No Image
روضة الصائم

لُقَط تاريخية من كتاب التعارُف

12 مارس 2024
12 مارس 2024

‌كتاب (التعارف) لأبي محمد عبدالله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي (ق٤هـ)، صدرت نشرته الأولى عن وزارة التراث القومي والثقافة (سابقا) ضمن سلسلة تراثنا (العدد٥٢) بغير تحقيق، ثم صدرت في نشرة علمية عن مركز ذاكرة عمان سنة ١٤٣٤هـ/٢٠١٣م بتحقيق الباحث بدر بن سيف الراجحي، اعتمادًا على سبع نسخ مخطوطة، أقدمها نسخة مكتبة نور الدين السالمي، كُتبت سنة ٩٦٣هـ بخط عبدالله بن عمر بن زياد الشقصي البهلوي. أما ‏أقدم نسخة للكتاب عثر عليها حتى الآن، فهي من مقتنيات دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة (سابقا)، نُسِخَت ضمن مجموع سنة ٨٨٠هـ، وهي مما لم يعتمده المحقق من نسخ الكتاب الخطية.

‏استظهر محقق الكتاب أن اسمه لم يكن من إطلاق المؤلف وأن التسمية جاءت من بعده من العلماء أو النسّاخ، وعن سبب تأليفه يقول المحقق: «إن أصله جواب لسؤال أو كتاب وصل إلى المؤلف من شخص آخر لم يتبين لي من هو، وفي ذلك الكتاب ما يشكو فيه السائل من الشكوك والوساوس التي تعترضه في حياته، لا سيما في أمر البيوع والمعاملات والأخذ والعطاء والفرائض وسائر الحقوق»، وعن موضوعه يقول: «إن المتأمل لهذا الكتاب القيّم يجد أن موضوعه يدور حول تأصيل وشرح لمفهوم اليقين في قاعدة هي من أهم القواعد الفقهية الكلية، وهي قاعدة: «اليقين لا يزول إلا بالشك».

وحين نأتي إلى مادة الكتاب نجد أن ابن بركة نقل في الكتاب كثيرا عن شيخه أبي مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني الصحاري، وثمة من يرى أن أبا مالك بهلوي الأصل ثم انتقل إلى صلان بصحار ونسب إليها. وها هنا بعض اللُّقَط من نصوص وإشارات تاريخية في الكتاب بمنأى عن موضوعه وسياقه الفقهي.

ذكر ابن بركة مواقف من صحبته لشيخه أبي مالك الصلاني (ق4هـ) في نواحي صحار، ومنها دخوله إلى بيته، وقصة صحبته له إلى سر عوتب، وهي محلة بصحار نُسِب إليها أبو المنذر سلمة بن مسلم العوتبي (ق5هـ). وينقل ابن بركة عن شيخه أبي مالك مما أخبر به عن أبي عبدالله محمد بن محبوب (ت٢٦٠) عن أبي معاوية عزان بن الصقر اليحمدي، وقد وصف المؤلف أبا معاوية بقوله: «هو الغاية في باب الورع والزهد، ومكانه في العلم لا ينكره إلا جاهل به»، كما نقل ابن بركة في موضع عن شيخه أبي مالك عن الفضل بن الحواري السامي الإزكوي (ق٣)، ونقل أيضا عن شيخه أبي مالك أن أبا المنذر بشير بن محمد بن محبوب كتب إلى أخيه عبدالله أن يبيع له مالا بعمان وهو مقيم بمكة.

ومما أورده المؤلف قصة لأبي محمد الحواري بن عثمان، وهو فقيه (ق٣-٤هـ) نقل عن عبدالله بن محمد بن محبوب ومحمد بن روح بن عربي (ق4هـ)، وله أجوبة في الأثر.

‏وفي الكتاب ذكر أعلاما مغمورين منهم محمد بن دهيم العلفي الذي جاء في وصفه أنه كان عدلا فاضلا، ونقل المؤلف سؤاله إلى أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب. ومن الإشارات التاريخية في كتاب التعارف ذكر الدكاكين على الدور، والأسرة التي في الطرق وأبواب الدور، في معرض الحديث عن حكم الجلوس عليها، و‏جاء أيضا ذكر الأسواق والباعة والعطارين والنساجين وبعض البضائع، مما كان في عصر المؤلف كالزعفران والقراطيس والكتان والأزر وغيرها، و‏ذكر مؤلف شيوع صنفا من أعمال البر في عصره وهو وضع خروس مملوءة بالماء في الطرق على أبواب الدور للشرب والمسح وغسل البدن. وفي الكتاب اصطلاحات درج عليها العمانيون منذ القدم ومنها مثلا: (الخراف، الجداد، القيظ، المال بمعنى البستان، العريش...الخ) وغيرها.

‏من النصوص التاريخية في كتاب التعارف خبر محمد بن يزيد بن الربيع أنه صحب أبا محمد عبدالله بن محمد بن محبوب إلى أن وافى باب أحمد بن هارون، ومنها أيضا الإشارة إلى اتصال الحكام بعمالهم وولاتهم بالكتب والرسائل والاستدلال بالخط واستعمال الختم، وذلك في قوله: ‏«والحكام والأئمة تنفذ الأحكام بكتبهم ورسائلهم، إذا سكن القلب إلى صدق الخبر وعلم الدلائل بالخط والختم، والمخاطبة والرسول الثقة».

‏وقد ‏ألحق محقق كتاب التعارف في آخر الكتاب ما قيده المؤلف عن شيخه أبي مالك الصلاني في باب التعارف من كتاب (التقييد) وهو كتاب آخر من آثار المؤلف، و‏في الملحق أيضا ذكر لما يشبه المطاعم في عصرنا بقوله: «الغرف التي تكون في الأسواق يدخلها الناس بطعامهم يأكلون فيها».

محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني.