No Image
روضة الصائم

مبارك العامري: القرآن ينمي المدارك ويقوي الذاكرة ويزيدك فصاحة وبيانا

10 أبريل 2022
10 أبريل 2022

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في الحصول على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، فكيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذلّلها الله لهم لاجتياز هذا الدرب؟ وما قصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية؟ كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «مبارك بن مسلم العامري».

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم أنه كانت هنالك رغبة شخصية لديك؟ حدثنا عن قصة حفظك بالتفصيل؟

بدأت حفظ كتاب الله العزيز منذ الصف الرابع الابتدائي، فكرة الحفظ جاءت عن طريق المدرسة حيث تم الإعلان عن مسابقة وزارة التربية والتعليم للقرآن الكريم وكان المقرر هو حفظ جزء تبارك، وأخبرت الوالد رحمه الله والوالدة حفظها الله عن المسابقة وشجعاني على الحفظ، والاهتمام بالقرآن في أسرتنا، والحرص على تلاوة ختمة كاملة عند الوالدة قبل الالتحاق بالصف الأول الدراسي فرض عين تم تطبيقه مع جميع إخوتي وأخواتي، وكان لذلك أثر كبير في تعلقنا بالقرآن والعناية به تلاوة وحفظا.

حفظت جزء تبارك في شهر وتعلمت التجويد مع معلمي سعيد غفرم الشحري في مدة زمنية وقدرها شهر واحد فقط وحصلت على المركز الأول على مستوى محافظة ظفار ثم المركز الأول على مستوى سلطنة عمان، وتم تكريمي والاحتفاء بي من قبل الأهل وإدارة المدرسة، فكانت تلك شعلة البداية التي استمرت متقدة لحين ختم حفظ كتاب الله العزيز كاملا.

أتممت مع الأستاذ سعيد حفظ ٦ أجزاء إلى أن وصلت للصف السادس الابتدائي، ثم أكملت المشوار مع الأستاذ خالد بن عبدالعزيز الشنفري إلى الجزء ١٥ وكنت حينها في الصف الـ١٢.

بعد ذلك سنحت لي الفرصة للمشاركة في دورة مكثفة لحفظ القرآن الكريم بالطائف بالمملكة العربية السعودية وأتممت فيها حفظ كتاب الله الكريم كاملا بتقدير ممتاز، بالإضافة إلى تميزي خلال تلك الدورة في مقرر القاعدة النورانية المتعلقة بمخارج الحروف والمفردات والتراكيب القرآنية وحصولي على شهادة فيها، وكذلك حصلت على إجازة في متن تحفة الأطفال المتعلق بالتجويد. وكانت فرحة الختم مع الشهادتين الإضافيتين لا توصف حيث استقبلني الأهل باحتفال كبير ضم معظم الأقارب كنت حينها في سن ٢١ عاماً.

هل شغلك حفظ القرآن الكريم عن التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟ وكيف ذلك؟

حفظ القرآن الكريم ليس شاغلاً عن أي أمر من أمور الدنيا، فقط عليك أن تخلص النية وتستعين بالله وتنظم وقتك، وبالهمة العالية والعزيمة الوقادة والاستمرار والاجتهاد والمثابرة ستصل إلى ما تصبو إليه من حفظ كتاب الله الكريم.

ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

أول الصعوبات صغر السن والرغبة في اللعب مع أقراني وتم حلها بمساعدة الأهل لي في تنظيم وقتي وإعطاء كل أمر حقه دون إسراف، ثانيها أن حفظ كتاب الله يحتاج إلى جهد كبير وصبر والتزام والنفس تميل للكسل والراحة إن لم تُلزمها بأمر لظلت ترعى حول الحمى دون أن ترتع فيه، ثالثها وللأسف عدم توفر حلقات لحفظ كتاب الله في ولايتنا صلالة بالشكل المطلوب وإلى الآن لا توجد مدارس قرآن كافية تلبي احتياج الراغبين في حفظ كتاب الله العزيز.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسدت البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه؟

يقول عز وجل: (وَهَـذَا كِتَـابٌ أَنزَلنَـاهُ مُبَارَك فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ) منذ أن بدأت حفظ كتاب الله العزيز وأنا أرى من البركة والتيسير الشيء الكثير، حيث كنت أنجز دروس المدرسة في وقت يسير وأحصل على درجات عالية ويتم تكريمي سنويا مع الأوائل على مستوى الصف وعلى مستوى المدرسة لأن القرآن ينمي المدارك ويقوي الذاكرة ويزيدك فصاحة وبيانا، فمن أراد البركة في جميع أمور حياته فما عليه إلا أن يرتبط بالقرآن تلاوة وحفظا وفهما وتدبرا وعملا بما جاء فيه.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

