترة محددة، فمثلا يذهب إلى مركز لتحفيظ القرآن الكريم ويمكث فيه 3 أشهر لا يستخدم فيه الهاتف إلا في يوم الجمعة فقط أو في يوم السبت، من الساعة 8 إلى الساعة 11، طبعا يستطيع أن يستخدم هاتف المركز في السلام على أهله، ولكن لا يسمح له باستخدام هاتفه الخاص إلا في الوقت الذي حدد له، وهكذا يرى الثمرة التي حققها عندما ترك الهاتف، سيعلم يقينا أن وسائل التواصل التي مكث عليها سنوات لم تزد في رصيده شيئا إلا ضياع الأوقات، سيدرك تماما أنه عندما تركها حقق إنجازا عظيما وهو حفظ كتاب الله.

وعرجنا في حوارنا إلى دور المسابقات في إتقان الحفظ وضبطه وتثبته فقال: بالنسبة للمسابقات نعم من أكبر الحوافز لضبط الحفظ وإتقانه لأن حافظ القرآن سيستعد لها استعدادا كبيرا، ويبذل جهدا بالغا حتى يحصل على تلك الجائزة، ويكرمه الله تعالى بالفوز.

فقد شاركت مجموعة من المسابقات المحلية منها مسابقة السلطان قابوس في سنوات عديدة وحصلت على المراكز الأولى، وشاركت في مسابقات دولية منها مسابقة دولية في إيران وفي المملكة العربية السعودية».

وسألناه عن كيفية استعداد الحفاظ للمشاركة في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم؟ فأجاب: «في الحقيقة أنا مما أتأسف عليه هو عدم وجود الاهتمام الكافي من المسؤولين في هذا المجال معنا بتدريب الطلبة على المسابقات الدولية، وقد شاركت في العديد من المسابقات الدولية وجلست مع حفاظ كتاب الله من دول مختلفة ورأيت كيف أن دولهم تبذل لهم إمكانيات ولجانا للتسميع ولضبط المحفوظ ويصل هذا الاهتمام لسنة كاملة ليستخرجوا منهم واحدا ليمثل الدولة، ومما نأسف عليه أن هذا الأمر لا يوجد في بلادنا أبدا، فتجد أن الحافظ عندنا يقوم بكل شيء ما عدا توفير تذكرة السفر، فنحن بأنفسنا نقوم بالمراجعة والتحضير بطريقة فردية، فتجعل أحدا من أهلك أو أصدقائك يسمعون لك، أما ما سمعناه بأنفسنا من خلال الحفاظ المشاركين من الدول المختلفة فيقولون لنا أن عندهم لجانا يسمعون له باستمرار».

ومروان الحبسي يجيد قراءة حفص عن عاصم، والآن يأخذ الإجازة فيها وبيّن أنه من «الأفكار التي نطمح لها أن يكون في البلد مركز لتحفيظ القرآن الكريم، ويتخرج منه الحفظة لكتاب الله وتقام لهم المسابقات والرحلات، وغيرها من الفعاليات التي تشجع الطلبة على حفظ كتاب الله وتربيتهم على الأخلاق الحميدة والعادات والتقاليد العمانية الحميدة، وهذا المركز لا يكون إلا بتكاتف المجتمع بكل أطيافه، وكذلك الجهات الحكومية المعنية بهذا الأمر».