No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

02 أبريل 2023
02 أبريل 2023

ـ عندي 60 من الإبل بعضها سائمة ترعى بنفسها، وبعضها أعلفها بنفسي، ما حكم زكاتها؟

لنضع القاعدة والسبب في الاقتصار على ذلك، لأن الإفتاء في مثل هذه المسألة قد يفتح بابا لكثير من ملاك الإبل ويكونون على غير الصورة التي ذكرها، فالأصل في زكاة الأنعام الذي يترجح أن السوم شرط فيها، ومعنى السوم أي أن تسرح بنفسها، أو أن تكون أغلب العام مرعاها من الفلوات والمراعي وهي تسرح بنفسها، وهذه يقال لها السائمة، فالسوم شرط من زكاة الأنعام، يقابلها المعلوفة أي التي يعلف لها صاحبها وقد يسرحها في المراعي والفلوات أيام الخصب، لكنه مع ذلك يأخذ لها طعامها، يأخذ لها ما يعرف بـ«العشاء» وهي في سرحها؛ لأن القوامة في الحقيقة على ما يقدمه لها من طعام، ومن أجل ذلك فإن أغلب أحوال ملاك الإبل عندنا لا تجب عليهم الزكاة؛ لأن الإبل عندهم ليست سائمة بل يتكلفون المبالغ الطائلة في إطعامها وعلفها والقيام بما تحتاج إليه ولا يسرحونها إلا في مراع معلومة، ثم يأخذون إليها الطعام حيث كانت. والذي يجعلنا نحتاط أن كثيرا من الناس يقومون بتربية الإبل ولكن ليسوا ملاكا لها، فقد يكون مضمرا أو مؤدبا لإبل غيره، فتجتمع عنده من الإبل ما لا يملكها، ولا تعود ملكيتها لمالك واحد، وقد يملكها أكثر من مالك، لخبرته ودرايته بالترويض والتأديب والتربية، فإنهم يضعون إبلهم عنده، ووجدنا أن بعض الناس يسأل عن زكاة هذه الإبل وهو لا يملكها، فليست الزكاة على المربي أو المروض أو المضمر، وإنما هي على الملاك ما لم يكن له شريكا في الملك، وتحقق شرط السوم فيها فتجب الزكاة حسب التفصيل المعلوم.

ـ في قوله تعالى «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» هل هذه الآية تشير إلى أفضلية عيسى عليه السلام حتى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

لا يؤخذ من هذه الآية الكريمة أفضلية أمة عيسى ومن اتبعوه على هذه الأمة، إذ إن معنى الآية الكريمة كما يدل عليه لفظها وسياقها هو أن من اتبع عيسى عليه السلام وهم الحواريون والذين اتبعوه، هم فوق الذين كفروا بعيسى، ولهذا فقد صرح المفسرون أن الذي يتعلق به الفعل محذوف لظهوره وللعلم به فهم الذين كفروا بعيسى عليه السلام وهم اليهود، فالسياق هو سياق مفاضلة بين عيسى عليه السلام وأتباعه من جانب، وبين اليهود الذين كفروا به وبرسالته من جانب آخر، فربنا تبارك وتعالى يقول: «وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» هؤلاء الذين يحاولون تدنيسك ونشر الأكاذيب حولك وحول رسالتك هم الذين سأطهرك منهم ومن أقاويلهم، ومن تزويرهم وما ينسبونه إليك، ثم قال: «وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا» أي كفروا بك، واختلف في هذه الفوقية هل هي دينية أو دنيوية، والمقصود بالفوقية الدينية أي أن أتباع عيسى عليه السلام يكونون أصلح حالا وأكثر استقامة وأحسن خلقا وألين أكنافا، وهذا ما يتعلق بالمعاني الروحانية الدينية، فالفوقية عند هؤلاء المفسرين محمولة على هذا الجانب، ومنهم من يرى أن الفوقية هي فوقية دنيوية بمعنى القهر والغلبة والسلطة والسيف مع الحجة والبرهان، فدنيوية أي مادية فكرية علمية معرفية، لكن لا مانع أن يكون المقصود الأمرين معا، والذين اتبعوا عيسى عليه السلام هم من آمنوا به، وقد آمنت به هذه الأمة وآمن به محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآمن به من آمن بمحمد -عليه الصلاة والسلام- ومن آمن بالقرآن الكريم، ولذلك تجد عددا من المفسرين يصرحون بهذا، منهم من يحمل أتباع عيسى عليه السلام على هذه الأمة، ومنهم من يقول بل هم أتباعه من الحواريين والذين آمنوا به من بني إسرائيل، ثم من آمن به من هذه الأمة، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- نسخت شريعة عيسى عليه السلام، وإيماننا بعيسى إنما هو بما ثبت من وصفه ورسالته وأحوال نبوته ورسالته في كتاب الله عز وجل في القرآن الكريم، فهو عبدالله وهو رسوله، ومن أجل ذلك نفهم قول الله تبارك وتعالى: «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ»، فأتباعه آمنوا بهذه البشارة، ونحن نؤمن بعيسى الذي بشر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك فإن الذين آمنوا به هم أتباعه من الحواريين ومن مؤمني بني إسرائيل ثم من هذه الأمة بما جاء من وصف له ولرسالته ولنبوته ولطبيعته في كتاب الله عز وجل أي في القرآن الكريم، فهذا هو المعنى ويتأكد بما تقدمت الإشارة إليه من أن عيسى عليه السلام بعث في بني إسرائيل، وهذا القول فيما أذكر أشار إليه الإمام الرازي، ونص عليه العلامة ابن عاشور أن حتى هذا التفضيل لا يؤخذ من الآية إلا بالمفهوم لا بالمنطوق تفضيل أمته على عموم المشركين؛ لأن المقصود هم الذين كفروا بعيسى وهو قد بعث في بني إسرائيل فدل على أن المقصود باليهود، واليهود يؤمنون بالله ولكنهم يكفرون برسالة عيسى عليه السلام، ودل على أن الفوقية يستحقها الذين آمنوا به، والله تعالى أعلم.