No Image
روضة الصائم

عبدالله القريني: من يشتكي من ضيق الوقت وسرعة الزمن فعليه بحفظ القرآن

02 أبريل 2022
أكرمني الله بحفظ القرآن كاملا في أقل من 100 يوم
02 أبريل 2022

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في حصولهم على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، كيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذللها الله لهم لاجتيازهم هذا الدرب؟ وقصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها، كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «عبدالله بن حمد القريني».

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجّعتك العائلة على ذلك أو أن هناك رغبة شخصية لديك؟ حدّثنا عن قصة حفظك بالتفصيل؟

بدأت رحلتي مع القرآن الكريم منذ الطفولة، وقبل المدرسة الابتدائية، فقد كان أبي رحمه الله هو أول من علّمنا القرآن وشجّعنا على حفظه، فقد كان يجمعنا أنا وإخوتي على مائدة القرآن الكريم في حلقة يومية بعد صلاة الفجر في المنزل، بعدها كان يأخذنا إلى معلم للقرآن الكريم من الجنسية المصرية، وكان يعلّمنا ويحفظنا في وقت الظهر، وبعد سفره التزمنا مع إمام مسجد القرية، كل هذا ونحن لم ندخل المدرسة الابتدائية بعد، وعندما دخلنا المدرسة في فترة التسعينيات، كان هنالك اهتمام واضح بالقرآن الكريم من حيث التلاوة والحفظ، فكان يوجد مقرر في كل فصل للحفظ والتلاوة، كما كنا نتعلم بعد صلاة الفجر مع أحد أئمة مساجد القرية قواعد التجويد، وحفظ القرآن الكريم، وذلك لمدة نصف ساعة بعد صلاة الفجر ثم نبدأ في استعدادنا للذهاب إلى المدرسة الابتدائية.

وكانت الوالدة حفظها الله تشجعنا كثيرا على الحفظ، وكنا نذهب في الإجازة الصيفية إلى المراكز التعليمية الصيفية التي كانت تقام في المساجد، وعند انتهاء فترة هذه المراكز الصيفية كنا من خلال رغبتنا الذاتية، نضاعف رصيدنا من حفظ كتاب الله.

وفي صيف 2009 عندما كنت خارجا من صلاة الجمعة، وجدت رزمة أوراق إعلانية على الباب، فأخذت واحدة منها وبدأت في قراءتها وأنا أمشي في الطريق متجها إلى بيتي، فدُهشت من هذا الإعلان لأنه كُتب فيه «دورة حفظ القرآن الكريم كاملا في أقل من 100 يوم لأبي فيصل البيماني» فخالطني شعور بالفرحة والانبهار، فاتصلت مباشرة على الأرقام المسجلة في تلك الورقة لأشترك في هذه الدورة، فرد على مكالمتي أحد المشرفين على هذه الدورة وهو الأزهر الإسماعيلي، فكنت أول الحضور في يوم الدورة التي كانت في جامعة صحار فقد كانت الدورة 53 في 2009، وسُمّيت الدورة الألفية لاعتبارات عدة من أهمها أن المشاركين في هذه الدورة بلغوا أكثر من 1200 شخص.

وقد كنت أحفظ 8 أجزاء قبل اشتراكي في تلك الدورة، لكن لم تكن طريقة حفظي وفق جدول ممنهج، وأنا اعتمد على الطريقة التقليدية في الحفظ والمراجعة، ولكن بعد الاشتراك في تلك الدورة الإبداعية، التي أعتبرها البداية الحقيقية في حفظ القرآن الكريم، التي كانت تتضمّن قواعد علمية لحفظ القرآن الكريم وفق جدول ممنهج وطرق مبتكرة، فكأني بدأت من الصفر في حفظ القرآن الكريم الذي أكرمني الله بحفظه كاملا في أقل من 100 يوم.

هل شغلك حفظ القرآن الكريم عن التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟ وكيف ذلك؟

بل العكس؛ كان القرآن الكريم معينا لنا في التحصيل الدراسي، فقد كنا أيام الدراسة نستعين بمعرفتنا واطلاعنا على علوم التجويد والتفسير والحفظ في تفوقنا في منهج التربية الإسلامية، إضافة إلى أن حفظ القرآن الكريم وسّع مداركنا لتلقي العلوم الأخرى، ونجد الطلاب المهتمين بحفظ القرآن الكريم متفوقين دراسيا.

أما فيما يخص التزاماتنا اليومية في الوقت الحاضر فنجد أن القرآن الكريم ينظم وقتنا بحيث إننا ما زلنا نخصص أوقاتا محددة للمراجعة، فأنا أبدأ يومي بمراجعة القرآن الكريم وتلاوته، فتجد البركة في وقتك وجهدك في بقية الأعمال.

