إسماعيل العوفي
إسماعيل العوفي
روضة الصائم

(ليس) أهي حرف أو فعل؟ (2-3)

10 مايو 2021
زاوية لغوية
10 مايو 2021

والذي يظهر لي أن نسبة أبي علي الخلاف إلى أصحابه في ليس على جهة الاستنباط، وليس النقل عنهم؛ ولذلك لم ينسب القول بحرفيتها إلى أحد من أصحابه.

وأما ابن شقير فظاهر كلامه في كتابه الجمل في النحو أنَّ (ليس) فعل؛ ويدل على ذلك ذكره إضمار ضمير فيها هو ضمير الشأن؛ وذلك لا يكون في الحروف، قال في الجمل: «وقد يرفعون بكان الاسم، والخبر، تقول: كان زيد قائم، قال الشاعر:

إذا مَا المَرءُ كانَ أبُوهُ عبْسٌ

فَحسبُكَ ما تريدُ من الكلامِ

رفع الأب على الابتداء، وخبره عيسٌ، ولم يعبأ بكان، وقال آخر:

إذا مِتُّ كانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ

وآخَرَ مُثْنٍ بالذِي كُنْتُ أَفْعَلُ

هي الشِّفَاءُ لدَائِي لو ظَفِرْتُ بِهَا

وليسَ مِنْهَا شِفَاءُ النَّفْسِ مَبْذُوْلُ

فكأنهم قالوا: كان الأمر والقصة: صنفان: شفاء الداء مبذول».

استند أبو علي الفارسي إلى أدلة فيما ذهب إليه

يمكن عرضها في الآتي:

1) (ليس) لا توصل بما المصدرية التي تؤول بمصدر مع الفعل الذي بعدها على خلاف الأخريات من كان وأخواتها فتقول: ما أحسن ما كان محمد قارئا، ولا تقول: ما أحسن ما ليس محمد قارئا، فأشبهت في ذلك "ما"، فلا يصح ذلك معها، قال أبو علي: «ومما يدلك على أن (ليس) ليست كالأمثلة المأخوذة من لفظ أحداث الأسماء، أنها لا توصل بـ(ما) التي تكون مع الفعل بتقدير المصدر، فتكون معه بمنزلة الام، كما أنها إذا وصلت بسائر الأمثلة كانت معه بمنزلة المصدر؛ ألا ترى أنه لا يستقيم "ما أحسن ما ليس زيد ذاكرا"، كما يجوز "ما أحسن ما كان زيد ذاكرا"، فلو كانت فعلا على الحقيقة لوصلت (ما) بها، كما وصلت بسائر الأفعال ماضيها، وحاضرها، وآتيها، فلما لم يوصل بها كما لم يوصل بـ(ما) حتى يكون خبرها فعلا، كقولك "ما أحسن ما ليس يذكرك زيد" دلّ ذلك على أنه أجري مجرى ما ينفى به مما ليس بفعل»

2) حكى أبو علي الفارسي أنه سمع عن العرب أنهم يقولون: «ليس الطيب إلا المسك" برفع المسك؛ فدل ذلك على أنها مشبهة ما إذ يقال: "ما الطيب إلا المسك" برفع المسك»، قال أبو علي: "وسمع" المسك مرفوعا في الحكاية جعلها بمنزلة "ما" إذا دخلت إلا بين الاسم والخبر معها.

وقد احتمل هذا الرأي أبو سعيد السيرافي في شرحه على الكتاب، ولكنه لا يتبناه

3) ورودها من غير أن يتصل بها نون الوقاية التي تتصل بضمير المتكلم فيقال (ليسي) قال الشاعر:

عَددتُ قومِي كَعدِيدِ الطَّيْسِ

إذ ذَهبَ القَومُ الكِرامُ ليسِى

وذلك حكم يكون في الحرف، فقد ورد (ليتي) من غير نون وقاية، فأشبهت ليس ليت؛

فدل ذلك على حرفيتها.

4) ورودها غير دالة على زمن من الأزمنة الثلاثة كما هو الحال في كان وأخواتها؛ فدل ذلك على أنها ليست فعلا.

قبل الجواب عما استند عليه أبو علي الفارسي في القول بحرفية (ليس) أذكر أن أبا حيان – وتابعه على ذلك ابن عقيل- ذكر أن لأبي علي الفارسي قولين في (ليس): قول بفعليتها، وقول حرفيتها، قال أبو حيان: «وكلها أفعال بلا خلاف إلا ليس؛ فمذهب أبي بكر بن شقير، وأبي علي الفارسي في أحد قوليه، وجماعة من أصحابه أنها حرف»، والظاهر أن الرأي الآخر لأبي علي الذي يشير إليه أبو حيان هو رأيه في كتابه الإيضاح، فكلامه صريح في الإيضاح أن (ليس) فعل قال في الإيضاح: «وتقول: ما زيد بآكل طعامك، وما زيد طعامك بآكل‘ فإن قلت: ما طعامك زيد بآكل لم يجز لما تقدم من أنه لا يفصل بين الفاعل وفعله بالأجنبي فإن أضمرت في ليس جازت المسألة.

ولا يجوز مع ما لأنها ليست بفعل فيضمر فيها، ألا ترى أنك تقول: زيد ليس منطلقا، ولا تقول: عمرو ما منطلقا».

بعد عرض الأدلة التي استند عليها أبو علي الفارسي في القول بحرفية (ليس)

أعرض الاعتراضات على تلك الأدلة على الصفة الآتية:

1. ثبت اتصال ضمير الرفع بليس فيقال: لستُ ولسنا وليسوا، ومن المعلوم قطعا أن هذه الضمائر لا تتصل إلا بالأفعال؛ فثبتت فعليتها، وإذا لم يقل بفعلية ما اتصل به ضمير الرفع فماذا يقال فيه؟

وما احتج به أبو علي في المسائل المنثورة من أن الضمير لا يلزم من اتصاله بالكلمة أنها فعل، وقد قالوا: "هاؤموا"، و"هاؤم" وليست فعلا ينقضه تصريح بعض النحاة، والمفسرين من أن "هاء" فعل، ويأتي منها المضارع منها، فيقال: إهاء أي: آخذ قال الجوهري: «وإذا قيل لك هاءَ بالفتح قلت: ما أهاءُ، أي: ما آخُذُ، وما أهاءُ على ما لم يسمّ فاعله، أي: ما أعطى»، وأنبه هنا أن المنقول في المسائل المنثورة الذي احتج به أبو علي هاؤموا، والظاهر أنه (هاؤوا)، وليس (هاؤموا)؛ لأن (هاؤم) وحدها من غير الواو للجمع، وهاؤوا صيغة مستقلة.