No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

23 مارس 2023
23 مارس 2023

ـ تتولد لدى الإنسان نزعة في أن يجعل واسطة الدعاء بينه وبين الله تعالى هو المأثور، فإن كان يحفظ شيئا أطال الجلوس، وإن كان لا يحفظ إلا القليل دعا به ثم انصرف، هل هذا احتكام إلى الشائع في الثقافة الإسلامية أم يتعلق باطمئنان المسلم إلى أن ألفاظه لا بد أن تكون سليمة، هل هذا المفهوم يحتاج إلى تصحيح؟

نعم تحتاج إلى تصحيح، أولا ما هو جوهر الدعاء هل طول الكلام وجمال الألفاظ وحسن الأقوال هو الذي ينفع الداعي، لا أحد من أهل العلم قال بذلك وإنما مرد الأمر إلى الإخلاص بصدق التوجه إلى الله عز وجل، واليقين، والتعبد بهذا الدعاء، نحن الآن نتحدث عن الدعاء لا نتحدث عن مطلق الذكر الذي يأتي به المسلم، والذي ينبغي له أن يتصف به كما وصف الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين «وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» فلب الدعاء هو صدق التوجه إلى الله تبارك وتعالى واليقين به سبحانه واستحضار معنى العبادة بهذا الدعاء، هناك آداب للدعاء، منها الطهارة واستقبال القبلة، ومن آداب الدعاء اختيار المأثور من ألفاظ الدعاء، وأولى الأدعية ما كان في كتاب الله عز وجل على لسان أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام أو ما حكاه ربنا عز وجل على لسان الأتقياء الصالحين من المسلمين عبر تاريخهم مع كل الأنبياء والرسل الذين بعثهم سبحانه وتعالى إلى الناس أو ما ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما كان دائرا في معاني القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير إسفاف ولا عدوان.

من أجل ذلك كان الاحتراز فيما يتعلق بألفاظ الدعاء لا يهم كثيرا طولها وقصرها وإنما المهم أن لا يكون فيها عدوان، والعدوان في الألفاظ بالتكلف وبمجاوزة الحدود وأن يأتي بألفاظ لا يفقه معناها على سبيل المثال، ولا يعرف معناها وحقيقتها، وما الذي يدعو به ربه؟ وما الذي يسأله في موقفه ذلك؟ والإسفاف يكون بالإكثار من السجع الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن شتى، لأنه كان متكلفا وكان أشبه ما يكون بسجع الكهان الذين كانوا يدعون علم الغيب.

الحاصل أن القاعدة الأصلية تدور حول الإخلاص لله تبارك وتعالى وصدق الإقبال عليه وتمثل أن هذا الداعي في أمس الحاجة إلى رحمات ربه تبارك وتعالى وأن يطرق باب الملك الكريم بإيقان أن الله عز وجل هو الذي بيده أسباب كل شيء وأنه القادر على كل شيء وأنه الكريم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتسامى في ضراعتنا ودعائنا إلى الله تبارك وتعالى، نجده يقول: «إذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ» وهو عليه الصلاة والسلام كان مما أثر عنه في أذكاره حينما يقول: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» وفي بعض الأدعية المأثورة المروية عنه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ،وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، وَخَيْرَ الْعَمَلِ،وَخَيْرَ الثَّوَابِ،وَخَيْرَ الْحَيَاةِ، وَخَيْرَ الْمَمَاتِ، وَثَبِّتْنِي، وَثَقِّل مَوَازِينِي، وَحَقِّقْ إِيمَانِي، وَارْفَعْ دَرَجَاتِي، وَتَقَبَّلْ صَلاَتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ العُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ» ليتنا نقف عند مثل هذه الألفاظ التي تشحذ الهمم وتسمو بالطموح وتبعث هذه النفوس النائمة إلى فسيح التعلق بالله تبارك وتعالى.

ثم يكون من آداب الدعاء بما يتعلق بما تفضلتم بالسؤال عنه، وهو اختيار ألفاظ الدعاء المناسبة، وأفضلها على الإطلاق هو ما تقدم بيانه مما كان في القرآن الكريم أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثر عن علماء أئمة أتقياء أمناء مما لا يخرج عن الأصلين السابقين، أو مما يجده في نفسه مما ليس فيه بغي ولا عدوان، وليس فيه دعاء بقطيعة رحم ولا إثم ولا اعتداء على أحد، فليدع بما في نفسه، فالله تبارك وتعالى لا تختلف عليه اللغات، ولا ينظر إلى الأشكال والمظاهر، وإنما الإخلاص وحسن التوجه وصدق القصد إليه جل وعلا، هو الذي يبلغ العبد ما يريده منه، ثم اليقين كما هو معروف في فقه الدعاء فالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قَالَ: يُسْتجَابُ لأَحَدِكُم مَا لَم يعْجلْ: يقُولُ قَد دَعوتُ رَبِّي، فَلم يسْتَجبْ لِي» والمقصود أن لا يقول مثل هذه العبارة، فإنه إما أن يحقق له إجابة ما سأله، أو أن يدفع عنه من السوء مثل ما دعا به، أو أن يدخر الله له ذلك في الآخرة، فهو لن يعدم فائدة من هذه الفوائد.

فينبغي تحري البعد عن التكلف، واختيار ما يناسب المقام أيضا، فالمكروب سيختار من الألفاظ ما يحقق له قصده من كشف الكرب وتفريج الهم، والمنعم عليه سيختار من الألفاظ ما يعبر به عن شكره وامتنانه لله تبارك وتعالى، وتمكنه من أداء حق هذه النعمة، وأن يكون متذكرا لحقوق الله عز وجل عليه وحقوق العباد عليه، وهكذا في مختلف الأحوال، ومن يواسي غيره سيختار له أيضا ما يناسب المقام، ومن يبارك لغيره في نعمة أصابته من ولد أو مال أو غير ذلك فسيختار من الألفاظ ما يناسب المقام.