ما الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

الصعوبات كانت في البدايات قبل الاشتراك في الدورة الإبداعية لحفظ القرآن الكريم، فقد كنا نحفظ وننسى أحيانا ما حفظناه؛ لأننا لم نكن نتّبع خطة معيّنة أو طريقة معيّنة بالنسبة للحفظ، ولكن كنا نصبر ونحاول التغلب على تلك التحديات، وككل البدايات في كل الأعمال البشرية تجد أن الصعبات حاضرة، ولكن من المهم عدم الاستسلام لتلك التحديات وإنما موجهتها وتجاوزها، وهذا ما فعلناه، فقد أخبرنا الشيخ أبو فيصل البيماني أنه بعد 21 يوما من الحفظ سوف تنفتح لك آفاق الحفظ، فاستطعنا مضاعفة عدد صفحات الحفظ بعد 21 يوما.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسّدت البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه؟

أول ما سيجده ويلامسه ويشعر به حافظ القرآن الكريم، هي البركة التي يشعر بها في الوقت، فيجد أنه يستطيع إنجاز الكثير من الأعمال، أكثر من الأيام التي كانت قبل حفظ القرآن الكريم بشكل ملاحظ، بينما نسمع الكثير من الناس يشتكون من سرعة الزمن في هذه الأيام، وأنهم لا يوجد لديهم وقت، فمن أراد أن يتبارك وقته وعمره فعليه بحفظ القرآن.

وكذلك البركة في المال، فتجد بأموال قليلة تستطيع أن تؤمن الكثير من الاحتياجات، فأول ما التحقت بوظيفة، كان الراتب قليلا ولكنني استطعت أن أبني منه بيتا، وأشتري سيارة وأتزوج منه، فأنا ألاحظ البركة في كل يوم من حياتي بسبب هذا الكتاب الكريم.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

نعم، هناك الكثير من الأفكار والقناعات التي اكتسبناها في المراحل المبكرة وترسّخت في أذهاننا، ولكن بعد أن دخلنا الدورة الإبداعية لحفظ القرآن الكريم تعلّمنا مجموعة من الأفكار غيّرت قناعاتنا السابقة، ومن أمثلة ذلك أن مرحلة الطفولة هي مرحلة الحفظ، أما الإنسان الذي كبُر سنه فإنه غير قادر على الحفظ، وهذه فكرة غير دقيقة؛ فتلك الدورات الإبداعية لحفظ القرآن الكريم شاركت فيها مجموعة من كبار السن، وقد حفظوا القرآن كاملا، والله تعالى يقول في سورة القمر: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» وتم تكرارها في هذه السورة 4 مرات، مما يدل على أن حفظ القرآن الكريم وتدبره سهل ويسير على من يسره الله عليه.

ومن القناعات التي تغيّرت لدينا في هذه الدورة أن الحد الأقصى للحفظ في اليوم الواحد هو صفحتان، ولكن استطعنا أن نحفظ 6 صفحات في اليوم. وأيضا كنا نظن أن القرآن الكريم يحتاج إلى سنوات من الحفظ والاجتهاد والتعب حتى يتم حفظه كاملا، ولكن أكدت لنا التجربة في تلك الدورة أن القرآن الكريم يحتاج إلى أقل من 100 يوم حتى يتم حفظه كاملا.

يعاني البعض من سرعة نسيان ما حفظه من القرآن الكريم، ما الطرق الحديثة التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

هنالك خطط معيّنة لحفظ القرآن الكريم وعدم نسيانه، فعندما تحاول أن تحفظ صفحات جديدة، فيجب عليك أن تبدأ بالصفحات التي حفظتها بالأمس، وهي بمثابة إحماء للذاكرة حتى تتهيأ لعملية حفظ الصفحات الجديدة، وبعد عملية الحفظ يتم تثبيت الحفظ أي تكرار المحفوظ الجديد 6 مرات حتى يرسخ في الذاكرة، ومن ثم هنالك خطة متكاملة لمراجعة المحفوظ الكلي وهكذا. وعملية الحفظ يجب أن تكون وفق خطة متكاملة محكمة، وليس من خلال الحفظ العشوائي الذي يؤدي إلى مشاكل النسيان.

أما عن عملية المراجعة بعد أن يتم إكمال حفظ القرآن الكريم كاملا، فيجب أن يخصص الحافظ وردا يوميا لمراجعة حفظه، وهذه المراجعة أيضا تتم وفق نظام معيّن وخطة شاملة.

ما أجمل قصة حصلت لك أثناء مسيرتك مع حفظ كتاب الله؟ احكها لنا؟

من القصص التي حصلت لي وأنا ما زلت في عملية الحفظ أنني كنت أريد أن أعمل عملا معيّنا، وكان هذا العمل يستحوذ على تفكيري، ولكن عجبت كل العجب أن ذلك العمل الذي كنت أريد إنجازه انقضى وتحقق من غير أن أسعى له ومن غير أن أحرك ساكنا.

ومن عجيب ما حدث لي في ليلة إتمام الحفظ وهي ليلة ختم حفظ القرآن الكريم كاملا، أحسست بروحانية عجيبة، فكأني أحلق في السماء من شدة الفرح والروحانية، وكان قد حان وقت النوم، ولكني لا أريد أن أنام أحس بأن روحي سابحة في ملكوت الله، فذلك الشعور لا يمكن أن أعبّر عنه بعشرات الكتب، فهو شعور لا يعلمه ولا يمكن أن يصل إلى حقيقته إلا من جرّبه فقط، فهو شعور ببهجة غير طبيعية، وسعادة غامرة، وكأن السماوات والأرض تزيّنت لك تحتفي بك كونك أكملت حفظ كتاب الله، فتلك الليلة لم أشعر إلا بالنور الذي ملأ روحي وجوانحي.

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

أولى تلك الآيات هي الآية الموجودة في سورة الأحزاب: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»، والآية من السورة نفسها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا».

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

هذه المسألة أصبحت ضرورية ومهمة تشغل الجميع، فتجدها محل اهتمام الوالدين، والمعلمين، وأئمة المساجد، فنحن نحتاج إلى منهج متكامل يربط الناشئة بالقرآن الكريم، في ظل هذا الكم الهائل من الملهيات والمغريات في الحياة العصرية، فتجد أن الناشئة ينجذبون إلى وسائل الترفيه المتنوعة مثل الأجهزة الإلكترونية وغيرها.

ولكن من ضمن الطرق التي يمكن أن تساعد على ربط الأطفال والناشئة بالقرآن الكريم الاستماع الدائم للقرآن الكريم، من خلال تشغيله في الأجهزة السمعية، أو قنوات القرآن الكريم في التلفاز، فهذا ينمّي شعور الطفل بالاهتمام بالقرآن الكريم، وكذلك نجد الطفل يتخذ من والديه قدوة له فيجب أيضا عليهما أن يخصصان وقتا لقراءة القرآن الكريم وتلاوته في المنزل، فعندما يراها سوف يقوم بتقليدهما.

وهنالك طرق مبتكرة تعتمد على التعاليم باللعب، وتختلف هذه الألعاب باختلاف المراحل العمرية، فمثلا الطفل من 4 إلى 6 سنوات تتناسب معه طريقة جميلة اتبعتها أنا مع أولادي وهي أن نرسم قلبا ثم نقسّمه عدة أقسام، ثم نخبر أن هذا القلب هو قلبك يا فلان «أي الطفل» ثم نوزع قصار السور على أجزاء ذلك القلب، ثم نخبره بأنه كلما حفظ سورة سيقوم هو بتلوينها، حتى يزهو هذا القلب بتلك الألوان.

ولكي لا يشعر الطفل بالسآمة والملل، فينبغي أن تكون حصة قراءة القرآن وتحفيظه قصيرة ولكن يمكن تكرارها في أوقات مختلفة من اليوم، على أن تكون الحصة لمدة عشر دقائق على سبيل المثال، كما أن تقديم الهدايا والحوافز المادية مهم لتشجيع الأطفال.

ومن ضمن الطرق التي اتّبعتها مع أطفالي أنني أعرض عليهم رسوما متحركة تحت عنوان «سعود وسارة في روضة القرآن» وهي رسوم تعليمية مسلية وهادفة، ومشوقة للأطفال في مراحلهم الأولى، ومن ضمن الطرق أننا نقوم بتصويره في مقطع مرئي وهو يتلو ما قام بحفظه، ومن ثم بعد ذلك نعرض هذا المقطع على العائلة ليقوموا بالثناء عليه، وهذا نوع من التعزيز المعنوي الذي يساعده على التعلق بالقرآن.

ومن ذلك أيضا سرد القصص القرآنية، فالأطفال بطبيعتهم يستمعون باهتمام للقصص، ويستمتعون بها.

ما هي المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ؟

بعد ما أنهيت حفظ القرآن شاركت في مجموعة من المسابقات المحلية وحصلت على مراكز متقدمة في هذه المسابقات، وهي بالفعل تعد حافزا لإتقان الحفظ.

كيف يستعد الحفاظ للمشاركة في مسابقات حفظ القرآن الكريم؟

من خلال التكرار الكثير للحفظ، فمثلا إذا كان مشاركا ضمن فريق في هذه المسابقات فعليه أن يقوم باختبارات مصغرة، هذه الاختبارات عبارة عن التسميع من مواضع مختلفة من المصحف، حتى يطمئن إلى الجاهزية القصوى لدخوله إلى المسابقة.

ما المشروعات المستقبلية التي تطمحون إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله؟

من ضمن الأهداف المشتركة التي يسعى حفاظ القرآن الكريم إلى تحقيقها هو نشر ثقافة حفظ القرآن الكريم في المجتمع، فالدورة الإبداعية لحفظ القرآن الكريم التي اشتركت فيها تهدف إلى تخريج 300 ألف حافظ للقرآن الكريم في سلطنة عمان، ونحن شركاء في هذا الطموح، كما كان من ضمن أهداف تلك الدورة وطموحاتها هو إنشاء جامعة في سلطنة عمان مختصة بعلوم القرآن الكريم، وكلنا شركاء في هذا الهدف.