No Image
روضة الصائم

الطائي: رائد الأدب السردي العماني الحديث

07 أبريل 2024
07 أبريل 2024

استل هذا العنوان من مقالة طويلة للدكتور محسن الكندي، بعنوان "عبدالله الطائي وريادة الكتابة الأدبية العمانية الحديثة" والتي نشرتها مجلة نزوى، وأقع في ذات الحيرة التي يقع فيها الكندي في محاولة الكتابة عن الطائي حين يقول"تتنوع تجربة عبدالله الطائي بين فنون أدبية مختلفة؟ إذ لم يتوقف قلمه عند لون واحد من ألوان الأدب. فكتب الشعر، والقصة، والرواية، والمسرحية، والمقالة، والدراسة البحثية"، والرسالة الأدبية، والمذكرات الشخصية، فاستطاع - عبر ثلاثين عاما- أن يشكل لنفسه خارطة أدبية أهلته بعض مكوناتها أن يتخذ مكان الريادة في الأدب العماني الحديث"، فهذان أمران يعقدان الكتابة عن الطائي، أولا: تنوّع الفنون الأدبية التي كتب فيها، وثانيا: لريادته لأكثرها.

ولأننا محاصرون بمساحة معينة في الجريدة، فنحن هن، سنعتمد اعتمادا كبيرا على مقالة الكندي، تلك والتي في بدايتها أرجع سبب "التنوع الخصب في تجربة الطائي الأدبية إلى عوامل متعددة، منها:

أولا: قدرته الفكرية ومواهبه الأدبية، وسعة ثقافته التي ساعدته على طرق فنون شتى.

ثانيا: تشجيع زملائه له إبان اغترابه وبخاصة عندما كان في البحرين والكويت؟ إذ توطدت علاقاته بشعراء وكتاب ومؤرخين كان لهم باع في تلك المجالات، ولعلنا نذكر صداقاته بإبراهيم العريض وأحمد الخليفة وعبد الرزاق البصير: إذ كان لكل هؤلاء وغيرهم دور في إذكاء ذلك التنوع.

ثالثا: وجود مناخ ثقافي استوعب تطلعات الطائي الأدبية تلك، ويتمثل ذلك في الأندية التي كان يتولى إدارتها الثقافية، والجلسات الثقافية والفكرية الخاصة التي كان يقيمها أصدقاؤه سواء في البحرين أو الكويت.

رابعا: تجربته الحياتية الخاصة المنبثقة من ظروف بلاده، والتي حتمت عليه ضرورة توثيقها وتسجيلها، وتشجيعها أحيانا عبر مضامين شتى من الإبداع الأدبي، ويتضح ذلك في بعض أعماله وبخاصة القصصية والروائية.

خامسا: المهن والوظائف التي عمل فيها، أسهمت بشكل كبير في خلق ذلك التنوع. فالإذاعة والصحافة أذكت حسه الابداعي في مجال كتابة المقال بكافة أنواعه، كما أن اشتغاله بمهنة التدريس شجعه على محاولة تأليف كتاب في التاريخ أو بعض مقالات فيه، وطرح بعض إرهاصات المسرح المدرسي، ومحاولة إخراجها.

سادسا: الظروف السياسية والثقافية للعصر الذي عاشه، فالأولى تمثّلت في ذيوع وانتشار المد القومي، الذي أثر في اتجاهات الأدباء، وميولهم الفكرية الرامية الى مضامين قومية عديدة كالنضال ضد المستعمر والوحدة وتسجيل الوقائع السياسية وغير ذلك، ويمكن أن فتمثل لذلك برواياته وقصصه القصيرة. أما الثانية وهي (الظروف الثقافية) التي عاشتها البلاد العربية الأكثر تطورا كمصر والعراق والشام، فقد أتاحت لأدباء الخليج أن يتأثروا بها، وبخاصة فيما يتعلق بتنوع الإنتاج الأدبي، فقد أحس هؤلاء الأدباء أن بلدانهم تفتقر الى هذا النمط الأدبي، الأمر الذي أدى الى أسلوب المجاراة أحيانا، ومن ثم طرح تلك المستويات، دون النظر الى مدى إمكانية الإبداع فيها.

