551
551
روضة الصائم

كنا نترقب رؤية الهلال من الجبل الأسود ومن مزرعة صنعاء

28 أبريل 2021
28 أبريل 2021

العوابي ـ خليفه بن سليمان المياحي -

لقاء اليوم مع الوالد / علي بن خلفان بن سعيد الفهدي من ولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة يقول: ليس عندي شهادة ميلاد لتاريخ ميلادي بالضبط لكنني أناهز السبعين عاما، سكنت في (بيت الخطمة) منذ زمن جدي وهو من المنازل الأثرية القديمة المعروفة، وأذكر أن جدي سافر لدولة الكويت الشقيقة وكان شاعرا وكان راتبه الشهري أربعمائة روبية وفي ذلك الوقت المائة روبية تساوي ثلاثين قرش فرنس فضة أي أنه كان يحصل على مائة وعشرون قرشا وكانت قيمة عالية جدا ويتحدث عن جده فيقول: عرف عنه سرعة البديهة في قرض الشعر ففي إحدى المرات استضافه أحد أهالي منطقة عيني بولاية الرستاق وكانت القهوة تعدّ أثناء نزول الضيف فما اكتمل تجهيز القهوة إلا وقد أنجز قصيدة شعرية في حق من استضافه فأسمعهم إياها قبل تناوله للقهوة.

ويأسف الوالد علي لعدم حفظ القصائد التي كانت لجده يقول: كانت محفوظة في دفتر وأوراق وعلى أمل تجميعها وإصدار كتاب يضم كل أشعاره لكن للأسف لم نعثر إلا على النزر اليسير منها.

ويضيف الوالد قائلا: سافرت برفقة والدي إلى دولة الكويت الشقيقة فاشتغل هو في مجال التجارة واشتغلت أنا في شركة التأمين كما اشتغلت في مملكة البحرين الشقيقة في قصور الرفاع ومدينة الشيخ عيسى وبعد عودتي من البحرين اشتغلت في أبو ظبي لمدة 12 سنة.

ومن الأحداث التي عاشها، يقول: لقد نجاني الله من موقفين صعبين أولهما: كان لي ابن عم فوقع عليه حادث سير في منطقة مجز الكبرى بولاية صحار وكانت حالته حرجة للغاية ولا مجال لنقله لمستشفى خولة إلا عن طريق الطائرة فكنت معه أنا وقائد الطائرة وأثناء التحليق على علو مرتفع حدث حريق في الطائرة فسألني القائد إن كنت أجيد السباحة حيث كان يريد أن يرمي بها في البحر فقلت له: لا أعرف فنزل مضطرّا على وجه السرعة في مطار السيب (مسقط حاليّا) ولله الحمد لم تنفجر الطائرة وتم نقل ابن عمي مرة أخرى من هناك لمستشفى خولة للعلاج لكن مشيئة الله تعالى قضت بوفاته، أما المرة الثانية التي نجوت منها فهي عندما هطلت الأمطار على ولاية العوابي عام 1990م جرت الأودية بشكل جارف على جميع القرى والجبال المحيطة بالولاية وكنت خلال تلك الفترة راجعا من الرستاق وقرية ستال، أظلمت علينا الدنيا فكنت أسير فقط على ومضات البرق حتى وصلت إلى البلد فتركت السيارة وما تحمله في مكان مرتفع وكان عندي كشّاف يدويّ صغير فمشيت بسرعة إلى البيت وما كان بيننا وبين مياه الوادي إلا خطوات يسيره ولو لحق بنا لكنا في خبر كان ولكن الله سلم، وقد رأى بعض الأهالي الذين يشاهدون جريان الوادي إضاءة في الوادي فظنوا أن المياه قد جرفتني ومن معي وكانت تلك الجرفة هي الأقوى منذ عرفت وحتى الآن، يقول: من شدة جريان المياه كانت توجد شجرة زام تسمى (زامة الخيبور) وهي قديمة جدا وجذعها كبير وكانت تظل القطعان من الأغنام والمواشي فمر عليها الوادي وجزت كأنما قطعت بالسيف كما كانت توجد بكثرة أشجار السدر وبحجم كبير منذ زمن فاجتثت من فوق الأرض.

وعودة إلى حياة الوالد علي وكيف قضاها يقول: عملت في الحكومة معلمّا للقران الكريم بقرية حدس لمدة خمسة عشر سنة والآن أحصل على معاش تقاعد وحالتي الصحية ولله الحمد جيدة فقط أعاني من الآلام في الأرجل وحاليّا أقود سيارة لنقل الطلاب إلى مدرسة وادي بني خروص وفي زمن الحاجة وصعوبة المعيشة عملت في التجارة فكنت أنقل الأمبا (المانجو) من وادي بني خروص إلى مطرح وكانت الرحلة تستغرق ستة أيام بلياليها.

وقال: أذكر أن والدي كان قد استطنى أمبا ( استطنى يعني اشتري ثمر المانجو في الموسم) وفي الوقت نفسه اشترى جملا بمبلغ / 200 قرش وهو الذي كنت أنقل عليه المانجو وكنت أحمل في المرة الواحدة 1000 حبة وأبيع ال100 حبة بعشرة قروش عن طريق المناداة (المزاد العلني) في مكان اسمه (الفرضة) وعن طريقة نقله طوال هذا الوقت

دون أن يتلف يقول: كنا نحمله في مياشين أو خصافة مصنوعة من سعف النخيل إن كان الأمبا ناضجا أما إن كان لم ينضج بعد فيتم حمله في مراحل تكون من الجانبين كل جانب نحمل عليه 500 حبة، وقال: كنا نذهب في الرحلة الواحدة ستة أشخاص لنستأنس في الطريق فالأمان كان شبه معدوم في ذلك الوقت والخوف من قطاع الطريق كان هاجسا.

