No Image
روضة الصائم

محمد الشحري :في السابق قد تملك المال ولكن لا تجد حاجتك في السوق

12 أبريل 2023
ذكريات الشهر الفضيل
12 أبريل 2023

1949م كانت من السنين العجاف التي نفق فيها معظم ما نملكه من حيوانات -

شهر رمضان الفضيل شهر يحن إليه المسلمون ويفرحون به، حيث الذكريات الجميلة التي تصاحب هذا الشهر، وكثرة الأذكار والقيام والأعمال التطوعية التي تنشط في هذا الشهر المبارك، والكثير من كبار السن يحملون ذكريات متنوعة عن أيام الصوم، ومن أجل الوقوف على محطات من ذاكرة الصوم قديما في ظفار، التقت جريدة عُمان بالشيخ محمد بن عوض الشحري الملقب (بر نفع)، والبالغ من العمر ٧٩ عاما من سكان منطقة غدو بولاية صلالة في محافظة ظفار، وقد عرف عنه الثقافة الواسعة واهتمامه بالنسيج الاجتماعي. يتمتع الشيخ بذاكرة قوية تظهر جلية من خلال ما يروي من أحداث قديمة يستحضرها بدقة وبكامل تفاصيلها وكأنها حديثة العهد به، حيث كانت حياته مليئة بتقلبات الزمن والأحزان، فقد توفي والده وهو في سن الطفولة، وما أن بلغ سن الشباب (17 عاما) حتى فوجئ بمصيبة غرق أخيه الأكبر والوحيد، وذلك عام 1959م (حادثة الغريقة)، وكان حينها مسافرًا إلى الخليج وتحديدًا إلى دولة الكويت الشقيقة بحثًا عن عمل يعين به أمه وأخواته.

وقد روى لنا خلال حوارنا معه في منزله الذي استغرق زهاء ساعة ونصف عن حال الصوم في رمضان قديما، وبسؤالي عن أول رمضان صامه، ومن أمره به، وهل كان في الصيف أم في الشتاء، والاستعدادات للشهر وما يصاحب ذلك من فعاليات؟

رد قائلا: أول رمضان صمته كان وعمري سبع سنوات؛ لأن العادة أن يوجه الآباء والأمهات أبناءهم للصيام في ذلك العمر، وأمي أمرتني بالصيام، لأن أبي توفي وأنا أبلغ من العمر فقط سنتين، ولا أذكر الوقت إن كان صيفا أو شتاء، وكما تعلم أن الحواضر وقتها (صلالة - مرباط - طاقة – رخيوت - ضلكوت)، كان فيها أئمة وأسر لا تزال إلى يومنا هذا تقوم بحساب التواريخ الهجرية، كأسرة بيت باعقبة في عوقد، وكان التواصل عبر نزول الأفراد للمدينة لمعرفة حسبة التاريخ الهجري، ثم يتحرون الشهر بالرؤية، والحكومة كانت وقتها تطلق عند ثبوت هلال شهر رمضان وهلال العيد ثلاث طلقات نارية من المدفعية بدون ذخيرة حية، والقرى القريبة من المدينة كانت تسمع صوت المدفعية، ومن لم يكن قريبا من المدينة ورأى الهلال كان يطلق من بندقيته طلقتين على أنه رأى الهلال، ومن لم تكن معه بندقية كان ينادي بصوت عالٍ على أنه رأى الهلال، والصوت في أيامها كان مسموعا؛ لأنه لم يكن هناك ضجيج كأصوات السيارات والأجهزة الكهربائية الحالية، ويشترط أن يكون مع من نادى شاهد آخر على رؤية الهلال.

وحول قضاء الوقت في النهار ونصيب القرآن من ذلك، قال الشيخ محمد الشحري: إنه لم تكن هناك مدارس في القرى، ولا يوجد معلمو قرآن، ومن أراد تعلم القرآن عليه أن ينزل للمدن ويتفرغ وهذا صعب جدا لأهل الجبال والبوادي؛ لشظف العيش وقلة المؤونة، وانشغال الكل بالأعمال اليومية، فنمط الحياة يلزم الجميع بذلك؛ لكون الأعمال توزع جماعيا، مما يجعل الوقت لا يكفي للتعلم، ولم تكن هناك وسائل مسموعة كالراديو وغيرها لبث الوعي والترغيب في التعلم.

أذكر جيدا أنه كانت هناك امرأتان من المدينة لهما ارتباط أسري مع أهل الريف، وكانتا متعلمتين للقرآن، وتقومان بتعليمه في حال وجودهما عند أقاربهما بالريف، وتعلم لديهما من قريتنا المرحومة خيار بنت محاد فرج صيقار الكثيرية، وطفول بنت سالم بن فرج الكثيرية، وخير بنت سعيد بن محمد جناشال الشحرية، والمرأتان اللتان كانتا تعلمان القرآن هما خير بنت علي المرّاث بن عبدالودود وجمعة بنت أحمد علي الكتيني الرواس.

كما تعلم المرحوم بخيت بن مسلم أسيلم الكثيري القرآن أيضا في المدينة ولا أدري لدى من تعلم القرآن، وهؤلاء قاموا بدورهم في تحفيظ من حولهم سور القرآن للصلاة، وكنا نقضي أيام رمضان كباقي الأيام في العمل اليومي في رعي الماشية، وإذا صادف رمضان وقت الخريف نقوم أيضا بالزراعة الموسمية مع الأمطار بالإضافة للأعمال اليومية التي بها تتيسر أمور معيشتنا.