ويمكن تجلية هذا الإنتاج في المجالات وهي:

أولا: الشعر: وقد تناولناه في مقال سابق:

ثانيا: الرواية، حيث كتب الطائي روايتين هما: "ملائكة الجبل الأخضر" و"الشراع الكبير" والأولى تدور أحداثها الدرامية العامة متخذة من مبادي القومية العربية الرامية إلى الوحدة ما يدعم توجهات المؤلف وأفكاره في ذلك الوقت، لذلك يرسم الكاتب مجال الحركة لشخصيات الرواية وأبطالها عبر مساحة زمانية ومكانية كبيرة نوعا ما: فالأبطال الرئيسيون يتحركون من القاهرة الى بغداد والكويت مرورا بالبحرين، وإمارات ساحل الخليج. وتجدر الإشارة الى أن الطائي بدأ كتابة هذه الرواية في البحرين عام 1958، وأتمها في الكويت عام 1962، وطبعها في بيروت (مطابع الوفاء) عام 1963.وهذه الدائرة توافق مجال الحركة لشخصيات الرواية وأحداثها المرتسمة في أبعاد مكانية كثيرة، وهو توافق يرجع في ذات الوقت الى حياة الطائي المتنقلة. أما الرواية الثانية: "الشراع الكبير"، فهي رواية تاريخية تتحدث عن كفاح الخليج العربي ضد المستعمر البرتغالي في القرن السادس عشر. مستلهمة أهداف الوحدة والتكاتف والثورة ضد الاستعمار. وقد كتب الطائي هذه الرواية ما بين عامي 69- 1971، وتولى أبناؤه طباعتها من بعده.

ثالثا: القصة القصيرة، ولم يكتب الطائي أكثر من سبع قصص، إحداها طويلة وهي "المغلغل"، أما الست الأخريات فطابعها طابع القصة القصيرة، وتشير تواريخ القصص الأربع الأولى، الى أن الطائي قام بكتابتها عام 1942، أثناء وجوده في بغداد طالبا في مدارسها الابتدائية والإعدادية، وهو بذلك أول من طرق هذا الفن الأدبي على الصعيد العماني، مشكلا ريادته له تاريخيا.

رابعا: المسرحية، فيعود للطائي فضل الريادة في كتابة المسرحية الشعرية والنثرية في الأدب العماني، عبر مسرحيتيه "جابر عثرات الكرام " و" بشرى لعبد المطلب "، وتبرز هنا حقيقتان: أولهما: أن الطائي حين كتب مسرحيته الأولى "جابر عثرات الكرام " في إطار مسرحي شعري ملائم. ثانيهما: إن المسرحيتين لا تختلفان عن تقليد المسرح المدرسي إذ قدمهما لهدف تعليمي يدخل فيه إذكاء النشاط المسرحي لدى طلابه، وقدمتا على مسرح المدرسة السعيدية. فكان هاجسه فيهما تعليميا لا فنيا، ولذلك انصرف عن كتابه غيرهما.

خامسا: المقال، حيث نال المقال عناية كبرى: إذ يبلغ مجمل ما كتبه في هذا المجال (281) مقالا تتنوع بين أنماط عدة أهمها: المقال الأدبي والمقال التاريخي، والمقال الاجتماعي، والمقال الإسلامي. والطائي غزير الإنتاج في هذا المجال، ويعود ذلك الى مهنته الصحفية والإذاعية التي ساعدت في إذكاء روح الكتابة المقالية فلا غرر أن نجد إنتاجه موزعا بين صحف وإذاعات الخليج والوطن العربي. وأول مقال من هذه المقالات عنوانه "في العيد"، وقد كتبه في 18/ 10/ 1940، ولقد تم جمع بعض ذلك الإنتاج في كتب عديدة أهمها "الأدب المعاصر في الخليج العربي"، و"دراسات عن الخليج العربي" و"شعراء معاصرون " و"مواقف".

سادسا: السيرة الذاتية، حيث تعد سيرة الطائي الذاتية من طلائع السير الذاتية التي كتبها كتاب الخليج العربي وشخصياته الأدبية والثقافية، فقد شرع في كتابتها بتاريخ 23/ 9/ 1949، وسجل أحداثا كثيرة في الخمسينات والستينات والسبعينات، وآخر يومية كتبها ترجع الى 9/ 9/ 1971، وبين هذين التاريخين (البداية والنهاية) يمكن القول أنها تناولت ثلاث مراحل من حياته، أولها مرحلة مسقط –باكستان –فنلمح حياته الاجتماعية في أسرته، ووظيفته كمدرس وما لاقاه فيها من صعوبات إدارية وتعليمية، أدت به في نهاية المطاف الى الهجرة إلى باكستان ليعمل مدرسا، في كلية اللغة العربية، ومن ثم رجوعه إلى مسقط مرة أخرى لما لاقاه من ظروف اقتصادية حتمت عودته، وفي مسقط وباكستان يسجل أحداثا، ومواقف طريفة، مسجلا نشاطه الأدبي في هذه المرحلة.

أما المرحلة الثانية فهي رحلة البحرين – الكويت، وكتبت على هيئة يوميات سجل فيها باقتضاب ما حدث في أيامه من أحداث مهمة، كان أغلبها ذا طابع حياتي واجتماعي وثقافي عام. ونجد رصدا لكل ما نشره أو أذاعه في هذه الفترة، إضافة الى ما قام به من أنشطة في النوادي والجمعيات الثقافية. والمرحلة الثالثة مرحلة الإمارات -عمان، وهي مرحلة أقل وطأة على كاتبها من سابقتيها، ونلاحظ قلة تسجيل الطائي ليومياته فيها، ويكتفي بالإشارة المقتضبة إليها ناهيك عن بروز عنصر الحذر من الاستطراد في شرح بعض مجرياتها. وهي تقترن بتوليه مناصب استوجبت منه عنصر الكتمان.

ولا يلجأ الطائي في سيرته الى الخيال كثيرا في تصويره للمواقف: فأغلب ما جاء في سيرته عبارة عن حقائق واقعية مدعمة بالأدلة والبراهين، وسيرة الطائي كانت مغلفة ببعض الشذرات السلبية التي فرضتها عليه عواطفه الدينية والخلقية والاجتماعية، فحولت بعض ملامحها إلى وعظ وتذكير بقدرة الله. ومن جانب آخر كانت المشاعر الدينية والمبادئ الأخلاقية ظاهرتين في سيرة الطائي وهي بذلك لونت العمل الأدبي وأثرت في حقائقه. كما أنه صور لنا الجانب الإيجابي من حياته والجانب الذي لا يمس سمعته الطيبة بشيء، وترك الجانب الآخر منسيا.

أما قيمة هذه السيرة فكبيرة، يكفيه أنه حاول تسجيل مواقف، وتوثيق أحداث لم تكن في الحسبان خاصة تلك التي شملت الأحداث الثقافية في منطقة الخليج بأسرها ولم يكن تسجيله ذلك في إطار تاريخي بحت، بل كان ممتزجا بالطابع الأدبي؟ وهو بذلك يحتل مكان الريادة في هذا المجال وهي ريادة تضاف الى رياداته في كتابة فن القصة والمسرح والرواية في عمان وأوطانه الخليجية التي عاش فيها فترات من عمره.

***

هذا هو مجمل إنتاج الطائي الأدبي مخطوطا ومنشورا غير أن إنتاجا آخر في مجال التاريخ يمكن الإشارة إليه ويتمثل في كتابه الذي جمعه ووسمه بـ"تاريخ عمان السياسي" وقدم فيه قراءة أولية للتاريخ العماني على امتداده الطويل، مستجليا فيا رؤى وطنية وأخرى قومية.