يؤرق الجميع خاصة أن المسير كان لا يتوقف ليلا ونهارا إلا للراحة، وفي إحدى المرات جئت من البلد ومررت بقرية ستال ليرافقني أحد لكنني لم ألحق بهم وكنت محملا بالأمبا ولم يكن بوسعي العودة إلى البيت فذهبت لوحدي حتى وصلت ولاية نخل فبعته هناك ورجعت محمّلا ببضائع استهلاكية بعتها في البلاد واستمر عملي في هذا المجال خمس.

سنوات كنت أحمل الأمبا من البلد إلى مطرح وعند عودتي أمر سوق السيب فأشتري شيئا من المواد الغذائية وهكذا استطعت بفضل الله توفير ما أستطيعه لي ولأسرتي.

وعن حاله في رمضان يقول: بدأت الصوم وعمري ثمان سنوات وكان الآباء آنذاك يخوّفون الأولاد بغرض تعويدهم على الصيام فيقولون لهم: من لم يصم فيوم العيد تظهر عليه غرة أي علامة في الجبين؛ ولهذا تجد أن الأطفال يحرصون على الصوم حتى يعتادوه، وقال: كنا في الماضي نجتمع في مسجد العوينة القريبة من منازلنا فنفطر هناك وكان تقام فيه صلاة التراويح فيأتي الناس من الأحياء السكنية القريبة لأداء الصلاة فيه ولم تكن الكهرباء ووسائل الإضاءة موجودة فكانت تأتي المجموعة حاملة معها النار في طرافة النخيل وفي المسجد نستخدم السراج المعروف سراج بوسحة، يقول: كان الفطور والسحور قليلا من الطعام ولكن ما كان يعجبني وقتها هو تواصل الناس، فكان شيئا جميلا، فنفوسهم راضية وقلوبهم صافية وكانوا يقتسمون الزاد ويقفون إلى جانب بعضهم البعض، الآن التواصل شبه انعدم، والناس لم تكن بمثل ما كانوا عليه، وهم معذورون لانشغالهم بأعمالهم والتزاماتهم بأعمال حكومية، فالشخص يذهب للعمل طوال الأسبوع ويعود للبيت يومين فيكون مضغوطا بالتزامات أسرية وأمور تتعلق ببيته.

وفيما يتعلق بقضائه لوقت شهر رمضان المبارك يقول: الحمد أحفظ الكثير من القرآن ومواظب على قراءته وفي رمضان أكثف من القراءة بحيث أستطيع ختم القرآن ست مرات خلال الشهر والحمد لله، وعن الهلال ورؤيته يقول: كان يذهب ثلاثة من الرجال إلى جبل يسمى (الجبل الأسود) يقع أعلى من المحصنة وأحيانا يترقبوه من الزاوية الأخيرة من جهة الغرب لمزرعة صنعاء فهي مرتفعة ومقابلة لرؤية الشمس وكان الذين يذهبون لرؤية الهلال هم من المشهود لهم بحدة النظر وكنت واحدا منهم وقد رأيت بنفسي في إحدى السنين عندما كنت شابا رأيت نجمة الزهرة أثناء النهار ولله الحمد. أخيرا طلبت منه أن يحدثني عن الفارق بين حياة الأمس واليوم، فلمحت في نفسه غصة ثم أجهش بالبكاء وقال: لا أستطيع أن أذكر السلطان قابوس طيب الله ثراه إلا وتأتيني عبرة لأنه فعل الكثير وصنع لنا ولأولادنا الكثير فقد تعلم أبناؤنا منذ توليه الحكم تحت الأشجار وتحت الخيام، وأصبحوا الآن رجالا يعتد بهم ويعتمد عليهم، لم أستطع أن أبالغ في السؤال فكانت حالته فعلا صعبه للغاية فمنذ أن رحل السلطان قابوس وإلى الآن لا يستطيع حبس دموعه لمجرد سماع اسم السلطان قابوس (وقد شهدت بنفسي حالته عندما كان سعادة الوالي يستقبل المعزين في مكتبه، كنت حاضرا وما إن دخل الوالد علي وسلم على الحاضرين حتى انعقدت لسانه ولم يستطع الكلام وبكى بصوت عالٍ أشفق عليه الحضور)، إن مثل هذا المواطن الذي لا زال يذكر السلطان قابوس -طيب الله ثراه- ليس وفيّا لشخص السلطان فقط وإنما وفيّا لبلده ولمجتمعه ولكل المحيطين به لأنه أدرك الفرق الكبير الذي أحدثه الراحل وما كانت عليه عمان يقول: إن السلطان قابوس بنى عمان من الصفر ووضع لنا شأنا كبيرا بين الدول وإن عزاءنا فيمن استخلفه السلطان وتوسم فيه الخير والصلاح وإنه والله كذلك فمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- خير خلف لخير سلف وما نراه من استمرار على نهج الراحل من قبل جلالة السلطان هيثم ومن أسرته الكريمة من حب عميق لأبناء عمان إنما هي ترجمة للعهد وتصديق للوعد الذي قطعه على نفسه بأن يمضي بخطى السلطان الراحل طيب الله ثراه فليرحم المولى السلطان قابوس ويبارك ويحفظ جلالة السلطان هيثم ويبارك في عمره ليظل -حفظه الله- السند والعضد لعمان وشعبها.