وحول المأكولات الرمضانية يقول: إن الإمكانيات قليلة ونادرة، وقلما تجد شيئا تفطر عليه، اللهم شربة لبن أو كأس ماء وبحسب الموسم فقد تكون هناك ثمار لأشجار برية يتم جمعها وتحضيرها للإفطار، وهناك أوقات أخرى تتوفر فيها اللحوم والحنطة وغيرها ولكنها متقطعة ولا تثبت على حال وكذا حال السحور فقد لا تجد ما يؤكل أو حتى يشرب.

وذكر الشيخ محمد الشحري: إن ظروف الحياة في تلك الفترة كانت صعبة جدا حيث يكون لديك أحيانا المال ولا تجد ما تريد شراءه في السوق، فمثلا من المواقف المعبرة عن ذلك قصة لثلاثة أشخاص، نزلوا للمدينة أملا في شراء طعام خاص بالعيد ليتم إعداده وتقديمه للمعاودين يوم الفطر، وبالفعل بحثوا في المدينة لمدة ثلاثة أيام متواصلة بدءا بالدهاريز ووصولا إلى عوقد ومرورا بصلالة وعيونهم على الأرز مع توفر النقد ولكنهم لم يجدوا شيئا. فاتفقوا على ذبح بقرة يقايضون بها قعودا عمره سنة، يعطى لصاحب البقرة بعد سنتين من الاتفاق. وقرروا المبيت بالسهل ليلتها ووفد عليهم رجل من أهل الريف، فعندما رأى النار من بعيد قرر أن يحل ضيفا عليهم لعله يجد ما يقتات عليه من الطعام ولكنهم أخبروه بالقصة فوافق على بيعهم البقرة لتذبح في عيد رمضان، وهذا يدل على ندرة المعروضات في حينها.

وأضاف قائلا: ما يتعرض له الإنسان من أحوال كالجوع والعطش يشاركه فيها كذلك الحيوان فقد تنتظر أياما عديدة لتحصل على مورد مياه من عين أو غيرها لتسقي فيها الماشية، والورود للماء يكون وفق جدول معد ومتفق عليه مسبقا من قبل أهل المنطقة ويحتمل فيه التأخير والتقديم نظرا لشح المياه أو وفرتها. ويشتد الوضع ويزداد سوءا وصعوبة في أوقات الصيف أو بهبوب الرياح الموسمية الجافة. ومع ذلك اكتسبنا المناعة اللازمة لتحمل العطش والجوع وأصبح أمرا بديهيا ومألوفا إذ نكتفي بأي شيء نسد به رمق الجوع أو نطفئ به حرة العطش. وأضاف قائلا: لا شك أن هناك مواسم تتحسن فيها المعيشة وتتوفر فيها المأكولات لا سيما وقت الصرب (الربيع) الذي تكثر فيه إنتاجية المحاصيل الزراعية المحلية التي تزرع في فصل الخريف.

وذكر لنا محمد الشحري أن إحدى السنين العجاف التي مرت بهم، وذلك في عام ١٩٤٩م حيث نفق جميع ما يملكونه من حيوانات وهي ٤٠ رأسا من الغنم و20 رأسا من البقر ولم يتبق معهم سوى رأسين من الأبقار.

وحول اغترابه وسفره لخارج عمان من اجل العمل رجعت من الخارج ووجدت أن على المرحوم الوالد وكذلك أخي المتوفي اكثر من ألف ريال فرنس وبالتحديد (1008) ولا شك تعتبر ديون كبيرة في حينها ورغم جمعي لبعض المال لم أستطع ايفائها مما دفع بأصحاب المال إلى الشكوي وبعدها عرض علي خيار الدفع نقدا او بالتقسيط وعلى مراحل يتم الاتفاق عليها بشرط دفع مبالغ اضافية تصل إلى30% سنوياً كفوائد للمدينين ولم يكن أمامي خيار أخر لعدم قدرتي على دفع المبلغ كدفعة واحدة. لذا قررت العودة إلى الخليج مرةً أخرى للعمل وتنقلت بين عدة دول منها البحرين وتوقف بي السير في قطر وعملت فيها ما يقارب الـ ٥ سنوات. ولم أغادرها إلا وقد جمعت من المال ما استطيع فيه رد الديون المتراكبة وبهذا تمكنت بفضل من الله التخلص من هم أثقل كاهلي لسنوات عجاف لا تنسى . وأشار إلى جهود والدته التي كانت بحق ام مثالية حيث تقوم باعمال شاقة قل أن يقوم بها غيرها. فكانت تقوم بالاحتطاب وجمع الحشائيش واستخلاص الفحم وقطف الثمار من الأشجار المزروعة والبرية وتحمل هذه الاشياء على ظهرها الى المدينة وتبيعها لتؤمن لنا قوت يومنا. بالإضافة لهذا كله فقد كانت تصوم ثلاث اشهر متتاليه وهو شهر رجب و شعبان ورمضان بالإضافة إلى أيام البيض.