عبدالله بن خلف الهنائي
عبدالله بن خلف الهنائي
روضة الصائم

مبدأ المساواة

01 مايو 2021
01 مايو 2021

جاء الإسلام على أنقاض الجاهلية، والتي كانت تعتز بعصبياتها وتتربع في أوساطها الطبقية المقيتة والتي أتعبت الفقراء والمساكين، وفرقت بين بني البشر فجعلت منهم دولا وعبيدا بغير حق، فجاء الإسلام وألغى كل هذه المبادئ وجعل الناس سواسية أمام الله فلا فرق بينهم لا في لون ولا جنس ولا قبيلة ولا عصبية إلا بالتقوى، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فبيّن تعالى أّن هذا الاختلاف في الجنس والقبيلة بقصد التعارف والتآلف، ويقول النبي ﷺ: (النَّاسُ مُستَوُونَ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ فَلَا تَصْحَبَنَّ رَجُلًا لَا يَرَى لَكَ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ) بل قال النبي ﷺ في حجة الوداع: (أَلَا إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَكَبُّرَهَا بِآبَائِهَا، كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، وَأَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). وقد اعتنى القرآن بإبراز مبدأ المساواة بين الناس جميعا في خطاب يحرك الوجدان الإنساني ويجعله يحنوا إلى التعاطف وإلى الترابط بين بني الإنسان ليوضح الصورة التي خُلق لها في هذا الوجود وكونه مجرد بشر لا يغني عنه ميزته بما لديه عن غيره من البشر

قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ...) وهذا يشمل دون استثناء لطبقة دون طبقة، فالناس في الواقع سواسية في حقيقة الإنسانية ولا يقع التفاوت بينهم إلا بسبب الانحراف عن هذه الحقيقة التي تجمعهم.

ولم يقف الإسلام عند ذلك بل حارب هذه النعرات وقلل من قيمتها ودعا إلى تركها كونها تضرّ بالإنسانية جمعاء وبالإسلام خصوصا، ولنا مثال في تطبيق حدود الله تعالى على الجميع من حديث المخزومية التي سرقت وحاول الصحابة التشفع فيها ولكن ثبات مبدأ المساواة عند رسول الله حال بينهم وكان رده (: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). فهنا يطبق الإسلام مبدأ المساواة في تطبيق الحدود، فمهما علت مكانة الإنسان الاجتماعية لا يكون ذلك سببا في تمييزه بين أبناء جنسه. يقول السيد قطب: (بَيْدَ أن الإِسلام بِمُثُلِه العليا لا يقيم لهذه القيم الهزيلة وزنا ولا يهتم بهذه النعرات السخيفة والاعتبارات الصغيرة الواهية، إنه يجعل مقياس التفاضل وميزان العدل الذي توزن به جميع الأعمال والقيم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} بغض النظر عن جميع الملابسات والاعتبارات والقيم الأخرى... وسائر القيم الأخرى لا وزن لها حين تتعرى عن الإيمان والتقوى. والحالة الوحيدة التي يصح لها فيها وزن واعتبار هي حالة ما إذا أنفقت لحساب الإيمان والتقوى!!). وحارب الإسلام الاعتبار المادي بين الناس بتصنيفهم أغنياء وفقراء، وجعل هذا التصنيف لا يعني عند الله شيئا فهم سواء يقول تعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ). ، فهذه الآية بينت أن الرزق المالي ليس سببا في التفريق بين الناس، وإنما هو رزق الله تعالى يهبه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء، بل إن الغني لا يستطيع أن يستغني عن الفقير في تسيير أعماله وكذلك الفقير لا يستغني عن الغني في أخذ المال منه مقابل العمل، وهذا يبين أن الحياة تكاملية بينهما فهم سواء في الدنيا.