No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

13 أبريل 2023
13 أبريل 2023

في قوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ» ما هي الشحوم المحرمة في الآية؟

هذه الآية الكريمة تحكي ما كان من تشريع على أمة يهود، فالله تبارك وتعالى يقول «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا» يحكي لنا في هذه الآية الكريمة ما بلغ به حال الشريعة عند اليهود، فقد حرم الله عز وجل عليهم كل ذي ظفر أي ما لا يفترق من الأصابع من الحيوانات والبهائم كالإبل والنعام وما أشبههما مما لا تفترق أصابعه، ثم قال، فحرم عليهم كل الشحوم واستثنى من ذلك ما حملته الظهور أي ما علق بظهور البقر والغنم، أو الحوايا وهي الأمعاء على أكثر قول المفسرين، أو ما اختلط بعظم، وهذا التشديد عليهم في التشريع إنما كان بسبب ظلمهم وعدوانهم وبغيهم، فلا يسري هذا على شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلـم، وإنما هو حكاية لما كان عليه الحال في شريعة اليهود، أما هذه الأمة فشريعتها شريعة حنيفية سمحاء فيها يسر، فلذلك إنه يباح للمسلم، بل يسن له أن ينتفع بكل ما شرعه له ربه تبارك وتعالى مما أباحه له من بهيمة الأنعام، ومما أحل له أن يأكله، حتى الجلد له أن ينتفع به، والله تعالى أعلم.

رجل يعاني من التهابات مستمرة في عينيه وملتزم بوصف الطبيب له بأخذ القطور مرات عديدة، فيكاد يقطر على كل ساعة يوميا صباحا ومساء ولا محيص عن ذلك وعندما يقوم باستخدام القطور فيحس مرارته في حلقه، فكيف يتصرف وهو صائم ومضطر لأخذ هذه القطور؟

الأصل أن قطرة العين على الصحيح لا تفطر لأن المقدار الذي يصل منها إلى الجوف يسير جدا، وعلم من الشرع تسامحه في مثل هذا المقدار بل قد يكون أكثر منه هو ما يبقى من أثر المضمضة للصائم، ومن أثر استعمال السواك وهو مباح أيضا، وهذا المقدار الذي يصل إلى حلق الصائم من قطرة العين هو مقدار يسير جدا مغتفر لا يؤثر، هذا هو الأصل فيما يتعلق بقطرة العين، وتكرار فعله في نهار الصيام يحاول أن يقلل قدر احتياجه دون إضرار بنفسه، فلو قدرنا أنه يستخدم قطرة العين كل ساعتين مرة، فلا بأس به في ذلك، ففي الشرع على سبيل المثال لم يرد ما يمنع الصائم من تكرار الوضوء أو يحدد له عدد مرات سواكه فيفعل ذلك بحسب حاجته، وبحسب العبادات التي يريد أن يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، فإن يتسامح في شأن مريض يضع قطرة يسيرة على عينه حتى وإن أحس بالطعم فإن ذلك لا يلزم أن السائل قد وصل إلى جوفه، فالقناة الدمعية تمتص جزءا من هذه القطرة السائلة، فهذا مقدار معفو عنه، والله تعالى أعلم.

أبناء فقدوا والدهم قبل 3 أشهر ولكنهم فقدوا طعم الحياة أيضا، ولم تكن لديهم رغبة في الحياة ويشعرون بقدر من الإحباط ولا يوجد لديهم إقبال أو سعادة داخلية، على الرغم من قيامهم بمجموعة من الأعمال التي يطلبون بها المغفرة لوالدهم، مع ذلك لا يزال ذلك الشعور والإحساس باقيا، فما نصيحتكم لهم؟

نسأل الله تبارك تعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان، ونذكرهم بقول الله تبارك وتعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» وسنة هذه الحياة الدنيا ماضية في الخلق بقبض أرواحهم روحا بعد روح ونفسا بعد نفس، وقد سار في هذا الركب الأنبياء والمرسلون وأتى الموت على سيد الخلق أجمعين، على نبينا محمد صلى الله عليه وسلـم وهو سيد الأولين والآخرين وهو أحب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، فمما يورث السلوان هو أن يتذكر من فقد حبيبا عنده أو عزيزا عليه أن هناك من هو أحب إلى نفسه، وأحب إلى الله تبارك وتعالى وقد رحل عن هذه الدنيا، لأن الدنيا في حقيقتها هي دار عبور، وهي ليست بدار بقاء إنما هي ممر ينتقل عبره الناس إلى الحياة الأبدية الخالدة، فالواجب عليهم أن يصبروا، وأن يتجملوا بالصبر وأن ينصبوا من أنفسهم قدوة حسنة لغيرهم من أفراد أسرتهم وأن يظهروا لهم تأسيهم وصبرهم وجلدهم، وأن ينفوا عنهم اليأس، وأن يقبلوا على ما فيه عمل صالح لأنفسهم ولميتهم، وأن يحيطوا أنفسهم بإسار من اليأس والحزن والكآبة لا ينفعهم ولا ينفع ميتهم، فإن الحياة ماضية جارية، وسنة الله تعالى في الخلق لن تتغير، والذي يمكن أن يعود عليهم بالنفع إنما هو أن يتجملوا بالصبر والثبات وأن يتماسكوا وأن يحتسبوا أجرهم عند الله تعالى فإن المسلم يؤجر في المصيبة التي تصيبه، ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلـم: لا يصيب المسلم نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا حتى الشوكة يشاكها إلا كتب له الأجر، وفي بعض الروايات وحط عنه وزر، فما يصيب المؤمن هو نوع من التطهير والتزكية ورفع الدرجات إن احتسب الأجر عند الله تبارك وتعالى وحمل نفسه على جميل الصبر، وهكذا هي حقيقة الحياة، والحقيقة أن هذه العبر والعظات توقظ الغافل وتنبه من كان ناسيا هذه الحقيقة وهي أن الدنيا حقيرة وإن بدا للإنسان فيها أنه يأتي فيها ما يحقق رغباته وشهواته وأهواءه، إلا أنها محتقرة عند الله تبارك وتعالى والسعيد من أعد للحياة الخالدة الأبدية عدتها التي تحتاج إليها، وذلك بالتقوى والعمل الصالح.