No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

28 مارس 2023
28 مارس 2023

ـ كيف نوفق بين قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وبين قوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ـ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)؟

لا تعارض بين الآيتين، إذ المقصود بالآية الثانية أن هذا الوزر الذي يحملونه إنما هو ناشئ عن إضلالهم لمن اتبعهم، فهذا الوزر هو أيضا من فعلهم وصنيعهم مما قارفته أيديهم واكتسبوه، فإضلالهم لغيرهم هو وزر يحملونه، وهذا هو المعنى الذي نفهمه من قوله تبارك وتعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ) أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم، (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم)؛ لأن هؤلاء الذين اتبعوهم إنما كان ذلك ناشئا عن إضلال هؤلاء فعليهم تبعات، ويحملون إثم إضلال غيرهم، وإثم إغواء غيرهم، وهذا لا يتعارض مع قول الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، ونجد شواهد لذلك كثيرة في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنها حديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا»، والله تعالى أعلم.

ـ ما صحة حديث «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه»؟

هذا حديث صحيح، ويشمل حالات، أي لزوم استئذان المرأة لزوجها في صومها، وأما صوم الفريضة فبابه أضيق إلا إذا كان قضاء، أو كان صوما واجبا غير رمضان، أما رمضان فإنه لا يستأذن فيه ولا يلتفت إلى كون الزوج حاضرا شاهدا أو غائبا، أما باقي سائر أنواع الصوم الواجب فإن كان فيها سعة كأن يكون عليها قضاء فإنها تستأذن، إلا إذا ضاق عليها كأن يكون عليها عدد من الأيام، ولم يتبق عن رمضان إلا مثل تلك الأيام فإنها ليست بحاجة إلى استئذان؛ لأن صومها الواجب قد ضاق عليها، ولكن إن كان في الأمر سعة فإن عليها أن تستأذن.

والحديث يحمل في حالة صوم النفل إذا كان الزوج شاهدا أي حاضرا فإن عليها أن تستأذنه، والسبب في ذلك هو أن مسؤولية المرأة في المقام الأول هو القيام بحقوق الأسرة من حقوق الزوج والأمومة والتربية وحسن إدارة البيت، وقد يتعارض قيامها بالصيام وزوجها شاهد مع حاجته إليها سواء كان ذلك فيما يحتاجه الرجل من امرأته، أو فيما يتعلق بشؤون تربية الأولاد، أو غير ذلك من المصالح المشروعة التي تكون بين الزوجين بالإحسان فيجد حرجا أن يدخل عليها مشقة إذا طلب منها ذلك الفعل، فيورث ذلك شيئا من سوء العشرة وارتفاع الألفة بينهما، وصيانة الأسرة هي من أهم مقاصد هذا الشرع الحنيف.

أما إذا كان زوجها مسافرا أو غائبا، أو كان أذن لها إذنا عاما أو علمت أنه يأذن بذلك فلا حاجة إلى إذن زوجها، فالمقصود من الحديث هو مزيد من تقوية الأواصر بين الزوجين، وإبعاد كل ما يمكن أن يكدر صفو العلاقة بينهما.

وفي الحقيقة بتتبع الأدلة الشرعية الواردة في ضبط العلاقة بين الزوجين، وبيان حقوق الرجل على المرأة وحقوق المرأة على الرجل، يتبين جليا أن هذه التشريعات قصدت صيانة الأسرة وإحاطتها بمزيد من بواعث التماسك، وأن تكون العلاقة مبنية على المودة والرحمة، وأن يتحقق معنى السكون، وأن يعرف كل ما له وما عليه، وهذه الأحاديث والأحكام الشرعية ليست خافية، ولذلك ينبغي أيضا للمقبل على الزواج أن يتفقه فيها وأن يعرفها، وهذا الحكم يشمل الرجل والمرأة، فإن كثيرا من الأخطاء التي يقع فيها الرجال تنشأ عن سوء فهمهم لمثل هذه الأدلة الشرعية فقد يظنون أن المقصود إنما هو التسلط وفرض الأمر، وقد صرح أهل الفقه أن منع الزوج لامرأته عن الصيام حتى في النفل إذا كان من باب التعنت فإنها لا تسمع له ولا إثم عليها في ذلك، وهذا قيد حسن، فإذا كان تعنتا من الزوج وتسلطا منه وتكرر ذلك الأمر، بدون سبب وجيه، فإنها ليست في حاجة إلى استئذانه، وهذا لا يحصر في شأن الصيام فقط، فلو أرادت تأدية شيء من النوافل في الصلاة أو تلاوة القرآن أو الأذكار، ولا حاجة له إليها في ذلك الوقت، فهي ليست بحاجة لاستئذانه، والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) هل المقصود هنا هارون عليه السلام؟

في معنى هذه الآية الكريمة حديث صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طريق المغيرة بن شعبة لما قدم من نجران، والمعلوم أن نجران كان فيها نصارى فإنهم سألوه إنكم تقرأون يا أخت هارون وكان بين موسى وعيسى كذا وكذا من السنين، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله، فقال عليه الصلاة والسلام: إنهم كانوا يسمون على أسماء أنبيائهم وصالحيهم، فأخذ من هذا أن في بني إسرائيل في وقت عيسى -عليه السلام- كان لأمه أخ اسمه هارون، وكان من أهل التقى والصلاح، وكان اسمه على اسم نبي الله هارون، وهارون هذا هو غير هارون النبي أخي موسى عليه السلام؛ لأن بينهما مئات السنوات، فهذا هو الأقرب.

وقيل إنه هارون أخو موسى، وإن مريم عليها السلام أخته ليست في النسب، وإنما في الصلاح والخير، وقيل كذلك إن هارون هنا هو هارون أخو موسى وإن مريم ليست أخته نسبا، ولكن كما يقال: «يا أخا تميم، ويا أخا عاد، ويا أخا مضر»، وكذلك يقال يا أخت تميم أو يا أخت كذا، أي أنك تنتسبين إليه، وأنت من آله، ولذلك تخاطب بذلك الخطاب. وأوجه الأقوال هو أولها التي أشار إليها الحديث الشريف. والله تعالى أعلم.