لا شك أن الرغبة الداخلية والقناعة التامة بقدراتك لهما دور كبير في سرعة الحفظ، فلو استحضرت قصص الحفاظ فهناك من العلماء من حفظ القرآن دون سن العاشرة، ونجد الصحابة حفظوا القرآن وهم كبار، فلا تقلل من إمكانياتك أبدا، وتذكر قول الله عز وجل: (وَلَقَدْ یَسَّرنَا القُرءَانَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُّدَّكِر).

يعاني البعض من سرعة نسيان ما حفظه من القرآن الكريم، فما هي الطرق الحديثة التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

أولا: الحفظ المتقن وذلك بتقليل المقدار اليومي وتكرار كل صفحة ما لا يقل عن ٦٠ مرة في أوقات مختلفة من اليوم والليلة، مثلا ٢٠ مرة بعد الفجر و٢٠ مرة بعد العصر أو المغرب و٢٠ مرة فجر اليوم الثاني قبل البدء بالحفظ الجديد، ويمكن أن تجعل جزءا من التكرار عن طريق الاستماع لقارئ تعجبك تلاوته.

بخلاف الحفظ اللحظي بمعنى أنك تكرر قليلا وترى أنك حافظ وتُسمِّع المقدار في نفس اللحظة لكنه ليس بحفظ متقن ولا راسخ.

ثانيا: تعاهد الحفظ الجديد وذلك بإعادة تسميعه لمدة ٧ أيام حتى يكون راسخا، ثم الالتزام بالمرور عليه مراجعة مرة في الأسبوع.

ثالثا: إن كانت السورة طويلة فتلتزم بربط أولها مع آخرها يوميا حتى تفرغ من حفظها ثم تطبق ما ذكرناه سابقا.

رابعا: الالتحاق بحلقة تحفيظ إن تيسر وتركز على أمر المراجعة تزامنا مع الحفظ ولا تهمل أهمية المراجعة، مع الارتباط بزميل حافظ يسمع كل منكما للآخر مع التنبيه على مواضع الخلل في الحفظ.

خامسا: أهمية الورد اليومي وعدم الانفكاك عنه مهما انشغلت، فهناك الكثير من الأوقات التي يمكن أن تستغلها لتنجز وردك، منها أوقات الانتظار وأثناء تنقلك بالسيارة من مكان لآخر اجعل وردك استماعا لقارئ، وقد يزيد الورد اليومي أو ينقص لكن اجعل لنفسك هدفا وهو أن تمر على حفظك كاملا مرة في الأسبوع بمعدل ٥ أجزاء يوميا وكما قيل: من داوم على الخمس لم ينس.

وكذلك ورد الصحابة (فمي بشوق) حيث تختم في ٧ أيام، في اليوم الأول من الفاتحة إلى النساء، وفي اليوم الثاني من المائدة إلى التوبة، وفي اليوم الثالث من يونس إلى النحل، وفي اليوم الرابع من الإسراء إلى الفرقان، وفي اليوم الخامس من الشعراء إلى يس، وفي اليوم السادس من الصافات إلى الحجرات، وفي اليوم السابع من ق إلى الناس.

سادسا: الاطلاع على معاني غريب القرآن والتفاسير الميسرة فتربط بين الحفظ والفهم. سابعا: الصلاة بالقرآن من مثبتات الحفظ بإذن الكريم المنان.

ما أجمل قصة حصلت لك أثناء مسيرتك مع حفظ كتاب الله؟ احكيها لنا؟

حصلت هذه القصة بعد انتهائي مباشرة من حفظ كتاب الله في الدورة التي التحقت بها في الطائف، حيث استأجرنا سيارة أجرة أنا وزملائي في الدورة رغبة منا في أداء العمرة والذهاب إلى مكة المكرمة، وسألنا سائق سيارة الأجرة عن جنسياتنا، فكنا ٤ أشخاص الأول يمني والثاني ماليزي والثالث طاجيكي والرابع عماني، ولا أنسى نظرة الاستغراب من السائق وتعجَّبه كيف اجتمعنا سويا، فياله من دين عظيم لا يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وجعلنا إخوة جميعا في الإسلام.

** ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

أواخر سورة النبأ من قوله تعالى: (إن للمتقين مفازا) إلى آخر السورة. ففيها ما أعده الله من الكرامة والنعيم لعباده المتقين، وعظمة الخالق جل جلاله والتذكير باليوم الآخر، مما يجعلك تلازم باب التوبة إن أذنبت وتزداد من الطاعات رجاء هذا الثواب العظيم.

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

بداية ينبغي أن يكون الوالدان ممن يتلون كتاب الله في بيوتهم فيتعلق الأبناء بالقرآن بديهيا، ثم بعد ذلك يعلمان الابن سورة الفاتحة وقصار السور ويحفزانه ويشجعانه بالكلام الطيب وبمدحانه أمام أقاربه، وبيان فضل حفظ القرآن الكريم وأن حفظة كتاب الله العزيز هم خير الناس لقوله صلى الله عليه وسلم :(خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وأيضاً ربط ذلك بالأجر العظيم عند الله وأن لكل حرف يتلوه من كتاب الله ١٠ حسنات، وأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

ومن الأمور المهمة جدا في هذا الباب تسجيل الأبناء في حلقات حفظ القرآن الكريم، حيث يعيش الأبناء روح التنافس مع زملائهم وينشطُون لحفظ القرآن أكثر من البيت.

مع عدم إهمال جانب الترفيه والرغبة لدى الصغار في اللعب، والترويح عن النفس بعد أن بذلت جهدها في أي أمر كان لهو أمر مطلوب، فإن النفوس إذا كلّت ملّت، فينبغي للأهل أن يساعدوا أبناءهم في تنظيم أوقاتهم والموازنة بين الدراسة وحفظ القرآن واللعب والترفيه.

ما هي المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ؟

شاركت في العديد من المسابقات منها على مستوى سلطنة عمان مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم حيث حصلت على المركز الأول في المستوى الثاني (٢٤جزءا) والمركز الخامس في القرآن الكريم كاملا، وعلى مستوى المحافظة شاركت في مسابقات عديدة منها مسابقة مهرجان صلالة السياحي للقرآن الكريم وحصلت فيها على المركز الأول في المستويات (٥أجزاء) و(٢٠جزءا) و(القرآن الكريم كاملا) خلال أعوام متفرقة.

ولهذه المسابقات دور كبير في تنمية قدرات المتسابق من ناحية الأداء حفظا وتجويدا، فتبدأ الاستعداد منذ فترة قد تصل لأشهر قبل المسابقة وتضبط حفظك وتعرضه على شيخ متقن للتأكد من تمكنك في الحفظ والتجويد.

ما هي القراءات القرآنية التي تجيدها؟ وكيف تعلمتها؟

بفضل من الله حصلت على إجازتين في القرآن الكريم بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أولها برواية حفص عن عاصم من طريق طيبة النشر وذلك بقراءتي على الشيخ المقرئ لؤي محمد قبيصي الشريف أستاذ القراءات بكلية العلوم الشرعية بمسقط، حيث أتممت عليه القراءة في قرابة شهرين في منزله بمحافظة مسقط.

وثانيها برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وذلك بقراءتي على الشيخ المقرئ وحيد منجي رمضان في حلقات الإسناد بالحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة، حيث أتممت عليه القراءة خلال ٣سنوات - تخللها بعض الانقطاعات - تكللت بحصولي على إجازة معتمدة من الرئاسة العامة للحرمين تحت إشراف إمام الحرم الشيخ عبدالمحسن القاسم.

ما هي المشروعات المستقبلية التي تطمحون إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله؟

طموحي هو نشر ثقافة حفظ القرآن الكريم في المجتمع، وتنشئة جيل متعلق بكتاب الله العزيز، وقد وفقني الله لتأسيس حلقات تطوعية لتحفيظ القرآن الكريم بجامع أسامة بن زيد بصلالة منذ عام 2016 وختم عندنا حوالي ١٠ طلاب، وأطمح مستقبلا لأكثر من ذلك بإنشاء مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم حضوريا وعبر منصات التعليم الإلكترونية لمن لم يتيسر له الحضور، وعمل دورات في علوم القرآن كالتجويد والتفسير تخدم مختلف شرائح المجتمع وجميع الفئات العمرية.